يعد ابيضاض الشعاب المرجانية من أكثر آثار تغير المناخ التي يمكن ملاحظتها سهولةً. مع ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم، ترتفع درجات حرارة المياه أيضاً، ما يتسبب في إجهاد الشعاب المرجانية الملونة وفقدانها للطحالب التكافلية التي تعيش فيها. تسلب هذه الظاهرة مصدر الغذاء الأساسي للشعاب المرجانية، وتجعلها عرضة للإصابة بالأمراض.
لقد رأينا هذا يحدث عدة مرات عبر التاريخ الحديث، فقد شهد الحاجز المرجاني العظيم قبالة كوينزلاند في أستراليا في عام 2020 ثلاث أحداث تبييض كبيرة خلال 5 سنوات فقط، وقد يشهد حدثاً آخر بحلول نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2022. يكون التبييض في بعض الحالات شديداً لدرجة أنه يؤدي إلى ارتفاع معدل موت الشعاب، ويؤثر تدهور الشعاب المرجانية على مجتمعات الأسماك التي تعيش هناك، وكذلك على البشر الذين يعتمدون على الشعاب المرجانية كمصدر للغذاء أو للدخل.
تعافي الشعاب المرجانية ومؤشرات جيدة أخرى
شهد أرخبيل "سيشل" الإفريقي في عام 1998 موجة حر هائلة تسببت في موت كل الشعاب المرجانية في المنطقة تقريباً. اكتشف الباحثون الذين استطلعوا آثار الكارثة على مدار العشرين عاماً الماضية أن نحو نصف الشعاب المرجانية قد تعافت، بينما تم استبدال النصف الآخر بالأعشاب البحرية. لكن مؤخراً، وجد فريق دولي من العلماء أن مجموعات الأسماك، حتى تلك التي تعيش حول الشعاب المرجانية الأكثر تضرراً، كانت تتمتع بصحة أفضل مما كان متوقعاً، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالقيمة الغذائية التي تحملها هذه المجموعات بالنسبة للإنسان. نشر الباحثون النتائج التي توصلوا إليها في 7 يناير/كانون الثاني 2022 في دورية "أرض واحدة".
يقول "جيمس روبنسون"، عالم بيئات الشعاب المرجانية في جامعة لانكاستر في المملكة المتحدة، والمؤلف الرئيسي للبحث الجديد: "سيشل هي مكان مناسب للغاية لدراسة الطريقة التي تساهم بها الأسماك في صحة البشر لأن الكثير من السكان يتغذّون على الأسماك".
جمّع روبنسون مع حفنة من الصيادين المحليين الأسماك وعينات من 43 نوعاً من الشعاب الاستوائية من كل من المناطق المتعافية والمناطق التي انتشرت فيها الأعشاب البحرية، ثم أرسل هو وزملاؤه من الباحثين عيّنات مجمّدة من عضلات الأسماك لتحليل أمور مثل تركيز المعادن والأحماض الدهنية.
أسماك غنية بالمغذيات
يقول روبنسون: "أردنا أولاً أن نعرف مدى غنى أسماك الشعاب المرجانية بالمغذيات، لذلك قمنا بمقارنة نتائج التحليلات بلحوم أخرى مثل لحم الدجاج ولحم الخنزير ولحم البقر"، ويضيف: "ما وجدناه هو أن أسماك الشعاب المرجانية مغذية بنفس الدرجة أو أكثر من تلك اللحوم ... كان ذلك رائعاً للغاية، وكشف النقاب عن الدور الذي تلعبه الشعاب المرجانية في صحة البشر".
اكتشف الباحثون أيضاً أمراً غريباً، بالإضافة إلى كون "أسماك الأفاعي" صحية بشكل عام، فهي أصبحت مغذية أكثر بعد حدوث التبييض. بعد مقارنة البيانات، وجد مؤلفو الدراسة زيادة في الكتلة الحيوية للأسماك الحالية وزيادة مقابلة في المغذيات الموجودة فيها مقارنة بأسماك ما قبل عام 1998.
علاوة على ذلك، تحتوي الأسماك الموجودة في الشعاب المرجانية المليئة بالأعشاب البحرية على كمية من الحديد والزنك أكثر من الأنواع نفسها التي تعيش في مواقع الشعاب المرجانية المتعافية. يقول روبنسون إن التغيير الكبير في شبكة الغذاء، وانتشار الطحالب الكبيرة الغنية بالمغذيات، انتشر عبر السلسلة الغذائية ليشمل كل الأنواع التي تتغذى على الأعشاب البحرية.
يقول روبنسون: "يشير ذلك إلى أن شعاب سيشل تستمر في توفير الطعام على الرغم من الآثار البليغة للتغير المناخي".
تفاؤل حذر
مع ذلك، لا تُستبدل جميع الشعاب المرجانية المبيضة بالأعشاب البحرية، ففي بعض الأحيان، تستبدل الشعاب بطحالب عشبية، والتي لم تتم دراستها بهذه الطريقة حتى الآن. لذلك هناك دائماً احتمال ألا ينتج عن أحداث التبييض الأخرى، مثل تلك التي حدثت في السنوات الأخيرة، نفس النتائج الإيجابية. مع ذلك، يؤكد هذا البحث الجديد على أهمية حماية الشعاب المرجانية كجزء من حماية النظام الغذائي، حتى بعد تأثيرات تغيّر المناخ.
حالياً، تعتمد سيشل كثيراً على الواردات، إذ يأتي نحو 90% من إجمالي الغذاء فيها من خارج البلاد. يشكل تغير المناخ على الصعيد العالمي تهديداً متزايداً للنظم الغذائية، سواء كان ذلك بسبب انخفاض المحاصيل الزراعية أو الآثار السلبية على مصايد الأسماك.
يقول روبنسون: "يجب أن نركز الانتباه على ما إذا كان بإمكاننا إدارة الشعاب المرجانية للحفاظ على إمداد الغذاء وفهم كيفية تأثير التبييض عليها في نفس الوقت"، ويضيف: "معظم الشعاب المرجانية لا تتم إدارتها بهدف صيد الأسماك، لذلك هناك خطر أنه إذا ازداد معدل الصيد، سيخسر البشر تلك الفوائد الغذائية. نأمل أن يكون هذا سبباً كافياً لإدارة وحماية أسماك الشعاب المرجانية".