أحفورة لأفعى رباعية الأرجل يُشتبه بأنها لسحلية نحيلة تعيد فتح الجدل حول أصل الأفاعي

4 دقائق
أصل الأفاعي
حقوق الصورة: يوليوس كسوتونوي.

يشير تحليل جديد أن أحفورة قديمة اعتُقد أنها تعود لأفعى رباعية الأرجل من قبل هي في الواقع سحلية قديمة.

استنتج الباحثون في 2015 أن هذه العينة التي عمرها 120 مليون سنة، والتي أتت من البرازيل، تعود لأفعى، وذلك بناءً على جمجمتها وميّزاتها البنيوية الأخرى. ولكن الآن، وبعد فحص الحجر الذي يحتوي على هذه الأحفورة، استنتج فريق آخر من العلماء أن تصنيفها كان خاطئاً.

الجدال المستمر حول هذا النوع، والذي اسمه «تيترابودوفيس أمبليكتوس» (Tetrapodophis amplectus)، له تبعات على فهمنا للتاريخ التطوري للأفاعي. كما أنه يرتبط أيضاً بمسائل أخلاقية مهمة لها علاقة بدراسة أحفورة نُقلت بشكل غير قانوني على الأرجح من البرازيل، وذلك وفقاً لما كتبه الباحثون في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في دورية «علم الحفريات التصنيفي» (Systematic Palaeontology).

قال «مايكل كالدويل»، عالم الحفريات الفقارية في جامعة ألبرتا والمؤلف المشارك للورقة الجديدة: «أردنا أن نتحدّى المكتشفات الأولية وأن نعيد فتح النقاش حول هذا النوع من الزواحف وإعادته إلى البرازيل».

بحث العلماء طويلاً عن أحفوريات يمكن أن تساعد في كشف الطريقة التي اختفت فيها أطراف الأفاعي المبكرة (وهي ميزة تتشاركها الأفاعي مع بعض السحالي والبرمائيات الحديثة). وبالفعل، حدد الباحثون عدداً من أنواع الأفاعي المبكرة التي كانت تمتلك أطرافاً خلفية. لذا، ففكرة وجود حلقة مفقودة بين الأفاعي وأسلافها السحالي ليست مفاجئة.

يقول كالدويل: «لكن في حالة جنس التيترابودوفيس، لا تدعم البنية التشريحية لهذه الحيوانات ادعاء أنها كانت أفاعٍ قديمة رباعية الأرجل»، ويضيف: «بالتالي، ما نراه من أحافير لا يعطينا معلومات عن أصل الأفاعي أو تطوّر استطالة أجسامها و فقدانها للأطراف وتخصص جماجمها».

يُعتقد أن العينة سابقة الذكر أتت من تكوين «كريتو» الجيولوجي الغني بالحفريات في شمال غرب البرازيل، وأنها تعود إلى العصر الطباشيري («التكوينات الجيولوجية»، أو «التشكّلات الجيولوجية»، هي كتل صخرية تتميّز بمجموعة متسقة من الخصائص الفيزيائية التي تميزها عن الكتل الصخرية المجاورة). وفقاً لكالدويل، إن الحقائق وراء هذه العينة ليست معروفة بدقة، ولكن من المرجح أنه تم البحث عنها دون تصريح، وأنها نُقلت من البرازيل عبر خط تجارة الأحافير غير القانوني. توجد هذه العينة الآن في مجموعة ذات ملكية خاصة، مما يثير مخاوفاً أخلاقية إضافية حول دراسة العينات التي ليست متوفر بشكل واسع النطاق (تمكّن كلا الفريقين من فحص هذه العينة أثناء إعارتها لمتحف في ألمانيا).

يقول «تياجو رودريغز سيمويس»، وهو عالم حفريات برازيلي من جامعة هارفارد ومؤلف مشارك للدراسة الجديدة: «يجب على الأشخاص أن يعترفوا بأصل العينات، لأنها أتت من مكان معروف»، ويضيف: «هذا المكان هو منطقة يعيش فيها بشر، وهو يمثّل جزءاً من إرثهم المحلي».

وفقاً لسيمويس، إن إعادة هذه العينة إلى البرازيل هو أمر بالغ الضرورة «ليس فقط لتطبيق القانون، بل أيضاً كعمل أخلاقي».

اقرأ أيضاً: الأفاعي تمارس الصيد الجماعي

جدال حول أصل الأفاعي

عندما وصف العلماء تيترابودوفيس أمبليكتوس لأول مرة في 2015 في دورية «العلوم» (Science)، لاحظوا ميزات قد تكون ناتجة عن تكيف هذا النوع بهدف إجراء عمليات مثل الحفر، وتقلص عضلات الجسم لسحق الفرائس، وفتح الفم بما يكفي لابتلاع الفرائس الكبيرة، وهي ميّزات تشابه ميزات الأفاعي الحالية.

لكن فسّر كالدويل وسيمويس وزملاؤهما سمات العينة بطريقة مختلفة.

إحدى التحدّيات التي واجهت الباحثين هي أن الجمجمة في هذه العينة لم تكن محفوظة بشكل جيد أبداً. يقول كالدويل: «عندما قمنا بشق الصخرة لنفحص العينة، لاحظنا أن معظم المواد الموجودة في الجزء الأيمن كانت مفقودة، وأن الجزء الأيسر كان يتألف من كتل مكسرة من العظام الرقيقة للغاية». مع ذلك، سمح فحص الانطباعات التي تركتها العظام على القالب الصخري المحيط بالأحفورة للباحثين بأن يدرسوا الجمجمة بشكل أكثر تفصيلاً.

استنتج الباحثون بناءً على شكل وموضع الفكين والعينين أن هذا النوع يشبه السحالي أكثر من الأفاعي. وعلى الرغم من أن جسم هذا النوع كان مرناً، إلاى أن الباحثين لم يجدوا أدلة تبين أن بنية الفقرات كانت متناسبة مع عملية تقلص العضلات بهدف سحق الفرائس. استنتج الفريق أيضاً أن جسم تيترابودوفيس أمبليكتوس النحيل المسطح كان مناسباً أكثر للبيئات المائية منه للعيش في جحور تحت الأرض. وفقاً لما كتبه الباحثون، يمكن أن يكون هذا الزاحف قد استخدم أطرافه القصيرة لتوجيهه في الماء. يقول كالدويل أن إحدى المؤشرات التي تدعم ذلك أيضاً هي أن العينة قد وجدت في صخور رسوبية ترسّبت في بحيرة.

حلل كالدويل وزملاؤه شجرة عائلة الزواحف للتنبّؤ بموقع تيترابودوفيس أمبليكتوس فيها. ووجدوا أنه ينتمي على الأرجح إلى مجموعة منقرضة من السحالي البحرية تدعى «دوليكوسوروس» (Dolichosaurus)، وهي مجموعة قريبة للغاية من الأفاعي.

وفقاً لكالدويل، كان تيترابودوفيس أمبليكتوس «حيواناً صغيراً للغاية»، لكن حتى تُجمّع المزيد من العينات، لا يمكن الحسم فيما إذا كانت هذه العينة تعود لحيوان بالغ أم لا. يبلغ طول العينة حوالي 19.5 سنتيمتراً، ووفقاً لكالدويل، تذكّر بنيتها «النحيلة للغاية بالسباغيتي الثخينة».

لا يؤيد كل العلماء الورقة البحثية الجديدة 

قال «نيكولاس لونغريتش»، وهو عالم حفريات في جامعة «باث» في إنجلترا والمؤلف المشارك للورقة العلمية التي نُشرت في 2015 حول نفس العينة، لموقع «بوبيولار ساينس» في بريد إلكتروني: «لا شك أن هناك مجال للجدال حول بعض سمات الهيكل العظمي في هذه العينة، إذ أن العظام مكسورة أو مغطّاة بالصخرة في بعض النقاط. لذا فشكل بعض العظام ليس واضحاً»، وأضاف: «لكن بشكل عام، لا زلت أعتقد أن البنية التشريحية متسقة أكثر بكثير مع الفرضية التي تنص على أن هذا الحيوان له قرابة مع الأفاعي».

وفقاً لرونغريتش، إن كشف الحقائق حول العائلة التي تنتمي إليها هذه العينة هو أمر ضروري للغاية. ويقول: «كأقدم وأكثر الأفاعي بدائية، يمكن أن نتعلم من هذا النوع الكثير عن الأفاعي المبكرة، مثل شكلها، ونمط حياتها ومواطنها»، ويضيف: «لا أعتقد أن الورقة الجديدة ستحسم الجدال حول أصل الأفاعي».

وفقاً لكالدويل، حتى لو لم يكن هذا النوع هو أفعى رباعية الأرجل، تبقى العينة مثيرة للاهتمام لأسباب أخرى، مثل شكلها المستطيل للغاية، وأطرافها التي تشبه الدواسات، وعدد الفقرات المبالغ به مقارنة بمعظم الأفاعي والسحالي.

يقول كالدويل: «ما تعلمنا دراسة هذا النوع هو وجود مستويات غير متوقّعة من التنوع في تطور استطالة الجسم وفقدان الأطراف عند السحالي»، ويضيف: «تبقى هذه العينة فريدة من نوعها حتى ولو لم تكن تعود لأفعى».

المحتوى محمي