صوّر فيلم الرسوم المتحركة "أبناء عرس" (The Weasels)، والذي أنتجته شركة ديزني عام 1949، عصابة من اللصوص المحتالين والمخادعين، والذين يتمتعون بخفة في الحركة، على هيئة حيوان ابن عرس، ولُقبوا باسمه، ويبدو أن هذا لم يكن عبثاً، في الواقع يتمتع حيوان ابن عرس في الصيد بسمات الدهاء والخداع والشراهة، إلا أن هذا الصياد المخادع قد يصبح الطريدة ذاتها، فلسوء الحظ، لا يزال ابن عرس على رأس قائمة موردي الفراء في العالم. فما هو حيوان ابن عرس؟ وما السر في صيته السيئ؟
حيوان ابن عرس
ابن عرس من الحيوانات الثديية صغيرة الحجم، ينتمي لعائلة "الموستليدات" (Mustelidae)، ويضم ثلاثة أجناس. يعد هذا الحيوان أصغر المفترسات في العالم؛ إذ يبلغ طوله دون الذيل نحو 30-35 سنتيمتراً، أما مع الذيل فيصل إلى (2.5- 3.5) سنتيمتراً. يتميز برأسه الصغير، وأرجله القصيرة، ويتلون بالبني أو الرمادي أو الأسود، مع تقليمات بيضاء أو صفراء، إلا أن جميع أنواعه تتحول إلى بيضاء في الكامل في الشتاء، مع تموجات بلون الخزامى تحت ضوء الشمس، ما يجعله هدفاً للصيادين للحصول على فرائه.
تنتشر أنواع ابن عرس في كافة القارات باستثناء القارة الأسترالية والجزر المحيطة بها، وأكثرها شيوعاً هو النوع الأوروبي أو ابن عرس قصير الذيل، حيث يمكن العثور عليه في معظم أجزاء نصف الكرة الأرضية الشمالي. تعتبر هذه الحيوانات من الأنواع الذكية والانتهازية، والتي تفضّل الاستيطان في المناطق الحضرية بالقرب من المزارع، حيث يتوفر الإمداد الغذائي لها بشكل دائم. وعلى الرغم من قدرتها على التكيف وتوافر المغذيات، فإنها مهددة بفقدان موائلها.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى حيوان القيوط بطل الحكايات الشعبية وذئب البراري الذكي
ماذا يأكل ابن عرس: سبب سمعته السيئة؟
تعود السمعة السيئة لابن عرس من العداء التاريخي للمزارعين ومربي الدجاج له، إذ يساعده حجمه الصغير وبنيته المرنة على الانزلاق في أقفاص الدجاج، فتهاجم حيوانات ابن عرس الدجاج والطيور بمختلف أنواعها، وتسرق بيضها والأرانب، بينما تفضل أنواع أخرى لابن عرس افتراس القوارض كالفئران والسناجب.
بالإضافة لذلك، توصف حيوانات ابن عرس بالشره والنهم، بسبب الكميات الكبيرة التي تتناولها من الغذاء، والتي قد تفوق حاجتها، وهو ما يعود إلى ارتفاع معدل التمثيل الغذائي لها، وحاجتها لتناول ثُلث وزنها بشكل يومي. في الشتاء، حين تقلّ الفرائس، ونظراً لأنه لا يدخل في سبات شتوي، يخزن ابن عرس وجباته في جحور الحيوانات المهجورة، وينخفض تمثيله الغذائي للحفاظ على الدفء، فتتحول هذه الحيوانات إلى كرات من الفرو داخل جحورها.
لاصطياد الفريسة، يحاول ابن عرس ترهيبها بحركات رقص، والقفز يميناً ويساراً، ثم يضربها من عنقها، ويستمر في العض حتى تموت. علاوة على ذلك، طوّرت هذه الحيوانات تكيفات جسدية لاصطياد الفرائس، بما في ذلك الشعيرات الطويلة على مرفقي الأرجل الأمامية للمساعدة في مناورات الإمساك بالفريسة في المساحات الصغيرة، وشعيرات الذيول لتمكينها من الخروج من الجحور الضيقة والمشي للخلف، ومخالب لتسلق الأشجار ومداهمة الطيور والسناجب في أعشاشها، كما يتحول فراؤها إلى اللون الأبيض في الشتاء، ما يساعد حيوانات ابن عرس على الاختفاء والتواري عن أنظار صياديها. من هنا كان السبب في تسمية من يتمكن من الإفلات من المواقف المحرجة بـ"ابن عرس".
تكاثر ابن عرس: السلوك الاجتماعي
تعيش حيوانات ابن عرس حياة فردية غير اجتماعية مع أقرانها، وتعيش في نطاقات إقليمية تتفاوت في الحجم وفقاً لتوافر المغذيات، وقلما تتداخل فيما بينها باستثناء فترة التزاوج بين الذكور والإناث، حيث تميل هذه الأنواع لقضاء وقتها في البحث عن الغذاء ليلاً ونهاراً متجنبة بعضها بعضاً إلا عند موسم التكاثر، فتجتمع الذكور والإناث للتزاوج لمرة أو مرتين في السنة في أراضي الأنثى، يحاول الذكر خلالها التقرب من الأنثى بإصدار أصوات تهليل لجذبها.
على الرغم من قصر فترة الحمل، والتي لا تتجاوز الشهر، فإن البويضة تحتاج إلى عدة شهور حتى تنغرس في الرحم وتبدأ في النمو. على سبيل المثال، يتزاوج نوع ابن عرس طويل الذيل في منتصف الصيف، إلا أن الحمل لا يبدأ حتى الربيع في مارس/ آذار. يبني ابن عرس عشه لاستقبال صغاره في شقوق الأشجار وجذورها، والجحور المهجورة المبطنة بالعشب، وتحمل الأنثى وسطياً بـ4-7 أجنة لمدة شهر، ثم تلد صغار ابن عرس عمياء وصماء وقليلة الشعر. تعتمد الصغار في أيام حياتها الأولى على الأم للحصول على الدفء والغذاء، في حين ليس للذكر أي مشاركة في رعايتها حتى الفطام.
بعد ثلاثة أشهر، يمكن لصغار ابن عرس أن تغادر جحرها إلى الحياة البرية لتعلم الصيد مع أحد الوالدين. تتفاوت طول فترة النضج الجنسي لحيوانات ابن عرس باختلاف الأنواع، إلا أنها وسطياً تصبح قادرة على التكاثر بعد 115 يوماً.
اقرأ أيضاً: هل نظلم الثعلب حقاً عندما نصفه بالمكار؟
علاقة ابن عرس بالبشر: التهديدات والمفترسات
قد تعتقد أن حيوانات ابن عرس مفيدة للبشر لتخليصهم من الفئران والجرذان، إلا أنه وبعد قرون من السلوك الانتهازي والجشع لابن عرس، اكتسبت هذه الحيوانات سمعة سيئة وتحولت لآفة زراعية، ما عرّضها للاصطياد والقتل من قبل البشر بشكل دائم لحماية الدواجن والمواشي من مداهماتها. علاوة على ذلك، كان للحجم الصغير لابن عرس انعكاس سلبي على أعداده، فكان سبباً في تحوله إلى فريسة سهلة لبعض الحيوانات المفترسة الأخرى كالطيور الجارحة، مثل النسور والبوم، والأفاعي والثعالب، والكلاب والقطط في المدن. على الجانب الآخر، أُدخل حيوان ابن عرس إلى البلدان التي لا يتواجد فيها بشكل طبيعي، لاستخدامه في مكافحة الآفات، وللحصول على فرائه الثمين.
مهما أبدى حيوان ابن عرس من لطافة بشكله وفرائه، فإنه يبقى أحد أكثر المفترسات جشعاً ودهاءً، فهل أصبحت تعرف الآن لماذا كان لقب "ابن عرس" مرادفاً لوصف الشخص المخادع والجشع؟