كل ما يتطلبه الأمر هو وخزة سببتها لدغة أو عضة على ساقك، وقد تموت في غضون دقائق. السم -سواء كان مصدره الزواحف أو الحشرات أو الأسماك أو الثدييات أو المفصليات- هو مادة فعالة للغاية؛ لكنه ليس مميتاً دائماً، بل إن استخدام السموم في الكثير من المجالات الطبية قد يقلب الصورة النمطية عنها.
تطورّت الكائنات السامة بشكل مستقل مرات لا تُحصى، ولم تتفرع هذه الكائنات المتنوعة من سلف سام واحد، لذلك تطور كل نوع بمفرده. نتيجةً لذلك؛ اعتماداً على النوع، يحتوي كل سم على مزيج كيميائي مختلف مصمم بشكل مثالي لمهاجمة الفريسة النموذجية للحيوان. نتج عن ذلك وجود عدد كبير من المواد الكيميائية غير الموجودة في أي مكان آخر في الطبيعة؛ والتي يمكن أن تؤثر على الدم أو العضلات أو الجهاز العصبي المركزي. اكتشف العلماء مجموعةً كبيرةً من التطبيقات لهذه المواد الكيميائية - من تلك الطبية إلى المتفجرات وغيرها.
يمكنك التعرّف على بعض استخدامات السموم الأكثر أهميةً في هذا المقال.
استخدام سم الأفاعي في علاج السرطان
يحتوي سم الأفاعي الجرسية على مادة كيميائية تسمى «كروتوكسين»، وتُعتبر هذه المادة سامةً للخلايا؛ ولكنها تكون فعالةً فقط على أنواع معينة من الخلايا. بالنسبة لسم الأفاعي، فهذه المادة فعالة على الخلايا الموجودة في الدم والعضلات. استخدم الباحثون المزيج الفريد من القدرة على الاستهداف والسمية لمادّة الكروتوكسين لابتكار علاج للسرطان يسمى «سي بي 24»؛ وهو علاج يكشف ويقتل الخلايا السرطانية التي تنمو خارج نطاق السيطرة. بدت التجارب الأولية واعدة، على الرغم من أن سي بي 24 ليس متاحاً تجارياً بعد (أُجريت آخر تجربة سريرية في عام 2002).
سم الرتيلاء المكسيكية الحمراء (براكيبيلما سميثي)
عندما يشعر جسمك بالألم، تتلقى الخلايا في جهازك العصبي المركزي إشارات الألم من خلال مسارات متخصصة في أغشية الخلايا تسمى قنوات الصوديوم. إذا سُدّ عدد كبير من قنوات الصوديوم لفترة طويلة جداً، فستصاب الخلايا بالشلل، ولن تصبح قادرةً على تنظيم وظائف الجسم الأساسية؛ ولكن إذا قمت بسد العدد والنوع المناسبين من قنوات الصوديوم، فإن الجسم سيستمر في أداء وظائفه بشكل مناسب، وستخف إشارات الألم.
في حين تعمل بعض مسكنات الألم بسد عدد كبير من هذه المسارات، فإن سموم العناكب تعمل بشكل نوعي، وتسد قنوات صوديوم معينةً. يعمل الباحثون على تطوير مسكّنات للآلام باستخدام سموم عناكب مثل الرتيلاء تكون ذات آثار جانبية أقل.
خفض ضغط الدم
في سبعينيات القرن الماضي، ابتكر العلماء إحدى الأدوية الأولى التي تعتمد على الخصائص الكيميائية للسموم. يحتوي سم أفعى «بوثروبس جاراكا» (الدسّاس الزّعْبَل) على بروتين يعطل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (أيه سي إي)؛ والذي يرفع ضغط الدم لدى البشر والثدييات. قام الباحثون بتحويل السم إلى مثبط غير سام لإنزيم «أيه سي إي» يُستخدم لعلاج ارتفاع ضغط الدم. اليوم؛ يتعاطى ملايين البشر هذا الدواء الذي يخفض أيضاً من خطر الإصابة بأمراض الكلى والسكتة الدماغية والسكري.
استخدام سم المامبا السوداء لعلاج اضطرابات الجهاز العصبي المركزي
يمكن لثعبان المامبا الأسود؛ والذي يعيش في السافانا الأفريقية، أن يقتل رجلاً بقطرتين فقط من سمّه. تكمن قوة هذه الأفاعي في سمومها العصبية؛ وهي مواد كيميائية تضعف الجهاز العصبي المركزي. يدرس الباحثون في جامعة «بورتوريكو سنترال ديل كاريبي» كيفية عمل هذه المواد الكيميائية، مفتونين بكيفية ارتباطها بقوة بالخلايا العصبية، من أجل استخدامها في العلاجات المستقبلية للأمراض التي تفكك خلايا الدماغ والجهاز العصبي؛ مثل ألزهايمر وباركنسون.
إضاءة الدماغ
على مدى عقود، استخدم العلماء السموم للوصول لفهم أفضل عن كيفية ارتباط المواد الكيميائية بالخلايا، وكيف يؤثر ذلك بدوره على كيفية تواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض. في الستينيات، اكتشف العلماء الآلية الكامنة وراء مرض عضلي يسمى «الوهن العضلي الوبيل» باستخدام سم الأفعى التايوانية؛ لكن في العام الماضي، استخدم باحثون في جامعة كاليفورنيا - ديفيس، سم الرتيلاء الفلوري لإضاءة الخلايا العصبية الحية.
لقد فعلوا ذلك لفهم التغيرات في الشحنات الكهربائية في الخلايا بشكل أفضل. عندما يتم إغلاق القنوات الكهربائية التي تسمح بدخول البوتاسيوم إلى الخلايا، تضيء المادة الكيميائية الفلورية، ويخف سطوعها عندما تكون القنوات مفتوحة. في المستقبل، يمكن أن تساعد هذه المعلومات الباحثين في الوصول إلى فهم أفضل للتنظيم الكهربائي في الخلايا؛ والمتعلّق بحالات مثل الصرع وعدم انتظام ضربات القلب.
اقرأ أيضاً: العناكب شركاء سكن رائعون
استخدام السموم في قتل الطفيليّات
داء الليشمانيات هو مرض سيئ حقاً؛ يمكن أن يؤدي إلى تعطيل الأعضاء الداخلية في الجسم أو قتلها أو التسبب في تقرحات جلدية ضخمة قبيحة تترك ندبات. إنه ناتج عن طفيلي من جنس الليشمانيا؛ والذي يصل إلى مجرى دم البشر عن طريق لدغات ذبابة الرمل. يمكن للأدوية عادةً التخلص من هذه الكائنات الحية الدقيقة، على الرغم من أنها أصبحت أكثر مقاومةً للأدوية.
يستخدم فريق من الباحثين البرازيليين مادةً كيميائيةً تسمى «كروفيرين» توجد في سم أفعى البراري لقتل طفيليات الليشمانيا، بالإضافة إلى طفيليات أخرى من عائلتها تسبب عدوىً أخرى مثل مرض شاغاس ومرض النوم (التريبانوزوما الأفريقية). يأمل الباحثون في إمكانية استخدام هذه المادة الكيميائية لتركيب الأدوية الجديدة لهذه الأمراض في المستقبل.
استخدام السموم في كشف المتفجّرات
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أصبح الكثير من الناس قلقين بشأن المتفجرات التي أصبحت معقدةً للغاية، وهذا جعل العلماء يعملون بجد لاكتشاف كيفية كشف هذه المتفجّرات. قبل بضع سنوات، طور باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تقنيةً جديدةً للكشف عن الجزيئات المتفجرة باستخدام أنابيب الكربون النانوية المغلفة بببتيد (نوع من الأحماض الأمينية) موجود في سم النحل؛ وهو المزيج الكيميائي الذي يجعل لسعات النحل مؤلمةً للغاية.
عندما تكون هناك مادة متفجرة، تغير الببتيدات لون المستشعر؛ والذي يعمل بشكل أفضل من المستشعرات الأخرى التي تضيء فقط. على الرغم من أن المستشعر لا يزال يعاني من بعض العيوب، وأنه لن يُستخدم في المطارات في أي وقت قريب؛ إلا أنه أكثر حساسيةً من أية تقنية أخرى.
استخدام سم الرتيلاء في إبطاء ظهور مرض الضمور العضلي
يضعف الأولاد المصابون بالضمور العضلي تدريجياً؛ إذ يفقد الكثير منهم القدرة على المشي أو البلع أو التحدّث. هذا المرض وراثي وليس له علاج، وغالباً ما يكون قاتلاً؛ لكن الباحثين في كلية الطب والعلوم الطبية الحيوية في جامعة بوفالو في مدينة نيويورك، يطورون عقاراً مصنوعاً من مادة كيميائية موجودة في سم الرتيلاء قد يبطئ تطور المرض.
تضعف العضلات لأن أغشية الخلايا تسمح بدخول كميات زائدة من الكالسيوم عند المصابين بهذا المرض؛ لكن المادة الكيميائية «أيه تي-300» الموجودة في سم الرتيلاء، توقف تدفق الكالسيوم. يأمل الباحثون في بدء التجارب السريرية على البشر في وقت ما من هذا العام.
استخدام السموم الناجمة في صناعة البطّاريات
السوائل الأيونية هي مواد تعمل كمحفزات في الإلكترونيات. اليوم؛ يتم استخدامها في البطاريات وكمذيبات صناعية. افترض العلماء أن السوائل الأيونية؛ والتي صُنعت لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر، لم تكن موجودةً في الطبيعة؛ ولكن في العام الماضي، وجد الباحثون مزيجاً من سم النمل الناري والنمل المجنون؛ وهو مزيج يظهر بشكل طبيعي، عندما يتقاتل هذان النوعان من النمل للسيطرة على مناطق بعضهما البعض.
تركيب مضادات السموم
قد يبدو هذا بديهياً، ففي النهاية؛ لا يمكننا تركيب مضادات السموم دون السموم؛ لكن عملية جمع السموم وتطوير الترياق هي عملية شاقة، ولم تتغير في معظمها منذ أواخر القرن التاسع عشر. يحصل الخبراء السموم من الأفاعي عن طريق استخراجها وتجميعها في أوعية ثم تجميدها وتجفيفها، ثم يتم حقن الحيوان المختار بكمية صغيرة من السم. بعد أسابيع قليلة، يسحب الباحثون دمه ويستخرجون الأجسام المضادة التي طورها جسمه لمحاربة السم. تقطع إنزيمات متخصصة المكونات الفعالة من الأجسام المضادة، ثم يتم تجفيف المنتج النهائي أو تحويله إلى سائل للاستخدام البشري.