اكتشف العلماء أخيراً دودة ألفية تستحق اسمها ولديها بالفعل أكثر من ألف قدم.
اكتُشف هذا المخلوق الفريد من نوعه في أعماق الأرض في غرب أستراليا ويمتلك ما يصل إلى 1306 رجل، متجاوزةً بذلك أعلى رقمٍ موثق بين الديدان الألفية والحيوانات الأخرى حتى الآن، والذي يصل إلى 750 قدماً. ذكر الباحثون في تقريرٍ نُشر في 16 ديسمبر/كانون الأول 2021 في دورية «ساينتيفيك ريبورتس» أن الدودة التي أطلقوا عليها اسم «إيميليبيس بيرسيفوني» (Eumillipes Persephone)، والدودة التي كانت تحمل الرقم القياسي السابق بعدد الأرجل، قد طورتا عدداً كبيراً من الأطراف بهدف مساعدتهما في شق طريقهما عبر الشقوق الضيقة في التربة.
يقول بول ماريك، عالم الحشرات في جامعة فرجينيا للتقنية والمؤلف المشارك في التقرير: «تتعرض البيئة التي تعيش فيها دودة «إيميليبيس بيرسيفوني» تحت الأرض للخطر بسبب أنشطة التعدين، لذلك تكتسب جهود الحفظ أهمية بالغة لإنقاذها».
ويضيف قائلاً: «تعيش هذه الحيوانات غير المكتشفة في عالم كان يُعتقد سابقاً أنه خالٍ من الحياة، ولكنه نظام بيئي نعتمد عليه بالفعل لتحري السموم البيئية وكذلك لتصفية مياهنا. لذلك عندما ندرس الكائنات الحية التي تعيش في هذه النظم البيئية، فإننا لا نساعد في الحفاظ على التنوع الحيوي على هذا الكوكب وحسب، بل ونساعد في الحفاظ على البيئة».
على الرغم من أن مصطلح الدودة الألفية «Millipede» يعني حرفياً «ألف قدم»، إلا أن معظم الأنواع التي تنضوي تحتها تمتلك أقل من 100 قدم، وفقاً لما يقوله ماريك. لقد عاشت مفصليات الأرجل منذ أكثر من 400 مليون سنة، ووصل طول بعض أفرادها المنقرضة إلى مترين. وتلعب الديدان الألفية دوراً مهماً في نظامها البيئي من خلال تغذيتها على المواد العضوية المتحللة.
إيميليبيس بيرسيفوني: نافذة على بيئة نائية
اكتُشفت الأنواع الجديدة في منطقةٍ تكثر فيها الثقوب الاستكشافية في الأرض للتنقيب عن الذهب والنيكل والمعادن الأخرى. توفر هذه الثقوب للعلماء نافذة على بيئةٍ نائية وغير مستكشفة أيضاً. لاستكشاف المخلوقات التي يمكن أن تعيش في تلك البيئات، قام برونو بوزاتو، من جامعة ماكواري في سيدني وجامعة أستراليا الغربية في بيرث، وزملاؤه بإنزال أكواب بها طُعم من الأوراق المتحللة لجذب اللافقاريات الجائعة.
عندما سحب الباحثون كوباً من عمق 60 متراً في أغسطس/آب عام 2020، وجدوا فيه دودةً ألفية خيطية الشكل وشاحبة اللون. اشتبه الفريق أنها تحمل أرجلاً أكثر من أي نوعٍ معروف، فتواصل الفريق مع ماريك المتخصص في الدودة الألفية. عندما فحص العديد من العينات، أدرك ماريك أنه كان ينظر إلى دودةٍ ألفية «حقيقية». لقد أحصى 1306 قدماً تخرج من 330 قطعة شبه حلقية من جسم أنثى الدودة، و818 قدماً تخرج من 208 حلقة من جسم ذكر الدودة (يميل عدد الأرجل إلى أن يكون أكبر لدى الإناث مقارنةً بالذكور نظراً لأن ذلك يساعدها على حمل المزيد من البيض في جسمها).
بالإضافة إلى فحص الدودة المكتشفة حديثاً تحت مجهرٍ إلكتروني قوي، أخذ الباحثون عيناتٍ من حمضها النووي وقارنوه بأنواع الديدان الألفية الأخرى. وقد أكدت النتائج أن دودة «إيميليبيس بيرسيفوني» ليست سوى أحد الأقارب البعيدة للدودة الألفية «إلاكمي بلينايبس» (Illacme Plenipes) صاحبة الرقم القياسي السابق بعدد الأرجل الذي وصل إلى 750 قدماً، والتي تعيش في كاليفورنيا. وأظهرت النتائج أيضاً أن الأجسام شديدة الاستطالة تطورت بشكل مستقل عدة مرات في الديدان الألفية التي تزدهر تحت الأرض.
وظائف عديدة لهذه الأرجل
يقول ماريك: «توفر الأرجل الزائدة قوة دفع إضافية للدودة إلى جانب قوة جسمها القابل للتمدد والانضغاط بدرجةٍ كبيرة، ما يمنحها قدرةً كبيرة على الانسياب والتحرك في شقوق الأرض الضيقة».
أطلق الباحثون اسم «إيميليبيس بيرسيفوني»، وهو اسم الآلهة الأسطورية اليونانية بيرسيفوني، والتي أخذها «هاديس»، إله العالم السفلي، إلى أعماق الأرض. لدى هذه الدودة العديد من الخصائص الأخرى التي تمكنها من العيش تحت سطح الأرض، حيث ذكر الباحثون أن الدودة شفافة لا تحتوي أي صباغ، وتغيب عندها العيون، ولكنها تمتلك رأساً مخروطياً مع قرون استشعارٍ ضخمة ومنقارٍ للتغذية. يمكن أن يصل عرض جسم الأنثى إلى 0.95 ملم، وطولها إلى 95.7 مليمتراً.
يخطط ماريك في المستقبل للبحث عن الديدان الأخرى فائقة الطول في جنوب غرب الولايات المتحدة. ويقول في هذا الصدد: «أفاد الناس في فينيكس وتوكسون عن وجود ديدانٍ ألفية طويلةٍ جداً تظهر في بعض الأحيان في فناء منزلهم الخلفي عندما تهطل الأمطار بغزارة».
هناك حاجة أيضاً إلى مزيد من العمل لفهم الموائل الجوفية لدودة بيرسيفوني والعديد من اللافقاريات الأخرى التي تعيش في هذه البيئة. في الواقع، لم يكن للعلماء أن يكتشفوا الدودة الألفية الجديدة التي حطمت جميع الأرقام القياسية السابقة بعدد الأرجل لولا وجود الثقوب الاستكشافية اللازمة لصناعة التعدين، والتي قد تهدد بحد ذاتها بيئة هذه الدودة كما يقول مارك.
ويقول مارك إن الباحثين يحاولون تجنب ظاهرة «الانقراض المجهول» على حد تعبيره، والتي تنطوي على انقراض الأنواع دون أن تتاح لنا فرصة اكتشافها وتوصيفها: «هناك احتمال لحدوث الانقراض المجهول في كثير من البيئات، لاسيما حيث وجدنا هذه الألفية».