اكتسبت الببغاوات، التي تشتهر بذكائها المثير للإعجاب وتقليدها الساحر للأصوات، شعبية كبيرة بصفتها حيوانات أليفة في العقود الأخيرة. مع ذلك، فإن السمات نفسها التي تجعل مراقبة هذه الطيور أخّاذة يمكن أن تتسبب بالمشكلات. قد يؤدي كل من نقص التواصل الاجتماعي وغياب التحفيز المناسب إلى اكتساب الببغاوات سلوكاً مزعجاً، كما أنه قد يدفعها إلى إيذاء نفسها في بعض الحالات.
اقرأ أيضاً: لماذا تعيش الببغاوات أعماراً طويلة؟
تشير التقارير إلى أن ما يقدر بـ 40% من طيور الكوكاتو والببغاوات الرمادية الإفريقية، وهما نوعان شائعان من الببغاوات، تبدي سلوكاً ينطوي على تخريب الريش قد يكون ضاراً. يعد العديد من هذه السلوكيات التخريبية التي يحفّزها التوتر نتيجة لعيش الببغاوات في بيئات مختلفة للغاية عن بيئاتها الطبيعية، حيث تحلّق بحرية بين رفاقها الطيور. يشير بحث جديد إلى أن التكنولوجيا الحديثة، محادثات الفيديو في تطبيق فيسبوك مسنجر على وجه الخصوص، يمكن أن تساعد هذه الطيور على استعادة حياتها الاجتماعية.
استخدام محادثات الفيديو لاستعادة المهارات الطبيعية للببغاوات
قالت الأستاذة المشاركة في جامعة غلاسكو، إيلينا هيرسكي-دوغلاس، في بيان صحفي: "تعيش هذه الحيوانات في البرية في مجموعات وتتواصل مع بعضها باستمرار. أما عندما تربى بصفتها حيوانات أليفة، فهي تعيش وحدها غالباً، ما قد يتسبب باكتسابها سلوكيات سلبية مثل التحرك السريع المفرط أو نتف الريش". هدف باحثون من جامعة نورث إيسترن ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة غلاسكو مؤخراً لرصد تفاعل عدة أنواع من الببغاوات عند إجراءها مكالمات الفيديو القصيرة مع بعضها.
درّب الباحثون 18 ببغاءً وأصحابهم على مدار 3 أشهر على تعلم كيفية استخدام الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية التي تعمل باللمس. دُرّبت الطيور في البداية على ربط مكالمات الفيديو بصوت جرس؛ إذ إنها حصلت على مكافأة في كل مرة قُرع فيها الجرس في أثناء مرحلة التدريب. أما أصحاب الببغاوات، فهم دُرّبوا على إنهاء المكالمات عندما تُظهر الطيور علامات التوتر أو الانزعاج. مُنحت الببغاوات حريّة قرع الجرس من تلقاء نفسها بعد انتهاء فترة التدريب. عندما تقرع الببغاوات الجرس، يفتح أصحابها تطبيق فيسبوك مسنجر ويتيحون لها التواصل مع طيور أخرى مشاركة في الدراسة في مختلف أنحاء البلاد.
الببغاوات تجري مكالمات فيسبوك مسنجر
ربط الباحثون مكالمات الفيديو بصوت الجرس وقدموا مكافأة من الطعام للببغاوات في كل مرة قرعت فيها الجرس. تمكنت الببغاوات بعد ذلك من استخدام تطبيق فيسبوك مسنجر لإجراء مكالمات فيديو مع الطيور الأخرى في مختلف أنحاء البلاد. كانت النتائج صادمة. يزعم أصحاب الببغاوات أن إجراء مكالمات الفيديو حسن رفاهة الطيور في الحالات جميعها تقريباً. يبدو أيضاً أن بعض الطيور تعلم مهارات جديدة مثل البحث عن الطعام أو الطيران المحسّن بعد مراقبة طيور أخرى تفعل ذلك. ما يزال طائران، وهما أنثى ببغاء من نوع كوكاتو تحمل اسم "إيلي" وببغاء رمادي إفريقي اسمه "كوكي"، يجريا مكالمات الفيديو مع بعضهما بعد مرور عام تقريباً. قالت دوغلاس في بيان صحفي: "تدل النتائج على مدى تعقيد هذه الطيور من الناحية الإدراكية وقدرتها على التعبير عن نفسها. كما أن استمرار الطائرين في إجراء مكالمات الفيديو جميل جداً".
صداقات طويلة الأمد بفضل مكالمات الفيديو
قُسّم البحث الجديد إلى مرحلتين. خلال أول 10 أسابيع، درّب الباحثون أصحاب الببغاوات على تعريف طيورهم على الأجهزة التي تعمل باللمس وتدريبهم على التعامل معها. على الرغم من أن العلماء نظروا في الأبحاث السابقة في استخدام الشاشات التي تعمل باللمس مع القطط والكلاب والدببة والقوارض، فإن الببغاوات مناسبة بصورة خاصة لاستخدام هذه الأجهزة بفضل قدرتها الإدراكية العالية وبصرها المثير للإعجاب وألسنتها المرنة.
بمجرد تدريب الطيور على استخدام الأجهزة، شاركت جميعها في "لقاءات تعارف" ضمن مكالمات فيديو قصيرة مع كل طائر مرتين على الأقل. درب الباحثون الطيور باستخدام المكافآت على قرع الجرس للإشارة إلى أنها تريد إجراء مكالمة فيديو. أزال الباحثون المكافآت في المرحلة الثانية من البحث ليروا إن كانت الطيور ستظل مهتمة بطلب إجراء مكالمة فيديو دون إمكانية الحصول على مكافأة. استمرت الببغاوات جميعها في قرع الجرس، كما أن بعضها فعل ذلك عدة مرات. بمجرد قرع الجرس، قدّم الباحثون للطيور جهازاً لوحياً يعرض صوراً لطيور مختلفة مشاركة في الدراسة. استخدمت الببغاوات عندها ألسنتها للنقر على صورة الطير الذي رغبت في التفاعل معه.
بمجرد ظهور الطير الآخر في المكالمة، كانت الببغاوات تقفز نحو الشاشة وتطلق نقيقاً مرتفعاً وتومئ برؤوسها. يعتقد الباحثون أن هذه الأصوات قد تشبه النداءات التي تطلقها الببغاوات والاستجابات التي تبديها في البرية عادة. رصد الباحثون حالات متعددة بدت فيها الطيور وكأنها تقلّد سلوكيات بعضها. بدأ بعضها بتنظيف نفسه بعد مشاهدة طائر يفعل ذلك في المكالمة، بينما بدأت الطيور "بالغناء" بانسجام في حالات أخرى. تُمكن في أحد مقاطع الفيديو رؤية ببغاء ملون ينتظر بدء المكالمة بفارغ الصبر. يظهر ببغاء أبيض كبير في الشاشة في نهاية المطاف، ما يدفع الببغاء الملون ليحرّك رأسه ويزقزق بحماس.
قال ذكر ببغاء من فصيلة الماكاو عبارة "مرحباً، تعال إلى هنا" لببغاء آخر من الفصيلة نفسها في مكالمة فيديو أخرى. قرعت الببغاوات التي تصدر الأصوات الجرس مجدداً عندما ابتعدت الببغاوات في المكالمة عن الشاشة، وهو سلوك فسره أصحاب الطيور على أنه يعني أنها تطلب من الببغاوات الأخرى أن تعود إلى الشاشة. قالت الأستاذة المساعدة في جامعة نورث إيسترن، ريبيكا كلاينبيرجيه، في بيان صحفي: "بدأ بعض الديناميكيات الاجتماعية البليغة التأثير في الظهور".
الببغاوات تفضل إجراء مكالمات مع الطيور الحقيقية على المقاطع المسجلة مسبقاً
الجدير بالذكر هو أن الببغاوات في الدراسة بدت أقل اهتماماً بكثير بمكالمات الفيديو إذا كانت تتضمن مقاطع فيديو مسجلة مسبقاً لطيور أخرى. بيّنت دراسة ذات صلة نشرها باحثون من جامعة غلاسكو أن الببغاوات تفضّل بشدة التواصل مع الببغاوات الأخرى في الوقت الحقيقي. على مدار 6 أشهر من الرصد، قضت الببغاوات وقتاً أطول في الانخراط في المكالمات مع الطيور الحقيقية مقارنة بالوقت الذي قضته وهي تتفاعل مع مقاطع الفيديو المسجلة مسبقاً. تشير هذه النتائج إلى أن الطيور لم تكن متحمّسة فقط بسبب وجود شاشة، بل إن التواصل الفعلي مع طائر حي آخر يؤدي دوراً مهماً.
أمضت الطيور مجتمعة 561 دقيقة في المكالمات الودية مع الطيور الأخرى، بينما أمضت 142 دقيقة فقط في التفاعل مع مقاطع الفيديو المسجلة مسبقاً. أكّد أصحاب الطيور هذه النقطة وأخبروا الباحثين أنها بدت أكثر فضولاً وانخراطاً عند وجود طائر حي في المكالمة. كتبت دوغلاس مؤخراً: "يبدو أن مظهر ’الحيوية‘ أحدث فرقاً في تفاعل الببغاوات مع ما تراه في الشاشات. عكس سلوك الببغاوات في أثناء تفاعلها مع الطيور الحية غالباً السلوكيات التي تنخرط فيها مع الببغاوات الأخرى في الحياة الواقعية، وهو أمر لم يحدث في جلسات مقاطع الفيديو المسجلة مسبقا".
يأمل الباحثون أن تُستخدم هذه النتائج في المستقبل لتعزيز التواصل الاجتماعي للببغاوات. على الرغم من أن بعضاً من أصحاب الببغاوات المشاركين في الدراسة أشاروا إلى أن تدريب طيورهم كان صعباً، فإنهم قالوا جميعهم إن المشروع كان يستحق العناء في نهايته. قالت نسبة 71.4% من أصحاب الببغاوات إن طيورهم حظيت بتجربة إيجابية للغاية. وعلى النقيض من ذلك، لم يصف أي منهم التجربة بأنها سلبية. قالت إحدى المشاركات في الدراسة إن طيرها "بدا حيوياً للغاية في أثناء المكالمات"، وقالت كلاينبيرجيه: ”لا تبين الدراسة أنه يمكن جعل [الببغاوات] سعيدة كما لو كانت في البرية بهذه الطريقة، بل إنها تهدف لمساعدة الطيور التي تعيش في [الأسر] بالفعل".