إذا بقيت الأمور على مسارها الحالي، فإن البطريق أصفر العينين النيوزيلندي ربما ينقرض عام 2043، وذلك وفقاً لدراسة نشرت في مايو 2017 في مجلة PeerJ. انخفض تكاثر هذه البطاريق بنسبة 76% بين عامي 1996 و 2015. وفي حين يعتبر التغير المناخي أحد عوامل هذا الهبوط، فإنه من غير الواضح إن كان هو العامل الأكثر أهمية.
ومن المثير للتساؤل أن هذه البطاريق تستوطن شبه جزيرة أوتاجو التي تقع على الساحل الشرقي من الجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا. وتعتبر هذه المنطقة موطناً لطائر الكيوي، وفقمة الفرو، وأسد البحر، والبطريق أصفر العينين. ويقوم هذا البطريق بالبحث عن طعامه في قاع البحر، ولهذا فهو ينفق الكثير من وقته في البحث عن الطعام في هذه البيئة الصعبة ذات المياه الزرقاء جنوب المحيط الهادي.
خلال فترة الأربعينات، ارتفعت حرارة هذه المياه بما فيها خليج كومو كومو ويرو. وبحسب فهمنا للعلاقة بين درجة الحرارة المحيط وحياة البطريق، كان يفترض أن تنخفض أعداد هذه البطاريق. ولكن وبفضل السجلات الدقيقة التي قام بها لانسيلوت إريك ريتشديل المدرّس وأحد هواة علم الطيور، عرفنا أن ارتفاع درجة حرارة المياه لم يكن مشكلة، حيث أن أعداد البطاريق ارتفعت في تلك الفترة بدلاً من أن تنخفض. يقول توماس ماتيرن أستاذ علم البيئة في جامعة أوتاجو والمؤلف الرئيسي للدراسة: "كان ريتشديل متأكداً أن هذه الزيادة كانت بسبب غياب الكثير من النشاطات البشرية في نيوزيلندا أثناء الحرب. فالكثير من الناس كانوا في أوربا يقاتلون أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان كل شيء هادئاً. أما الزراعة وصيد الأسماك فقد كانا مرتبطين بالحاجات الأساسية. لقد استفادت البطاريق من انخفاض النشاط البشري".
وتشير بيانات ريتشديل إلى أن انخفاض أعداد البطريق أصفر العينين لا يمكن أن يلقى باللوم فيه على التغير المناخي وحده، رغم أن التغير المناخي لم يأت بالنفع على البطاريق. ففي السنوات التي ارتفعت فيها درجة حرارة الجو زادت حالات الموت عند البطاريق الصغيرة. يقول ماتيرن: "ولكن إذا كان التغير المناخي وحده هو السبب فإن البطاريق يمكن أن تتكيف معه. فالتغير المناخي وحده لا يمثل نهاية الأنواع، ولا يمكننا القول بأن الأنواع تختفي لأن المناخ يتغير. ويجب علينا أيضاً أن ننظر إلى كل الضغوط الأخرى التي نفرضها على هذه الأنواع، خاصة الضغوط المحلية".
وقد استخدم فريق ماتيرن بيانات أعداد البطاريق المسجلة في كومو كومو ويرو بين عامي 1937 و 1948 وبين عامي 1982 و 2015 في شاطئ بولدر، وهو أحد المعاقل الرئيسية للبطاريق صفراء العينين، حيث يوجد حفظ أفضل للسجلات، وذلك لتقييم تأثير العوامل المختلفة على انحدار أعداد البطاريق. وباستخدام هذه التقنية، استطاع ماتيرن أن يعزو ثلث نسبة الانخفاض تقريباً إلى ارتفاع درجات الحرارة المرتبط على الأرجح بالتغير المناخي. ولكن ماذا عن الثلثين الباقيين؟
يقول ماتيرن: "عندما نقوم بدراسة أعداد الحيوانات البرية، فإننا نحتاج معها إلى بيانات إضافية لمعرفة أي من العوامل تؤثر على أعداد الحيوانات. والمعطيات المناخية متوفرة بكثرة، حيث يكون لدينا كل هذه المعطيات التي نستطيع استخدامها في دراستنا. ولكننا نكاد لا نملك معطيات قابلة للقياس فيما يخص تأثير صيد الأسماك، ومعدل التلوث، وتأثير السياحة، وغير ذلك. ونحن لا نستطيع إضافة هذه العوامل إلى نموذج دراستنا، ما يعني حتماً أننا انتهينا من البحث الذي يقول إن التغير المناخي هو الذي يسبب هذا التأثير على أعداد البطاريق، وهذا ناجم عن مشكلة وجود عوامل أخرى تلعب دوراً في هذا التأثير".
يرجّح ماتيرن أن تكون شبكات الغلاصم أحد هذه العوامل المهملة. وهي طريقة يتم فيها تعليق شبكات الصيد المثبت فيها غلاصم الأسماك عمودياً في الماء للإيقاع بالأسماك. وتتم خياطة الثقوب في الشبكة لتناسب حجم الأسماك التي يراد صيدها. ولكن الأسماك ليست الحيوانات الوحيدة التي يتم اصطيادها.يقول ماتيرن: "لا ترى البطاريق هذه الشبكات، وتقع في شراكها، ثم تغرق".
ووجدت دراسة أجريت عام 2000 بناء على معطيات تشريح الجثث لِـ 185 من البطاريق صفراء العينين بين عامي 1979 و1997 أن 21 من حالات الموت كانت بسبب شبكات الغلاصم بشكل مباشر، وأن 21 بطريقاً آخرين ماتوا بطريقة تتماشى مع طريقة الموت بشبكات الغلاصم، وأن صيادي السمك سجلوا قتل 30 بطريقاً آخرين. وفي عام 2015 تم تسجيل حالات تناسل لِـ 58 زوجاً فقط من البطاريق.
يقول ماتيرن: "إذا نظرنا إلى القيمة الاقتصادية للأسماك التي يصطادونها، وجدنا أنها أسماك منخفضة القيمة نأكلها كوجبات سريعة. وقد بلغ الربح الصافي لأربعة صيادي سمك من أوتاجو حوالي مليون دولار نيوزيلندي (حوالي 680 ألف دولار أمريكي). ولكن هذه البطاريق يتم استخدامها أيضاً في السياحة، وتم تقدير أن كل زوج من البطاريق يدر على الاقتصاد المحلي 250 ألف دولار كل سنة. ونحن لدينا 200 زوج من البطاريق".
يلاحظ ماتيرن أن كثيراً من الجولات السياحية التي اعتادت على جلب السياح لرؤية البطاريق قد توقفت، أو طورت عملها إلى طريقة جديدة للاستفادة من الأعداد المتناقصة من البطاريق. ويقول عن ذلك: "بدأت أشعر بأن الطريقة التي يتم فيها استخدام البطاريق كسلعة سيؤدي إلى استنزافها حتى يأتي يوم لا تكون فيه موجودة. وهذا أمر محزن حقاً".
تجتذب البطاريق أموال السياح، لأنها مع الدلافين والفيلة والدببة تعرف بأنها "الحيوانات الضخمة الجذابة". يقول ماتيرن: "لن تصدق حجم رسائل البريد الإلكتروني التي كانت تردني قبل عدة سنوات من أشخاص في الولايات المتحدة كانوا يسألونني إذا كان بإمكانهم شراء أحد البطاريق كحيوان منزلي. ولكن صدقني، لا يمكنك أن تعتبر البطاريق حيوانات منزلية. إنها حيوانات لزجة، وعضتها فظيعة وتترك ندباً واضحة على يد وذراع كل من يعمل معها. إنها أقرب إلى الديناصورات منها إلى الحيوانات الأليفة".
إن تأثير شبكات الغلاصم على البطاريق صفراء العينين ليس نهائياً، لأن المعطيات قليلة جداً. يقول ماتيرن: "يكاد لا يوجد أي مراقب، لأن هذه السفن أصغر من أن تصلح لوجود مراقب على متنها وتركيب أجهزة آلية كآلات التصوير، فهذا الأمر مكلف جداً". وليس استخدام شبكات الغلاصم في الصيد هو الوسيلة الوحيدة التي يؤذي بها الإنسان البطاريق. فالبطريق يبحث عن طعامه في قاع البحر، وهو يفضل الأنظمة البيئية المتنوعة. وتساهم طريقة الصيد بالشبكة -حيث تلقى الشباك إلى قاع البحر- في إلغاء التنوع الحيوي، وتؤدي إلى انكماش المناطق التي يبحث فيها البطريق عن طعامه.
والقضية تتجاوز الحديث عن البطريق أصفر العينين وحده، فمع أن الفكرة الشائعة عن البطاريق أنها حيوانات تقطن في القارة القطبية الجنوبية، فإن 4 أنواع فقط من 18 نوعاً من البطاريق تسكن في هذه القارة. فأكثر البطاريق يعيش في الأجواء الدافئة كنيوزيلندا، وتشيلي، وجنوب إفريقيا. ولكنها ليست في أحسن أحوالها في تلك المناطق. ويختم ماتيرن بالقول: "إن البطاريق التي تصارع من أجل البقاء هذه الأيام هي البطاريق التي تعيش قريباً من البشر. وكلما اقتربت الحيوانات من البشر، زادت مشاكلها".