بعد مرور شتاء دافئ غير معتاد في جزء لا يُستهان به من نصف الكرة الأرضية الشمالي، من المحتمل أن يزداد انتشار جماعات البعوض في الربيع. يتسبب انخفاض درجات الحرارة عادة في إبطاء تكاثر هذه الحشرات الماصة للدم أو موتها، وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تمديد موسم البعوض بنحو 10 أيام في واشنطن العاصمة منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من أن كلاً من ازدياد طول فصل الصيف وتناقص طول فصل الشتاء نتيجةً لارتفاع درجات الحرارة فيه، قد يؤدي إلى تزايد عدد البعوض في المستقبل، فقد وجد العلماء في بعض الأبحاث الجديدة طرائقَ قد تساعدنا على التحكم بازدياد أعداد هذه الحشرات التي تُعتبر من الآفات الشائعة.
وجد الباحثون في دراسة نُشرت بتاريخ 16 مارس/ آذار عام 2023 في مجلة بلوس ون (PLOS ONE) أنه من الممكن تثبيط البروتينات التي تنشّط الحيوانات المنوية للبعوض، وسيساعد ذلك على منع الحيوانات المنوية من الوصول إلى البويضات وتلقيحها؛ ما يمكن أن يساعد بدوره على التحكم بجماعات نوع من البعوض المنزلي يحمل اسم "البعوض الشائع" والمعروف بأنه ينقل فيروساً يحمل اسم "فيروس غرب النيل" ومرض التهاب الدماغ.
اقرأ أيضاً: كيف أصبح البعوض مصاص دماء حساس؟
التحكم بتكاثر جماعات البعوض
تصف الدراسة أنواع البروتينات الموجودة في الحيوانات المنوية للبعوض جميعها بالتفصيل، وقد ساعد ذلك الباحثين على تحديد أنواع البروتينات التي تسهم في الحفاظ على جودة الحيوانات المنوية في الأوقات التي لا تكون نشطة فيها، بالإضافة إلى البروتينات التي تحفّز الحيوانات المنوية على التحرّك.
وقالت عالمة أحياء الخلية في جامعة كاليفورنيا في مدينة ريفرسايد والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، كاثي تالر (Cathy Thaler) في بيان صحفي: "تتشابك ذيول هذه الحشرات خلال التكاثر، وينقل الذكور الحيوانات المنوية إلى الجهاز التناسلي للإناث حيث يمكن أن تُخزّن فترة من الزمن؛ ولكن يجب أن تصل إلى وجهتها النهائية لإكمال عملية الإلقاح".
تعمل البروتينات المتخصصة التي تفرَز عند القذف على تفعيل السياط (ذيول الحيوانات المنوية) وتحفيز حركتها التي تُعتبر ضرورية للغاية لتكمل الحيوانات المنوية رحلتها عبر الجهاز التناسلي للإناث.
اقرأ أيضاً: البعوض يتعلم ألا يعبث معك عندما تحاول سحقه
تعطيل البروتينات المسؤولة عن حيوية الحيوانات المنوية للبعوض
وقال أستاذ علم الأحياء في جامعة كاليفورنيا في مدينة ريفرسايد والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، ريتشارد كاردولو (Richard Cardullo) في بيان صحفي: "لا تستطيع الحيوانات المنوية اختراق البويضات من دون هذه البروتينات، وستبقى غير قادرة على الحركة وستتحلل في نهاية المطاف".
عمل الباحثون مع فريق من الطلاب الذين تمكّنوا من عزل ما يصل إلى 200 ذكر من البعوض من مجموعة أكبر من الحشرات، للحصول على معلومات مفصلة للغاية عن البروتينات الموجودة في حشرات صغيرة لهذه الدرجة. وبعد ذلك، استخرج الباحثون كمية من الحيوانات المنوية من الأجهزة التناسلية للذكور كانت كافية لتمكّنهم من استخدام أجهزة قياس الطيف الكتلي للكشف عن وجود البروتينات وتحديد أنواعها.
ووجد المؤلفون في دراسات سابقة أن الحيوانات المنوية تحتاج إلى الكالسيوم حتى تتمكن من التحرك عند دخولها الجهاز التناسلي الأنثوي. قال كاردولو: "تمكّنا من فحص المحتوى البروتيني الكامل الذي أنشأناه وعثرنا على بروتينات قنوات الكالسيوم وصممنا التجارب لاستهداف هذه القنوات".
آلية تنميط البروتين للمكافحة الحيوية
ووفقاً لتالر؛ توفّر تقنية تنميط البروتين (تحديد أنواع البروتينات الموجودة في نسيج معين في ظروف محددة وفي وقت معين) آلية للتحكم في جماعات البعوض بطريقة تحمل اسم "المكافحة الحيوية"؛ وهي طريقة أكثر رفقاً بالبيئة وأقل سميّة من الطرائق التي تتطلب استخدام مبيدات الآفات القاتلة للحشرات والنباتات الأخرى والضارة بالحيوانات.
لا يقتضي تطبيق طريقة المكافحة الحيوية القضاء على البعوض كنوع. ستكون عملية شل حركة الحيوانات المنوية فعالة بنسبة 100% في الحشرات التي خضعت لها، ولن يستطيع العلماء قتل حشرات البعوض جميعها كما أن هذا ليس إجراءً مرغوباً فيه؛ بل سيؤدي استخدام الآلية الجديدة إلى تغيير النسبة بين الذكور العقيمين والذكور القادرين على التكاثر لا أكثر.
أكمل العلماء من شركة التكنولوجيا الحيوية أوكسيتيك (Oxitec)،في عام 2022 أول دراسة أُجريت في الهواء الطلق، وقد أُطلقت فيها حشرات البعوض المعدلة وراثياً التي تم تحويلها إلى ذكور غير قادرة على اللسع تستطيع فقط إنتاج نسل من الذكور في أرخبيل فلوريدا كيز في الولايات المتحدة. وجد هؤلاء أنه عندما وصلت حشرات البعوض المعدلة وراثياً إلى مرحلة البلوغ، كانت تتمتع بقدرة على الطيران والاستكشاف مثل حشرات البعوض البرية تماماً، وأنها تمكّنت من التكاثر بنجاح مع إناث البعوض المحلية.
وضعت الإناث عندها بيوضاً في فخاخ قام الباحثون بجمعها لمراقبة تفقيس البيوض في المختبر، واحتوت البيوض التي فقست جميعها على الذكور. مع ذلك، استمرت حياة المورثة التي تسببت في موت البيوض التي احتوت على الإناث لنحو 3 أجيال.
اقرأ أيضاً: الحقائق العلمية وراء آليات الثقب التي تستخدمها الحيوانات اللاسعة واللادغة
الهدف: تخفيض أعداد البعوض لا القضاء عليها
وقال كاردولو: "تُعتبر حشرات البعوض الحيوانات الأكثر فتكاً في العالم. وعلى الرغم من أننا نكرهها، فمعظم علماء البيئة يعترضون على القضاء عليها بشكل كامل؛ إذ إنها تؤدي دوراً مهماً في السلاسل الغذائية التي تحتوي على الأسماك والحيوانات الأخرى".
وعلى الرغم من أن الدراسة الجديدة نظرت في جماعات البعوض الشائع فقط، يأمل المؤلفون أن تنطبق النتائج التي توصلوا إليها على بعض الأنواع الأخرى من البعوض التي يتجاوز عددها 3 آلاف نوع. مع استمرار الارتفاع في درجة حرارة الأرض وازدياد شدة آثار التغير المناخي، ينتقل المزيد من أنواع البعوض إلى نصف الكرة الشمالي؛ مثل الأنواع التي تنقل مرض الملاريا.
كذلك، يمكن أن تساعد دراسة قابلية حركة الحيوانات المنوية لدى البعوض الشائع على تحسين معدلات الخصوبة لدى البشر. يمتلك العديد من أنواع الخلايا السياط، ووفقاً لكاردولو، ومن الممكن أن تنطبق النتائج المتعلقة بأحد الأنواع على الأنواع الأخرى.