يشير تحليل جديد إلى أن النسور الصلعاء والذهبية في جميع أنحاء أميركا الشمالية معرضة لخطر التسمم بالرصاص.
تتبع الباحثون مستويات المعدن القاتل في أكثر من 1000 نسر من 38 ولاية أميركية، ووجدوا أن نسباً "عالية بشكل غير متوقع" من الطيور من النوعين تعاني من تسمم مزمن وحديث. حيث تبين أن ما يقرب من نصف النسور التي فحصها الفريق لديها علامات التعرض المتكرر للرصاص في العظام، ما أثار مخاوف بشأن التأثيرات على مجموعات النسور الصلعاء والذهبية في جميع أنحاء القارة. وقد أفاد الباحثون الذين نشروا بحثهم في دورية «ساينس» في 17 فبراير شباط 2022 أن نتائجهم يمكن تفيد في جهود الحفاظ على هذه النسور في المستقبل.
التسمم بالرصاص يهدد النسور
تقول ميغان جودكينز، مديرة قفص الطيور في «جراي سنو إيجل هاوس»، وهي منشأة لإعادة تأهيل النسور في بيركنز وتديرها قبيلة آيوا في أوكلاهوما في رسالة بالبريد الإلكتروني: «لقد اكتشفنا منذ بعض الوقت أن التسمم بالرصاص أثر على هذه الأنواع، خاصة وأننا شهدنا زيادة في عدد الحالات في مراكز إعادة التأهيل. لكن بحثاً كهذا يسمح لنا برؤية مدى هذه المشكلة، وحقيقة أنها ليست مجرد مشكلة محلية».
لم تشارك جودكينز وزملاؤها في الدراسة الجديدة، لكنها تشير إلى أنهم لاحظوا أيضاً زيادة حالات التسمم بالرصاص بشكل كبير خلال السنوات الخمس إلى العشر الماضية. يُذكر أن جودكينز تبحث في جينوم النسور في جامعة ولاية أوكلاهوما.
على الرغم من أن الرصاص يوجد بشكلٍ طبيعي في قشرة الأرض، إلا أنه يمكن أن يصل إلى البيئة من خلال الأنشطة البشرية مثل التعدين. يقول فينسينت سلاب، المؤلف المشارك للدراسة والباحث في عالم الأحياء البرية في مونتانا والذي يعمل لصالح منظمة «كونسيرفيشن ساينس جلوبال إنك» غير الربحية: «كثيراً ما تتعرض النسور إلى هذا المعدن المُستخدم في ذخائر الرصاص، حيث يمكن أن يتشظى إلى مئات القطع الصغيرة عند إطلاق الذخيرة على الحيوانات». عند تناوله، يؤدي الرصاص إلى إتلاف أعضاء الطيور وجهازها العصبي، ويمكن أن يتسبب في حدوث نوبات وضعف شديد والموت. وتقول جودكينز: «حتى إذا نجا الطائر، فقد يعاني من ضعف الرؤية ومشاكل القلب والأوعية الدموية وغيرها من المشاكل الصحية لبقية حياته».
كيف يصل الرصاص إلى النسور؟
لمعرفة حجم المشكلة، تواصل فريق الدراسة الجديدة مع العلماء الذين يدرسون النسور الحية والوكالات الحكومية والفيدرالية التي تستجيب للبلاغات عن النسور الميتة، ومرافق إعادة تأهيل الحياة البرية التي تعالج الطيور المريضة والجريحة. فحص الفريق 1210 نسراً بين عامي 2010 و2018، من بينها 620 نسراً حياً.
درس الباحثون عينات من أنسجة مختلفة من النسور، بما في ذلك الدم والعظام والكبد والريش. في حين أن أثر الرصاص يمكن أن يبقى في الدم أو الكبد لأسابيع وأشهر، فإنه يتراكم في العظام طوال حياة الحيوان.
يقول تود كاتزنر، مؤلف دراسة أخرى حول النسور وعالم أحياء الحياة البرية في مركز علوم النظم البيئية للغابات والمراعي التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية في بويز بأيداهو: «تخبرنا هذه البيانات بالقصة نفسها؛ تتعرض النسور إلى الرصاص كثيراً، أكثر مما كنا ندركه سابقاً، ويتكرر هذا التعرض خلال حياتها».
قام كاتزنر وفريقه بقياس مستويات الرصاص في عظام الطيور، حيث تبين وجود تسمم مزمن لدى 46 و47% من النسور الذهبية والصلعاء المتوفاة على الترتيب. كما أظهرت الأنسجة الأخرى دلائل على التعرض قصير المدى للرصاص في 27 إلى 33% من طيور النسر الأصلع و7 إلى 35% بين طيور النسر الذهبية. بالإضافة إلى ذلك، وجد الفريق أن تركيز الرصاص في عظام الطيور البالغة كان أعلى مما هو عليه في الطيور الأصغر سناً.
اكتشف الباحثون أيضاً معدلات أعلى من التسمم المزمن بالرصاص في النسر الأصلع في الولايات الوسطى مقارنة بتلك التي تعيش بالقرب من السواحل، ولكن لا تزال أسباب هذا النمط غير واضحة بعد كما يقول سلاب.
ارتفاعات موسمية
بشكل عام، ارتفعت تراكيز الرصاص في الدم والكبد لكلا النوعين خلال أشهر الشتاء، وهو الوقت الذي تتغذى فيه النسور عادةً على الجثث الميتة. وفي هذا السياق، غالباً ما تتغذى الطيور على بقايا أحشاء الحيوانات التي يخلفها الصيادون وراءهم، حيث يمكن أن تنتقل شظايا الرصاص المتبقي في الجثث إلى الطيور.
يقول سلاب: «تتعرض النسور إلى التسمم في هذا الوقت من العام عندما تنتشر بقايا جثث الحيوانات التي تم اصطيادها في البرية بكثرة. لقد خلصنا إلى ذلك بعد دراسات إقليمية متعددة، وتم تأكيدها الآن في دراستنا كمصدر لتعرض هذه الطيور للرصاص على النطاق القاري».
وجد سلاب وزملاؤه أن تراكيز الرصاص في 4.9% من النسور الذهبية الميتة و25.8% من النسور الصلعاء الميتة عالية بما يكفي لإصابتها بتسمم حاد. وبناءً على هذه الأرقام، يقدر الفريق أن التسمم المميت بالرصاص يمكن أن يخفض نمو أعداد النسور الصلعاء بنسبة 3.8% والنسور الذهبية بنسبة 0.8% على أساسٍ سنوي. هذه الأرقام مقلقة خصوصاً بالنسبة للنسور الذهبية، والتي تبقى أعدادها ثابتةً أو تتناقص حتى مع تزايد عدد النسور الصلعاء.
يقول كاتزنر: «خلال عشرين عاماً، ستقل أعداد الطيور عدة آلاف مقارنة بما سيكون عليه الوضع في أي حالة أخرى».
ويضيف كاتزنر: «قد يهدد الرصاص أعداد النسور بطرق أخرى لم يفكر فيها الباحثون. فحتى لو لم يكن التسمم بالرصاص مميتاً، فإنه يمكن أن يضعف الطيور لدرجة عدم قدرتها على وضع البيض أو تربية صغارها».
يحقق الفريق الآن فيما إذا كان من الممكن تقليل عدد وفيات النسور إذا ما تحول الصيادون لاستخدام ذخيرةٍ خالية من الرصاص.
يقول سلاب في هذا الصدد: «كلما ازداد عدد الحيوانات التي يتم اصطيادها بالذخيرة الخالية من الرصاص، ازداد الغذاء الخالي منه في البراري. أي كلما ازداد الغذاء النظيف والصحي المتوفر في البرية للنسور، ازداد احتمال تغير هذا النمط إلى انخفاض بمعدل الوفيات بالرصاص بين النسور الصلعاء والذهبية على مستوى البلاد كلها».
تقول جودكينز: «يوفر التقرير الجديد معلومات مهمة لدعم قرارات الإدارة وتوعية الناس حول هذا الأمر».
وتضيف: «لحسن الحظ، يمكننا بسهولة تقليل احتمال تناول النسور للرصاص من خلال تشجيع الصيادين على استخدام الذخائر الخالية من الرصاص. إن القدرة على تضمين بحث قوي خضع لمراجعة الأقران، مثل هذه الدراسة، في أدواتنا التعليمية تمنح جهودنا التوعوية فعاليةً أكبر».