عندما تقوم بطهي وجبة طعام كبيرة، أو عندما تحاول تعلّم مقطوعة موسيقية صعبة على البيانو، فقد تتمنى لو أنك تملك أكثر من ذراعين. وعلى الرغم من عدم امتلاك البشر عدداً من الأعضاء الموجودة في الحبّار والسبيدَج والأخطبوط، يبحث العلماء عن المزيد من أوجه التشابه بين أجهزتنا العصبية المعقّدة.
رأسيات الأرجل واصلت تطوير أدمغة كبيرة
عاد العلماء عبر الزمن للبحث عن آخر سلف مشترك معروف بين البشر ورأسيات الأرجل. واكتشفوا حيواناً بدائيّاً شبيهاً بالديدان له بقع دائرية بسيطة تشبه العين بدلاً من العيون الحقيقية، ولم يكن ذكياً جداً. منذ نحو 600 مليون سنة، انقسمت مملكة الحيوان إلى فقاريات (حيوانات ذات عمود فقري) ولافقاريات (ليس لها عمود فقري). واصلت الفقاريات تطوير الأدمغة الكبيرة والمعقدة التي نراها اليوم، في حين أن اللافقاريات لم تفعل ذلك. باستثناء رأسيات الأرجل.
اقرأ أيضاً: أحفورة جديدة تلقي الضوء على العلاقة التطورية بين الحبار مصاص الدماء ورأسيات الأرجل
كتب فريق دولي من الباحثين دراسة نُشرت في مجلة ساينس أدفانسيس، يوضّحون فيها أن السبب وراء تطوير الأخطبوطات لأجهزة عصبية معقدة هو أن هذه الكائنات الغريبة ذات الثماني أرجل لديها مخزون كبير من جزيئات الحمض النووي الريبي الميكروي (microRNAs)، اختصاراً ميرناس (miRNAs)، في أنسجتها العصبية. تقوم هذه الجينات بترميز أجزاء صغيرة من الحمض النووي الريبي، رنا (RNA)، وترتبط بالحمض النووي الريبي المرسال (الذي يعطي تعليمات لإنتاج البروتين في الخلايا). على الرغم من التطور على مدار آلاف السنين، فقد تم الحفاظ على مواقع الارتباط هذه في رأسيات الأرجل، ما يشير إلى أن جزيئات الحمض النووي الريبي الميكروي الجديدة لها وظيفة مهمة.
كما تطوّرت هذه المجموعة الضخمة من الجزيئات في الفقاريات الأخرى أيضاً.
تطور على مستوى جيني
يقول المؤلف المشارك في البحث، نيكولاس راجوسكي، والمدير العلمي لمعهد برلين لبيولوجيا الأنظمة الطبية، التابع لمركز ماكس ديلبروك (MDC-BIMSB) في بيانٍ له: "هذا ما يربطنا بالأخطبوط!". إنّ هذا الاكتشاف يعني أنّ الحمض النووي الريبي الميكروي يؤدي دوراً مهماً في تطور الأدمغة المعقدة لدى الكائنات الحية، وبشكلٍ خاص لدى رأسيات الأرجل.
حيث أظهرت الدراسات السابقة التي قامت بتحليل المعلومات الوراثية للأخطبوط أن الكثير من عمليات تحرير الحمض النووي الريبي تحدث في رأسيات الأرجل، ما يعني أنها تستخدم إنزيمات معينة يمكنها إعادة ترميز الحمض النووي الريبي بشكلٍ متكرر.
اقرأ أيضاً: لماذا تقذف الأخطبوطات أصداف البحر على بعضها بعضاً؟
يقول راجوسكي: "هذا دفعني للتفكير في أن الأخطبوطات قد لا تكون جيدة في التحرير الجيني فحسب، بل من الممكن أن تحتوي أيضاً على حمض نووي ريبي آخر، لقد كانت هناك الكثير من عمليات تحرير الحمض النووي الريبي، ولكن ليس في المجالات ذات الأهمية".
كما اكتشف الفريق انتشاراً كبيراً لمجموعة معروفة من جينات الحمض النووي الريبي، حيث وجدوا 42 عائلة جديدة من الحمض النووي الريبي الميكروي في عيّنات الأخطبوط. وبشكلٍ خاص في الأنسجة العصبية ومعظمها في الدماغ. ونظراً لأن الجينات قد تم حفظها أثناء عملية تطور رأسيات الأرجل، فقد افترض الفريق أنها كانت مفيدة بشكلٍ كبير للحيوانات ومهمّة لجهازها العصبي بأكمله.
يقول المؤلف الرئيسي للبحث، جريجوري زولوتاروف، وهو عالم تدرّب في مختبر راجوسكي في معهد برلين لبيولوجيا الأنظمة الطبية، بعد تخرّجه في كلية الطب في براغ، في بيانٍ له: "يُعد هذا ثالث أكبر توسّع لعائلات الحمض النووي الريبي الميكروي في عالم الحيوان، والأكبر خارج الفقاريات، ولأخذ فكرة عن حجم هذا التوسع، اكتسب المحار، وهو أيضاً من الرخويات، خمس عائلات جديدة فقط من الحمض النووي الريبي الميكروي منذ آخر سلف مشترك مع الأخطبوطات، بينما اكتسبت الأخطبوطات 90 عائلة!".
اقرأ أيضاً: الأخطبوط يستطيع تعديل نفسه وراثياً بمرونة
رغم أن الرخويات ليست معروفة بذكائها، يُعد الأخطبوط كائناً فريداً من نوعه بين اللافقاريات من منظور تطوري، كما أنه ذكي للغاية. حيث يمتلك دماغاً مركزياً وجهازاً عصبياً محيطياً، ولديه فضول شديد، ويتمتع بذاكرة قوية، كما يمكنه التعرف على الأشخاص ويفضّل بعض الأفراد أكثر من غيرهم.
يقول راجوسكي: "يقولون إذا رغبت في أن تلتقي كائناً غريباً، قم بالغوص في البحر وكوِّن صداقات مع الأخطبوط".