تعتبر دوّامة شمال المحيط الهادئ شبه الاستوائية إحدى أسوأ المناطق التي يمكن أن يبحث فيها أي كائن حيّ عن الغذاء في المياه المفتوحة. وحقيقة أنها تحتوي على بقعة نفايات المحيط الهادئ الكبرى هي أحد العوامل التي تساهم في ذلك. الدوّامة المحيطية هي أي مجموعة كبيرة من التيارات المحيطية التي تدور. هناك 5 دوّامات محيطية أساسية في العالم حيث تتحرّك مياه المحيط مشكّلة التيارات الدوّارة (وهي دوّامات أصغر حجماً وأقصر عمراً من الدوّامات المحيطية) والدوّامات الصغيرة والتيارات المحيطية العميقة. حتى بغياب تجمّعات النفايات، تعتبر الدوّامات المحيطية فقيرة بالمغذيات. مع ذلك، فهي توفّر الغذاء لبعض من أهم الأسماك المفترسة في المحيط.
طريقة للحصول على الغذاء
قد يكمن سبب ذلك في بعض التيارات الدوارة الموجودة في هذه الدوامات المحيطية. وجدت دراسة نُشرت في 7 سبتمبر/أيلول 2022 في مجلة نيتشر أن المفترسات البحرية (مثل أسماك التونة والأسماك المرلينية وأسماك القرش) تتجمّع في التيارات المحيطية الدوارة عكس الإعصارية التي تدور باتجاه دوران عقارب الساعة، أو تلك التي تدور حول مركز ضغط مرتفع باتجاه معاكس لدوران الأعاصير. تبيّن الدراسة أن هذه المفترسات تتحرك مع هذه الحلقات المائية المؤقتة في أثناء تنقّلها عبر المياه المفتوحة وتتغذّى على الكتل الحيوية (أشكال الحياة) الموجودة ضمن التيارات الدوارة.
قال مارتن أروستغوي (Martin Arostegui)، باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة في معهد وودز هول لعلم المحيطات والمؤلف الرئيسي للورقة الجديدة في بيان صحفي: "اكتشفنا أن معدل الصيد الخاص بالأحياء البحرية مرتفع في التيارات الدوارة عكس الإعصارية (والتي تدور بجهة دوران عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي) مقارنة بالتيارات التي تدور بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة والمناطق خارج التيارات الدوارة"، وأضاف: "من المرجح أن تعود الزيادة في أعداد المفترسات في هذه التيارات إلى اختيار المفترسات العيش في هذه المواطن لأنها توفّر فرصاً أفضل لإيجاد الغذاء".
تأثير التيارات الدوارة على سلوكيات الكائنات الغذائية
ركّز مؤلفو الدراسة، والذين يعملون في معهد وودز هول لعلم المحيطات ومخبر جامعة واشنطن للفيزياء التطبيقية على بيانات الأقمار الاصطناعية وبيانات المسامك التجارية التي تم جمعها من دوّامة شمال المحيط الهادئ شبه الاستوائية خلال فترة تتجاوز عقدين من الزمن، بالإضافة إلى دراسة بيانات تتعلق بالمفترسات البحرية ذات الطبيعة الفيزيولوجية المختلفة (ذوات الدم البارد والحار على حد سواء)، والتي تعيش في أعماق متنوعة بالمحيط وفي مناطق مختلفة. درس الباحثون أنماط صيد الحيوانات المفترسة في التيارات الدوارة وفي محيطها، واستنتجوا أن حلقات مياه المحيط الملتفّة تؤثّر على الأنظمة البيئية الخاصة بالمحيط المفتوح على اختلاف مستويات السلسلة الغذائية.
تشير البيانات إلى وجود علاقة عميقة بين فرص إيجاد الغذاء والطبيعة الفيزيائية للمحيط.
قال أروستغوي: "تعني حقيقة أن هذه التيارات تحتوي على كمية أكبر من الغذاء أنها تؤدي دور نقاط ساخنة متحركة في المناطق الخالية من الغذاء في المحيط، وأن المفترسات تصدفها أو تقصدها وتبقى فيها لتتغذّى".
اقرأ أيضاً: ما هي أهمية قشريات الكريل في الحلقة الغذائية لمخلوقات المحيط الأخرى؟
إن فهم الطريقة التي تؤثر فيها التيارات الدوارة على سلوكيات التغذّي الخاصة بمفترسات المحيط المفتوح في هذه المناطق الفقيرة بالغذاء من أعماق المحيط يمكن أن يساعد المسؤولين في إدارة الأنواع والمسامك والأنظمة البيئية بشكل أفضل. كما يمكن أن يساعد صنّاع القرار في تنظيم نشاطات حصاد النباتات المحيطية وصيد الحيوانات دون التأثير بشكل سلبي على المفترسات التي تعتمد على هذه الحيوانات والنباتات، أو على قدرة المحيط على تخزين الكربون وتنظيم المناخ.
قال أروستغوي: "المحيط يغذّي المفترسات، والتي تفيد البشر بدورها كمصدر للغذاء"، وأضاف: "أن حصاد الغذاء الذي تحتاجه الحيوانات التي نتغذّى عليها هو أمر يجب علينا فهمه بشكل جيد حتى نضمن أن الطرق التي نتّبعها مستدامة بالنسبة للفرائس والمفترسات التي تعتمد عليها. هذا أمر بالغ الضرورة في الحفاظ على سلامة المحيط ورفاهة البشر مع استمرارنا في الاعتماد على الحيوانات كمصادر للغذاء".