تعتبر زوتوكا فيفيبارا المعروفة أكثر باسم السحلية الشائعة نوعاً من الزواحف التي قد يُحضرها علماء البيئة الناشئون إلى البيوت لتخويف أبنائهم. وهي مخلوق صغير يختفي داخل قبضة اليد، بطول حوالي 6.3 سم، ووزن أقل من وزن قلم الرصاص.
ويمتد وجود السحلية الشائعة من الغرب في إيرلندا إلى أقصى الشرق في اليابان، ويصل شمالاً حتى القارة القطبية وجنوباً حتى شمال إيطاليا. ومع هذا الامتداد الواسع لوجودها في المناطق التي لا يشغلها الإنسان -وهذا من أسباب سلامة نظامها البيئي- فلا غرابة أن القائمة الحمراء للأنواع المهددة التي يصدرها الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة تصنف السحلية الشائعة ضمن الأنواع الأقل تهديداً. ومع ذلك فإن دراسة جديدة نشرت في مجلة "الطبيعة - علم البيئة والتطور" تشير إلى أنه ينبغي على البشر ألا يتعدوا على مواطن السحلية الشائعة حتى لا يتسببوا لها بالأذى. وقد وجد الباحثون أن مناخ الاحترار الذي يرجح أن تواجهه السحالي في ظل ظروف التغير المناخي، يتسبب في فقدان 34 في المائة من تنوع البكتيريا المتعايشة في أمعائها.
ويدرك الباحثون بشكل متزايد أن البكتيريا الموجودة في أمعاء الحيوانات - بما فيها السحالي- تلعب دوراً كبيراً في كل شيء، ابتداءً من الهضم وانتهاءً بالمناعة. فصحتها تكمن -ولو جزئياً- في أمعائها. وفي حين أننا ما زلنا نتعلم السبب الذي يجعل بكتيريا الأمعاء صحية، فإن هذه البكتيريا المتنوعة تعتبر بشكل عام عنصراً إيجابياً. وفي الوقت نفسه، يعلم الباحثون جيداً أن بكتيريا الأمعاء تتأثر بالبيئة. فالكثافة السكانية والنظام الغذائي -على سبيل المثال- يؤثران على صحة أمعاء السحالي، وهذا بدوره يؤثر بشكل كبير على صحة السحالي نفسها. ولأن السحالي من ذوات الدم البارد، وتعتمد بشكل كبير على بيئتها للحفاظ على حرارة جسمها، فمن الطبيعي أن نتساءل عن تأثير درجات الحرارة المرتفعة -كالتي يتوقع أن تحدث في ظل التغير المناخي- على السحالي. والنتيجة ليست مطمئنة، وهي أن السحالي المعرضة لدرجات حرارة عالية، لن تكون بكتيريا أمعائها أقل تنوعاً وحسب، بل إنها ربما تموت قريباً.
اقرأ أيضا:
وقد توصل الباحثون إلى هذه النتيجة من خلال سلسلة من التجارب. فقد قاموا في البداية بتوزيع تسع سحالي على ثلاثة ظروف مناخية صيفية: المناخ الحالي، المناخ المتوسط المرتفع بمقدار درجتين مئويتين – والمناخ المرتفع بواقع ثلاث درجات مئوية، وهو ما يتسق مع توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي. وبعد تعريض السحالي للظروف المناخية الصيفية من منتصف يونيو إلى منتصف سبتمبر، أعاد الباحثون السحالي إلى الظروف الحرارية الحالية، وأخذوا عينات من مِذرقها (وهو تجويف يعمل كفتحة للأجهزة الهضمية والبولية والتناسلية عند كثير من الفقاريات بما فيها السحالي). كما قاموا بدراسة مماثلة شملت معالجة مناخية صيفية لمدة شهرين، بدلاً من أربعة أشهر في التجربة الأولى. وفي كلا التجربتين، وجد الباحثون أن السحالي التي تعرضت للمناخ الأعلى حرارة كان لديها مستعمرات بكتيرية أقل تنوعاً في أمعائها. وبالطبع، فإن فقدان تنوع بكتيريا الأمعاء لا يعني بالضرورة أن السحالي تراجعت صحتها، فقد يكون المناخ الحار قد قتل البكتيريا الضارة، وترك للسحالي تجمعات من البكتيريا أقل تنوعاً، ولكنها أفضل حالاً.
ولمعرفة حقيقة الأمر، ظل الباحثون يراقبون السحالي التي أجريت عليها الدراسة لمدة سنة بعد حصول التبدل في الحرارة. وقد كانت فرصة البقاء على قيد الحياة أكبر عند السحالي ذات التنوع البكتيري الأكبر (وهي التي تم استثناؤها من المناخ الأعلى حرارة). وهو ما يشير إلى أن فقدان التنوع البكتيري قد تسبب بالضرر فعلاً على رفاقها.
ولكن واضعي الدراسة لا يقولون إن هذه النتيجة نهائية. فقد تكون ظروف الاحترار السريع في التجربة قد تسببت بإجهاد السحالي، وأن مناخ الاحترار البطيء ربما لا يكون له نفس النتيجة. وعلى أية حال، فإن التغير المناخي لا يتسم بالارتفاع الثابت لدرجات الحرارة، فنحن لسنا أمام حالة مشابهة للضفدع الشهير الذي يتم غليه في الوعاء ببطء حتى الموت. ولكن التغير المناخي يتسم بالارتفاع السريع نسبياً، بما في ذلك بعض الظواهر، كموجة الحر التي ضربت روسيا عام 2010. ولم تُجرِ التجربة التي تضمنتها هذه الدراسة إجراءً مشابهاً يعكس مثل هذه الظروف.
وإذا ما صدقت نتائج الدراسة، فإنها ستكون دليلاً على وجود طريقة أخرى غير متوقعة للآثار السلبية للتغير المناخي على البيئة. فإذا علمنا أن السحالي تلعب دوراً كبيراً في التحكم بالحشرات، فإن هذه التأثيرات مع تأثيرات أخرى للتغير المناخي ستستمر دون أن نلاحظها، إلى أن يبدأ البشر يشعرون بالحرارة العالية بشكل مفاجئ.
اقرأ أيضا: غاز الميثان يؤثر سلباً على المناخ: ما علاقته باستخراج الغاز؟