العلماء يعرفون كيف يثيرون غضب الفئران، ولكن الفئران تعرف كيف تحافظ على هدوئها

3 دقائق
مستعد للقتال.

المناطقية الذكورية مفهوم علمي واضح المعالم. وتميز بعض الحيوانات مناطق سيطرتها بالصخور أو بالبول، ويهاجم بعضها الآخر الدخلاء (وقد رأينا جميعاً كيف تختار الحيوانات القتال مع غريمها).

وقد قام الباحثون في المركز الطبي لجامعة ستانفورد بإلقاء نظرة فاحصة على جذور هذا السلوك الغاضب في دماغ الفأر. وفي دراسة نشرت أواخر يوليو 2017 في مجلة نيورون، حدد العلماء خلايا الدماغ المسؤولة عن العدوان المناطقي للذكور. ووجدوا أيضاً أنه في بعض الحالات، تعرف الفئران متى يكون القتال خياراً خاطئاً.

وتتجمع الخلايا العصبية المعنية في الجهة البطنية الأنسية من منطقة الوطاء، والتي تتوضع عميقاً في وسط الدماغ في منطقة تلعب دوراً في العديد من الأنشطة التي يسيطَر عليها هرمونياً، كالخوف والأكل والنشاط الجنسي. ومعروف مسبقاً أن هذه المنطقة مسؤولة عن العدوانية، ولكن الباحثين من جامعة ستانفورد ضيقوا نطاق المسؤولية ليقتصر على أربعة آلاف خلية مع مستقبلات تكشف الهرومونات الجنسية.

يقول نيراو شاه كبير مؤلفي الدراسة، والأستاذ في جامعة ستانفورد: "إنها إبرة في كومة قش، مقارنة بـ 80 مليون خلية عصبية في دماغ الفأر".

وعندما قام الباحثون بتنشيط هذه الخلايا، أثيرت الفئران وبدأت بالتذمر وتحريك ذيلها وبدأت تهاجم بعضها، حتى عندما كانت تواجه الإناث - وهو سلوك نادر عند ذكور الفئران- أو حتى أشياء أخرى غير الفئران، كالمرآة أو القفاز. وعندما تم تنبيه هذه الخلايا، أظهرت الفئران سلوكاً مناطقياً، حتى عندما كانت هي التي تقوم بدور الفئران الدخيلة على بيوت الفئران الأخرى.

ولكن بعض الفئران تصرفت بطريقة أفضل. حيث وجد شاه وزملاؤه أنه عندما كانت الفئران توضع في قفص مع فئران أخرى، فإنها تصبح سهلة القياد أكثر من القوارض التي تعيش وحدها في الأقفاص. وعندما قام العلماء بتنشيط مجموعة الخلايا العصبية التي اختاروها في الجهة البطنية الأنسية من الوطاء، بقيت الفئران تدافع عن أقفاصها بعدوانية ضد الدخلاء. ولكن عند وضعها في قفص لفئران مختلفة، لم تهاجم، حتى عند تنشيط المنطقة البطنية الأنسية من الوطاء. وهذا يعني أن الفئران كانت تعرف أنها ضيفة في بيوت الآخرين.

يقول شاه: "على الرغم من أننا قمنا بتنشيط الخلايا العصبية، فإن الفأر يدرك أن العدوانية ليست السلوك المناسب الذي يجب إظهاره، لأنه يدخل قفص فأر آخر".

ويبدو أن هذه اللطافة الاجتماعية تأتي من القدرة على اكتشاف فيرومونات الفأر الآخر، وهي نوع من التوقيع الكيميائي الذي يفرزه كل فأر. وعندما قام الباحثون بكبح قدرة الفئران على الإحساس بهذه الروائح، أدت إثارة الخلايا العصبية المسؤولة عن العدوانية إلى تنبيه استجابة غاضبة متساوية عند كل من الفئران التي تعيش معاً والفئران المنعزلة على حد سواء.

يقول شاه: "يسأل الناس دائماً، هل هذا أمر طبيعي أم مكتسب؟. والجواب المعتاد هو أن الأمر ليس ثنائياً بالضرورة، بمعنى أنه ليس طبيعياً فقط أو مكتسباً فقط. فهناك تفاعل بين الجينات والبيئة. ومع ذلك، فإن التكييف الاجتماعي - أو العادة المكتسبة-  يمكن أن يغير السلوك".

ويشير كلاوس ميكزيك، أستاذ علم النفس في جامعة تافتس، والذي قام بعمل دراسة ذات صلة، إلى أنه وعلى الرغم من أن هذه الدراسة توصلت إلى استنتاجات مختلفة إلى حد ما عن تشريح الدماغ مقارنة بالبحوث السابقة، فهو لا يزال يعتقد أنها تقدم إسهامات قيمة جديدة.

يقول ميكزيك: "إن نقاط القوة في هذه الدراسة هي الاهتمام بعدة متغيرات رئيسية، غالباً ما يتم تجاهلها في أبحاث العدوانية". وتتفق دايو لين، الأستاذة المساعدة للطب النفسي في مركز لانجون الطبي التابع لجامعة نيويورك، والتي لم تشارك في الدراسة، في أن الاعتماد الواضح على ظروف السكن والإشارات البيئية كان جديداً ومثيراً للفضول.

ويأمل شاه أن تتوصل الدراسات المستقبلية إلى معرفة كيف يجعل السكن الجماعي الفئران أكثر حساسية للفيرومونات. كما يرغب في فهم كيفية ارتباط الخلايا العصبية بالعدوانية في المقام الأول، وما إذا كان للعدوانية المناطقية للذكور إشارات كهربائية في الدماغ.

ويمكن أن تساعدنا هذه النتائج على فهم العدوانية في الأنواع الأخرى، بما فيها عند البشر. وترى لين أن السكن الجماعي يقلل من العدوان في بعض الكائنات الأخرى أيضاً، مثل الذباب والأسماك. ويشير شاه إلى أن الخلايا العصبية عند الفئران المعنية لها وظيفة مماثلة في الثدييات الأخرى. بل إنه يتصور أنه يمكن تفسير الظروف السلوكية البشرية مثل الاضطراب الانفجاري المتقطع، وهو حالة تتميز بنوبات غضب غير مبررة، تشبه إلى حد ما هجوم الفأر على شيء غير ضار كالقفازات.

يقول شاه: "نعتقد أن هذا النتائج يمكن أن تكون قابلة للتحقيق. وسنرى ما إذا كان هذا النموذج من العدوان يمكن أن يساعد الأشخاص الذين يعملون مع المرضى في إعادة التفكير في كيفية التعامل مع العدوانية".

المحتوى محمي