ما الدروس المستفادة من القندس لتحسين إدارة الموارد المائية؟

5 دقائق
القنادس والبيئة
حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوز.

ليس من قبيل الصدفة أن رمز كل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا هو القندس. تبدو القنادس قادرة على سد أي تيار مائي، وبناء هياكل باستخدام جذوع الأشجار والطين يمكن أن تمنع غمر مناطق واسعة بالمياه.

مع تسبب تغير المناخ في وقوع عواصف شديدة في بعض المناطق وحدوث جفاف شديد في مناطق أخرى، وجد العلماء أن التدخلات الطبيعية الصغيرة للقنادس ضرورية. في المناطق الجافة، تعيد أحواض القنادس الرطوبة إلى التربة، وفي المناطق الرطبة، يمكن أن تساعد السدود والبرك في إبطاء مياه الفيضانات. هذه الإسهامات البيئية مفيدة للغاية لدرجة أن مسؤولي إدارة الأراضي يقومون بنقل القنادس بين مواقع مختلفة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للمساعدة في استصلاح النظم البيئية وجعلها أكثر مقاومة لتغير المناخ.

يقدر العلماء أن مئات الملايين من القنادس قد أقامت سدوداً في الممرات المائية عبر نصف الكرة الأرضية الشمالي في مرحلة ما. اصطيدت هذه الحيوانات طمعاً بفرائها حتى أصبحت على وشك الانقراض في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا وأميركا الشمالية، لكنها تعود للازدهار اليوم في العديد من المناطق. بصفتي خبيرة بعلوم الأرض متخصصة في الموارد المائية، أعتقد أنه من المهم فهم مدى فائدة القنادس عند وجودها في الأماكن الصحيحة، وإيجاد طرق يمكن للبشر أن يتعايشوا معها في المدن المتقدمة. يدرس العلماء طرقاً لاستخدام القنادس للتخفيف من مخاطر حرائق الغابات والجفاف في غرب الولايات المتحدة.

كيف تغيّر القنادس التضاريس؟

تسد القنادس التيارات المائية لتشكّل أحواضاً، حيث يمكنها أن تبني مساكنها التي لها شكل قُبب في الماء، والتي تحميها من المفترسات. عندما تبني القنادس أحواضها، يتبع ذلك العديد من الآثار على البيئة.

تموت الأشجار التي غمرتها الفيضانات، ولكنها تبقى واقفة وتعشّش الطيور فيها. تشكّل التيارات التي تغيّر اتجاهها بسبب سدود القنادس قنوات متشابكة معقدة تتخللها مياه تتحرّك ببطء تحتوي على جذوع الأشجار والنباتات التي تمثّل أماكن تستطيع الأسماك الاختباء فيها من المفترسات. تتسبب سدود القنادس بتشكيل مساكن لكائنات مثل الأسماك والطيور والضفادع والحشرات.

غالباً ما تمنع السدود التي يبنيها البشر الأسماك من التحرك مع وبعكس التيار، حتى عندما تحتوي السدود على سلالم الأسماك. لكن أظهرت الدراسات أن الأسماك لا تواجه مشكلة في تجاوز سدود القنادس متحركة عكس التيار. قد يكون أحد أسباب ذلك هو أن الأسماك يمكن أن تستريح في البرك البطيئة ومجمعات المياه الباردة بعد تجاوز أعلى أجزاء السد.

المياه بطيئة الحركة خلف سدود القندس فعالة جداً في تجميع الرواسب، والتي تغرق إلى قاع البرك. تبيّن الدراسات التي قاست إجمالي كمية الكربون العضوي الموجودة في برك القنادس النشطة والمهجورة أنه قبل القرن التاسع عشر، كانت البرك النشطة والمهجورة في جميع أنحاء أميركا الشمالية تخزن كميات كبيرة من الكربون في الرواسب المحتجزة خلفها. هذه النتائج مهمة اليوم، إذ يبحث العلماء عن طرق لزيادة نسبة تخزين الكربون في الغابات والنظم البيئية الطبيعية الأخرى.

قد تظل القنادس في مكان واحد لعقود من الزمن إذا لم تتعرض للتهديد من قبل الدببة أو أسود الجبال أو البشر، لكنها ستنتقل إذا نفد الطعام بالقرب من بركها. عندما تنهار سدود القنادس المهجورة، تجف البرك وتتحول تدريجياً إلى مروج عشبية حيث تقوم النباتات من الأرض المحيطة بنشر البذور فيها.

يمكن أن تكون المروج المجففة بمثابة سهول فيضية للأنهار القريبة، والتي تسمح بتدفق المياه وتوفر مناطق غنية بالغذاء مناسبة لتكاثر الأسماك أثناء فترات ارتفاع مستوى المياه. تعتبر مروج السهول الفيضية موطناً قيّماً للطيور التي تعشش على الأرض والأنواع الأخرى التي تعتمد على الأنهار.

القنادس والبيئة
يتسبب سد قنادس في منتزه "ميسون نيك" في لورتون، فيرجينيا بتشكّل بركة وراءه يمكن أن تتوسّع وتبطئ مياه الفيضانات خلال العواصف. حقوق الصورة: منتزهات ولاية فيرجينيا.

فوائد إبطاء تدفّق الماء

مع توسع المستوطنات البشرية، غالباً ما يسعى البشر للاستفادة من أكبر مساحة ممكنة. هذا يعني عادةً أنهم يريدون إما أرضاً صلبة وجافة بما يكفي للزراعة، أو ممرات مائية يمكنهم التنقل بالقوارب عبرها. لتهيئة هذه الظروف، يقوم البشر بإزالة جذوع الأشجار العائمة من الجداول وتركيب المصارف لسحب المياه من الحقول والطرق بأسرع وأكفأ ما يمكن.

لكن تغطية المزيد والمزيد من سطح الأرض بحواجز لا تمتص الماء، مثل الأرصفة وأسطح المنازل، يعني أن المياه ستتدفق إلى الأنهار والجداول بسرعة أكبر. يمكن أن ينتج عن هطول الأمطار من عاصفة عادية تدفقاً نهرياً سريعاً يتسبب بتآكل ضفاف وقيعان المجاري المائية، وبما أن تغير المناخ يتسبب بتشكّل المزيد من العواصف الشديدة في العديد من الأماكن، فإنه سيؤدي إلى مفاقمة هذا التأثير المدمر.

يحد بعض المصممين من هذا النوع من التدفق بتطبيق مبادئ هندسية قائمة على الطبيعة، مثل تشكيل برك في المجاري المائية لاعتراضها وإبطائها، وزيادة عرض التدفقات لتقليل سرعة المياه، وتصميم خنادق صرف تسمح للماء بالغرق في الأرض. تفعل القنادس كل هذا، ولكن بشكل أفضل. وثّقت الأبحاث في المملكة المتحدة أن نشاط القنادس يمكن أن يقلل من تدفق مياه الفيضانات من الأراضي الزراعية بنسبة تصل إلى 30%.

تساعد مروج القنادس والأراضي الرطبة التي تشكّلها أيضاً في تبريد الأرض حولها وتحتها. تحتوي التربة الرطبة في هذه المناطق على الكثير من المواد العضوية من النباتات المدفونة والمتحللة، والتي تحتفظ بالرطوبة لفترة أطول من التربة التي تتكون فقط من الصخور والمعادن. في البحث الذي أجريته عن الأراضي الرطبة، وجدت أنه بعد العواصف، تمر المياه التي تدخل الأرض عبر الرمال المعدنية النقية خلال ساعات إلى أيام، ولكن يمكن أن تبقى في التربة التي نسبة المواد العضوية فيها 80-90% لمدة تصل إلى شهر.

تعمل التربة الباردة والمبللة أيضاً كعازل ضد حرائق الغابات. وجدت الدراسات الحديثة في غرب الولايات المتحدة أن الغطاء النباتي الموجود في الممرات المائية التي تحتوي على سدود القنادس أكثر مقاومة للحرائق من الغطاء النباتي في المناطق التي لا توجد بها قنادس، وذلك لأنه خصب ويُسقى بشكل جيّد، لذلك فهو لا يحترق بسهولة. نتيجة لذلك، توفر المناطق القريبة من سدود القنادس ملاذاً مؤقتاً للحيوانات البرية عند احتراق المناطق المحيطة بها.

التكيّف مع القنادس

تعتبر الخدمات البيئية التي تقدمها القنادس ذات قيمة عالية في المناطق التي لا مشكلة في تغيّر التضاريس فيها. لكن في شرق الولايات المتحدة، حيث أعمل، من الصعب العثور على مناطق مفتوحة حيث يمكن أن تنتشر برك القنادس دون غمر الخنادق أو الطرق بالماء. تُسقط القنادس أيضاً أشجار تزيين المدن، وهي تتغذى على بعض المحاصيل المزروعة، مثل الذرة وفول الصويا.

كثيراً ما يتم إلقاء اللوم على القنادس بسبب فيضانات المناطق النامية، على الرغم من أن المشكلة الحقيقية غالباً ما تكمن في تصميم الطرق، وليس سدود القنادس. في مثل هذه الحالات، فإن إزالة القنادس لا تحل المشكلة.

القنادس والبيئة
تجاوز الحطام الذي حملته الأمطار الغزيرة في يوليو/تموز 2021 أحد سدود القنادس (والذي لا يزال موجوداً في الخلفية) وجرف هذه القناة الصغيرة في غرب ولاية ماساتشوستس. تم استبدال القناة منذ ذلك الحين بأخرى أكثر متانة. حقوق الصورة: كريستين هاتش.

يمكن لشبكات تغطية القنوات والأسوار وأجهزة الاستبعاد الأخرى إبقاء القنادس على مسافة آمنة من البنى التحتية والحفاظ على ارتفاعات البرك عند مستوى لا يتسبب بغمر المناطق المجاورة. تعتبر معابر الطرق المبنية على الجداول، والتي تم تصميمها للسماح للأسماك والحيوانات المائية الأخرى بالمرور بدلاً من حظرها، غير ضارة للقنادس، كما ستكون متكيّفة مع تغيّر المناخ وظواهر هطول الأمطار الشديدة. إذا كانت هذه البنى كبيرة بما يكفي للسماح بمرور الحطام، فستقوم القنادس ببناء السدود تجاه منابع الأنهار، ما يمكن أن يساعد في حجز مياه الفيضانات.

اقرأ أيضاً: المنهج المتبع في حدائق الحيوانات والأحياء المائية يصب في مصلحة الحياة البرية

تُظهر المزيد والمزيد من الأبحاث أن تخصيص مناطق للقنادس هو أمر مفيد لنظم الأراضي الرطبة البيئية والتنوع الحيوي والأنهار. أعتقد أنه يمكننا التعلم من مهارات إدارة المياه الخاصة بالقنادس، والتعايش معها في مناطق سكننا واستغلال مهاراتها الهندسية الطبيعية للاستجابة لأنماط الطقس وهطول الأمطار التي يتسبب تغيّر المناخ باضطرابها.

المحتوى محمي