انتشرت العديد من أشكال الحياة حول العالم بسبب الجنس البشري. إذ إن هناك آلاف الأنواع من النباتات والحيوانات والفطريات وغيرها التي تعيش في مناطق لم تكن لتصل إليها دون تدخّل البشر. سواء تم نقل هذه الأنواع من قبل البشر بهدف الصيد للتسلية أو عن طريق الخطأ خلال الرحلات التجارية. يتألف عدد قليل من الأنظمة البيئية اليوم من الأنواع المحلية بشكل كامل.
تأثير الكائنات غير المحلية على النظام البيئي
عادة، تضرّ أشكال الحياة البرية غير المحلية هذه (والتي تُعرف أيضاً باسم أشكال الحياة الغريبة) أكثر مما تنفع عندما تدخل البيئات التي لا تحتوي على مفترسات طبيعية لها، أو عندما تتمتع بأفضلية على فرائسها أو أشكال الحياة المنافسة غير المتكيّفة معها. أحد الأمثلة النموذجية على هذا الضرر هو سلمون البحيرات المرقّط. أطلق رياضيو صيد الأسماك في تسعينيات القرن التاسع عشر هذه الأسماك التي تعيش في البحيرات العظمى ومنطقة نيو إنغلاند في بحيرة لويس في ولاية وايومنيغ. وبعد قرن من الزمن، انتقلت هذه الأسماك عبر المجاري المائية إلى بحيرة يلوستون القريبة حيث استولت على موطن أسماك سلمون يلوستون المرقّط السفاح المنفصل وراثياً وعاثت فساداً فيه.
اقرأ أيضاً: ما هي أساليب البقاء التي تتسلح بها الكائنات الدقيقة في البيئات المتطرفة؟
لكن أحياناً، تقوم بعض الأنواع غير المحلية بتلبية احتياجات بالغة الضرورة لأشكال الحياة المستوطنة أو توفير الفوائد لها في بعض الأنظمة البيئية. قامت ماريانا كامبل (Mariana Campbell)، باحثة في علم البيئة في جامعة تشارلز داروين في أستراليا مع فريق من الباحثين مؤخراً بتوثيق التزايد السريع في أعداد التماسيح المحلية بعد تطبيق إجراءات لحمياتها في سبعينيات القرن الماضي. افترضت كامبل وفريقها أن ازدياد وفرة الخنازير البريّة الغازية التي تتغذّى عليها التماسيح ساهم في ازدياد عدد هذه التماسيح.
هل هذا يجعل وجود الخنازير الغازية إيجابياً في المواطن التي احتلتها؟ مثل معظم الأسئلة المتعلقة بالأنظمة البيئية، لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بنعم أو لا ببساطة. تقول كامبل مشيرة إلى أن هذه الخنازير تتسبب في الكثير من الأضرار للمواطن التي تعتمد عليها أنواع أخرى: "ساعدت [الخنازير البرية] في ازدياد أعداد [التماسيح المحلية] على الأرجح. لكن لا يمكن أن نستنتج من ذلك أن وجودها يفيد النظام البيئي ككل ببساطة"، وتضيف: "لا أستطيع القول إن هذه الخنازير مفيدة في النظام البيئي بأي شكل".
لكن في حالات أخرى، تقترب الأنواع الغريبة من أن تكون مفيدة. شارك جيوفاني فيميركاتي (Giovanni Vimercati)، عالم أحياء في جامعة فريبورغ في سويسرا في تأليف دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة بلوس بيولوجي تضمّنت طريقة لقياس الفوائد التي تقدّمها الأنواع غير المحلية للأنواع المحلية. أطلق الباحثون على هذه الطريقة اسم نظام تصنيف الآثار البيئية الإيجابية للأنواع الغريبة، وهي مبنية على نظام تصنيف سابق استخدمه الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة يقيس فقط الآثار السلبية. يمكن أن يقدّم النظامان معاً صورة متكاملة عن الطرق التي تتفاعل بها الأنواع غير المحلية مع تلك المحلية.
يتماشى نهج النظام الجديد التصنيفي والمبني على الأدلة العلمية مع ما تعتبره كامبل ممارسة علمية ذات جودة عالية. وتقول: "لا توجد مسائل بسيطة ومباشرة عندما يتعلق الأمر بالأنظمة البيئية. لكن العلماء الذين يدرسون أثر الأنواع الدخيلة لا يفترضون أن أحد العوامل «إيجابي» أو «سلبي» ببساطة". مع ذلك، تحذّر كامبل من أن هناك الكثير من الأدلة التي تدعم الاعتقاد الشائع بأن الأنواع الغازية تضرّ بالأنظمة البيئية المحلية. إذ تقول: "إن تحديد الآثار الإيجابية والسلبية للأنواع الغازية وقياسها أمر ضروري عند اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة أعداد الأنواع".
اقرأ أيضاً: 5 أمثلة من الطبيعة تثبت أن كائنات الزومبي ليست مجرد خيال علمي
لم يحاول فيميركاتي ومؤلفو الدراسة الآخرون تحديد ما إذا كانت الأنواع الغازية تستحق سمعتها السيئة. بدلاً من ذلك، كان الهدف من تطوير نظام التصنيف الجديد منح الباحثين ومسؤولي الإدارة البيئيين وسيلة يستطيعون استخدامها في التخطيط لآليات الحفاظ على البيئة. يقول فيميركاتي: "الفكرة التي تنص على أننا نستطيع التحكّم بالأنواع غير المحلية أو إزالتها ليست واقعية"، ويضيف: "إذا كنا نعمل في متنزه أو منطقة محميّة، ستكون الموارد محدودة وسنضطر لتحديد أولوياتنا بشكل دقيق".
أحياناً، يكون أثر الأنواع الغازية غير قابل للعكس. على سبيل المثال، يعتقد العلماء أن الثعالب الأوروبية الحمراء أدّت دوراً في انقراض الجرذان الكنغريّة في أستراليا، وأن القطط البرية تسببت لوحدها في انقراض 40 نوعاً من الطيور حول العالم. وفي بعض الأحيان الأخرى، قد تتطلب إعادة نظام بيئي ما إلى حالته الأساسية (أي الحالة قبل دخول الأنواع الغازية) الكثير من الوقت والمال. بجميع الأحوال، يجب على علماء البيئة أن يحددوا أولوياتهم، ويمكن أن يساعدهم نظام التصنيف الجديد في وضع استراتيجيات لإجراء التدخّلات المفيدة.
قياس أثر الأنواع الغريبة
يتضمّن استخدام النظام الجديد مسح الدراسات والأبحاث التي أجريت حول نوع معين وتطبيق المعلومات المعروفة حوله لتصنيف آثاره الإيجابية على التنوّع الحيوي المحلّي. صمم فريق فيميركاتي مقياساً من 5 نقاط يبدأ بالآثار الإيجابية "الدنيا" ويتصاعد وصولاً للآثار "العظمى" (يصنّف نظام تصنيف الآثار البيئية السلبية للأنواع الغريبة هذه الآثار وفقاً لنفس المقياس).
كان نظام التصنيف الأصلي فعالاً في تحديد أي من الأنواع الغازية هي التي تسبب بالضرر الأكبر. لكن استخدام كلا النظامين قد يساعد في كشف أفضل الممارسات للتدخّل والتي قد لا تكون واضحة دون النظر في الإيجابيات والسلبيات معاً. يشير فيميركاتي إلى أحد الأمثلة التي ذكرت في الدراسة الجديدة، وهو نوع من الجرذان السوداء الغازية في اليابان والتي تتغذى على نوع من الحلزونات المحلية التي تختبئ تحت الأوراق الميتة لأشجار الكزوارينة المتدليّة. تم إدخال هذه الأشجار أيضاً من قبل البشر، وتنافست مع النباتات المحليّة على مساحات النمو والمغذّيات. عندما أزال خبراء الحفاظ على البيئة عدداً كبيراً من هذه الأشجار الغازية، تراجعت جماعات الحلزون لأنها لم تعد محمية من الجرذان التي لم تتم إزالتها. باستخدام نظام تصنيف يأخذ بعين الاعتبار فوائد الأشجار الغازية القليلة نسبياً ولكن الموجودة، ربما كان سيستنتج الخبراء أن إدارة أعداد هذه الأشجار بالتزامن مع إدارة أعداد الجرذان سيقلل من الأضرار التي أصابت جماعات الحلزون.
مع دخول العديد من أشكال الحياة البرية غير المحلية إلى أنظمة بيئية جديدة، ستكون أساليب الإدارة التي تأخذ بعين الاعتبار فوائد ومضار الأنواع دائماً أكثر دقة، وبالتالي أكثر فائدة، مقارنة بتلك التي تأخذ المضار فقط بعين الاعتبار. يقول فيميركاتي: "من الواضح أن الأولوية هي تحديد الآثار السلبية، وذلك لأن بعض الأنواع الغازية تكون مضرة للغاية، ويضيف: "لكن لا يجب علينا إنكار أن الآثار الإيجابية موجودة أيضاً".