قد تربط بين نحل العسل والنحل الطنان بمظهره اللطيف والزغبي، واهتمامه الظاهر عديم الجدوى بالأزهار. لكن تحت الخطوط الصفراء والسوداء لجسم النحل يكمن عقل مذهل. وقد جمعت دراسة جديدة أدلة من 23 دراسة عن نحل العسل والنحل الطنان. وتشير نتائجها، والتي تستند إلى سنوات من البحوث على النحل، إلى حقيقة أن مستويات المبيدات الحشرية التي يعدّ استخدامها آمناَ حالياً ربما لا يبقى لها تأثير كبير على بقاء مستعمرة النحل.
وعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو بسيطاً، "فإن النحل لديه وظيفة صعبة جداً" وذلك بحسب مؤلف الدراسة هاري سيفيتر، وهو طالب دراسات عليا في جامعة رويال هولواي في لندن. ولكي تتمكن العاملات من العثور على الطعام وجمعه بكفاءة للعودة إلى الخلية، يجب أن تتعلم بسرعة التعرف على الطرق الأكثر فعالية في البحث عن الطعام، وتذكّرها بعد ذلك. ولإتقان الأمر، تتغير المسارات تبعاً للفصول ولعوامل أخرى. بل إن نحل العسل يتذكر حتى الزهور التي مر بها مؤخراً، لكي لا يضيع الوقت في الذهاب إليها مرة أخرى.
ويحتاج كل هذا إلى ذاكرة جيدة وقدرة على التعلم، وهي أشياء لاحظتها العديد من الدراسات المخبرية على نحل العسل باستخدام "اختبار مد الخرطوم". فعندما يقترب النحل من رائحة الرحيق اللذيذ، يبدأ بمد لسانه. في التجارب، قام الباحثون بتعريض النحل للمبيدات الحشرية، ثم شاهدوا ما فعله النحل عندما طُلب منهم تناول الغذاء، وكانوا يتحرون معرفة متى يمد النحل ألسنته للخارج، وما إذا كان سيفعل ذلك أصلاً. وأخذ سيفيتر وزملاؤه بيانات تعود لهذه الدراسات الـ 23، وأجروا تحليلاً واسعاً للنتائج.
ووجد الباحثون أن جرعات المبيدات الحشرية تعادل الكمية التي قد تواجهها نحلة في حقل، "كان لها آثار سلبية كبيرة على التعلم والذاكرة". وكان ذلك صحيحاً عندما تعرض النحل فجأة للكثير من المبيدات الحشرية، وأيضاً عندما تعرض للقليل منها على مدى فترة طويلة. وكان هذا صحيحاً أيضاً بصرف النظر عما إذا كان النحل قد تعرض للنيونيكتينويدات -وهي فئة من المبيدات الحشرية التي كانت موجودة منذ التسعينات، ويجري ضبطها اليوم بشكل متزايد- أو للمبيدات الحشرية الأخرى.
يتم توجيه قوانين المبيدات الحشرية الحالية نحو التأكد من أنها لا تستخدم في المستويات التي تقتل النحل. لكن هذه الكميات القانونية الحالية تجعل العاملات، على ما يبدو، أقل ذكاء، مما قد يكون له تأثير على بقاء النوع. يقول سيفيتر: "يجب أن تتحرك الأنظمة والسياسات تجاه معالجة الآثار غير المميتة للمبيدات".
والسؤال الآخر الذي تثيره هذه النتائج ضمنياً هو: كيف تؤثر هذه المبيدات على أنواع النحل التي حظيت بدراسة أقل. ولا يعيش كل النحل بشكل جماعي، وذلك حسب ما صرحت به العالمة إليزابيث بيتس، من جامعة جيلف، لمجلة بوبيولار ساينس - العلوم للعموم في إحدى المقابلات. وتقول بيتس: "لا يعيش الكثير من النحل البري في المستعمرات. وإذا تأثر تعلّمه أو ذاكرته، فلا يوجد نحل آخر يساعده على التخلص من هذا الركود".
وقد صرح عالم الحشرات في جامعة ولاية أوهايو ريد جونسون لمجلة بوبيولار ساينس - العلوم للعموم في مقابلة عبر البريد الإلكتروني، بأن السؤال هو: "هل ما زال بالإمكان استخدام المبيدات الحشرية حول أماكن وجود النحل بشكل آمن؟". وفي هذه الدراسة التي لها قوة الـ23 دراسة، "تشيرالأدلة إلى أن الإجابة هي: لا".
يتعمق سؤال المتابعة عن واحدة من أهم حاجاتنا الأساسية، وهي الغذاء. المبيدات الحشرية هي جزء أساسي من الزراعة الصناعية واسعة النطاق، ولا بد من تعرض نحل العسل لقدر معين من هذه المبيدات. السؤال الذي يطرح نفسه، والذي لم تتم الإجابة عنه من قبل القوانين حتى الآن، إلى أي حد يكون ضرر المبيدات الذي يلحق بالنحل مقبولاً.
كما هو الحال دائماً، هناك حاجة لمزيد من البحوث. لكن هذه الدراسة تستحق الاهتمام بها، حسب ما صرح جيريمي كير أخصائي حماية البيئة من جامعة أوتاوا لمجلة بوبيولار ساينس - العلوم للعموم. وتستند نتائج الدراسة إلى أدلة من أكثر من 100 تجربة فردية مشمولة في الدراسات الـ 23، مما يرفع من قيمة النتائج التي توصلوا إليها. يقول كير: "الدرس المستفاد هو أن نحل العسل يبدأ في فقدان قدرته على التعلم والتذكر عندما يتعرض للنيونيكوتينويدات".
إن قوة هذه الدراسة - بحسب كير- هي أنها تظهر "الإجماع المعرفي" على هذه المسألة. ويمكن أن يولي صانعو سياسة المبيدات اهتمامهم بهذه النتيجة. تقول بيتس: "مع القيود المفروضة المتزايدة على النيونيكوتينويدات على مستوى العالم، فإن الكثيرين سيبحثون عن المواد الكيميائية البديلة لحماية المحاصيل". ومن المهم التفكير في التأثير المحتمل لهذه الكيماويات على النحل.