تخرج حشرات اليسروع من بيوضها جائعة جداً، وتبدأ بمضغ الأوراق الخضراء، والتفاح، والخوخ، والطماطم، و .... يا إلهي، هل تعرفون من هو التالي؟
نعم، فبخلاف قصص الأطفال، فإن الطبيعة عالم متوحشٌ وقاسٍ، وليست عالماً مرسوماً بالألوان، بل بالدم. وقد وجدت دراسة نشرت في يونيو 2017 في مجلة "الطبيعة - علم البيئة والتطور" أن المواد الكيميائية التي تطلقها النباتات عندما تؤكل، قد تساهم في دفع حشرات اليسروع إلى أكل لحوم بعضها.
وقد بحث واضعو الدراسة في نبات الطماطم، وهو مثلَ كثير من النباتات يطلق مادة ميثيل جاسمونيت عندما يتعرض للإجهاد أو الأذى. والتعرض للقضم من قبل حشرات اليسروع أمر مجهد، ولذلك عندما تبدأ حشرات اليسروع بالقضم يرتفع النشاط الكيميائي داخل نبات الطماطم. أما النباتات الأخرى القريبة، فتشعر بهذا النشاط الكيميائي الزائد وتبدأ بإنتاج ميثيل جاسمونيت الخاص بها، لعمل تمويه كيميائي حول أوراقها وسوقها.
وفي الوقت الذي تصبح فيه جميع المصادر الغذائية ذات طعم سيئ، تتحول حشرات اليسروع إلى الوجبة المتاحة التالية: وهي أن يأكل بعضها بعضاً. وقد وجد الباحثون أن النباتات التي لديها الوقت لبناء دفاعات قوية، يمكنها جعل أوراقها غير شهية، بحيث تبدأ حشرات اليسروع بأكل بعضها البعض حتى تشعر بالشبع، تاركة النبات وشأنه.
يقول جون أوروك مؤلف الدراسة: "يبدأ الأمر عادة عندما يقوم يسروع بقضم يسروع آخر من الجزء الخلفي من جسمه، ما يؤدي إلى اضحملال حجمه، ثم يبدأ بالتلاشي من هذه النقطة. وفي نهاية اليوم، يتم أكل أحدهما".
وقد قام أوروك وزملاؤه في هذه الدراسة بالبحث في كيفية تفاعل حشرات اليسروع مع النباتات المفردة فقط. ولذلك فمن الممكن إذا كان لدى هذه الحشرات الحرية في الانتقال إلى نباتات شهية أكثر، ألا تتحول بهذه السرعة نحو أكل رفاقها. ويخطط الباحثون للمزيد من الدراسة حول كيفية تفاعل حشرات اليسروع بوجود أكثر من نبات واحد، كما يخططون للبحث في كيفية انتقال فيروسات الحشرات خلال الفترة التي تأكل فيها لحوم بعضها.
إذا تم نقل الفيروسات التي تضر بحشرات اليسروع بطريقة أسهل عن طريق أكلها للحوم بعضها، فإن هذا قد يكون بالنسبة للنباتات بمثابة نصر مزدوج: فليست أوراقها وحدها محمية من الآفات، ولكن مفترسيها يقومون الآن بنشر الأمراض فيما بينهم، ليخفضوا أعداد الحشرات العاشبة. إن فهم الطريقة التي تسير بها هذه العملية قد يساعد المزارعين وأصحاب البساتين في تصميم طرق أفضل لمكافحة الآفات.
ولكن إلى أي مدى يعتبر أكل الحشرات للحوم بعضها سلوكاً نادراً؟ يوجد بين الحشرات الكثير من اليرقات التي تأكل بيوض أخواتها التي لم تفقس بعد. ولهذا فهناك نوع جنسي من أكل لحوم الحشرات لبعضها، وهو مشهور عند فرس النبي، ولكنه موجود أيضاً عند حشرات أخرى، كبنات وردان (الصراصير). كما أن درجات الحرارة المرتفعة تجعل بعض حشرات الرعّاشة تتحول إلى أكل لحوم بعضها.
كما يفسر أكل الحشرات لبعضها سلوكيات معينة عند الحشرات. وقد وجدت دراسة متعددة الجنسيات عام 2008 أن أسراب الجراد قد احتشدت لأنها في المقام الأول كانت تخاف من الجراد خلفها الذي كان يحاول أن يلسع مؤخراتها.
كما وجدت دراسة سابقة نشرت عام 2010 أن العديد من الحشرات العاشبة النموذجية - كاليسروع - يمكن أن تتحول إلى حشرات لاحمة تتغذى على لحوم بعضها، إذا لم يكن هناك ما يكفي من الغذاء يسد الأفواه الجائعة، في حال لم يكن الغذاء المتاح جيداً، أو في بعض الحالات حيث يكون لديها ميل وراثي للتحول إلى أكل لحوم بعضها.
ومن المثير للاهتمام، أن أكل الحيوانات للحوم بعضها يمكن أن يعود بالنفع على هذه المخلوقات العاشبة. فأكلها للحوم بعضها يخرج المنافسة خارج السلسلة الغذائية، ويحافظ على حشرات اليسروع التي حافظت على بقائها قوية عندما تشح مصادر الغذاء. ولذلك علينا ألا نتسرع في الحكم على هذه المخلوقات الصغيرة والغامضة التي تأكل لحوم بعضها. إننا في عالم تأكل فيه الحشرة أختها الحشرة.