مهما كان الاسم الذي تدعوه به؛ الهلبندر أو تمساح أليغيني أو قندس الماء المخاطي أو كلب الشيطان أو حتى سحلية اللازانيا، يبدو الحيوان البرمائي العملاق الهلبندر (الاسم العلمي: Cryptobranchus alleganiensis)، منفراً بالفعل للوهلة الأولى، إذ إن بشرته المموجة والمخاطية اللزجة تجعل من شكل أكبر برمائي بين برمائيات السلمندر في أميركا الشمالية قبيحاً ومخيفاً حقاً.
يقول مدير علوم الأحياء المائية في مؤسسة "ويسترن بنسلفانيا كونسيرفينسي" (Western Pennsylvania Conservancy) غير الربحية التي تعنى بالحفظ، إريك تشابمان: «للهلبندر وجه قبيح جداً، لكن الطبيعة الأم تحبه كثيراً».
اقرأ أيضاً: كيف سرع القرش الأبيض الكبير انقراض قرش الميجالودون؟
الهلبندر سيئ السمعة ودوره المهم في الطبيعة
على الرغم من أن هذا الحيوان قد يبدو مثل الشيطان، فإنه لطيف للغاية تجاه البشر ما لم يتم استفزازه. وبالإضافة إلى ذلك، فإن لهذا الحيوان المائي فوائد كبيرة لبيئته، فوجوده فيها بحد ذاته مؤشر على جودة المياه ويحافظ على أعداد جراد البحر ضمن الحدود الطبيعية. يقول تشابمان: «إنها حيوانات حساسة جداً لأي تغيير في البيئة، فارتفاع أعدادها أو انخفاضها يُعد مؤشراً على صحة البيئة بشكلٍ عام».
لكن لا أحد يقدّر أهمية الهلبندر مثل الطبيعة الأم. وفقاً لتشابمان، فإن الأفكار الخاطئة التي أدت إلى كره الهلبندر كانت سائدة منذ قرون، ولكن الأسماء الشريرة التي نشرها المستعمرون الأوروبيون في الأصل عن الهلبندر لا تفسّر إلا جزءاً بسيطاً من النظرة السوداوية التي يحملها الناس تجاهه. من الأفكار المغلوطة حول الهلبندر أنه يجلب الحظ السيئ بمجرد مشاهدته، وتصوّره ثقافات أخرى على أنه وحش سام يقضي على أعداد كبيرة من الأسماك المحلية، ولكن هذه الأفكار ليست صحيحة.
اقرأ أيضاً: كيف تقوم إناث السلمندر “بسرقة” جينات ذكور الأنواع الأخرى
يقول عالم الزواحف في ولاية ميسوري، جيف بريغلر، إن الهلبندر حيوان عملاق لطيف في الواقع. على الرغم من أنه قد يحاول الدفاع عن نفسه أحياناً عندما يحاول أحد ما استفزازه أو الاقتراب من مسكنه أو صغاره، فإنه غير مؤذٍ عموماً، وهو لا يأكل سوى جراد البحر أو الحلزونات. يترواح طول الهلبندر من 30 إلى 60 سنتيمتراً، وكلما كان أكبر، بدا أكثر لطفاً، كما يقول بريغلر.
كائن يحب الاستقرار
يقول تشابمان: «يقضي الهلبندر معظم وقته مختبئاً في مسكنه تحت الصخور الضخمة الكبيرة في مجاري المياه، حيث تعمل هذه الصخور بمثابة درع يحميه. وقد رُصدت بعض حيوانات الهلبندر تحت نفس الصخرة عاماً بعد عام، حيث تعيش معظم حياتها التي تمتد من 25 إلى 35 عاماً، وعلى نحو مثير للإعجاب، تحت صخرة واحدة». ويُعد الهلبندر من الأنواع القديمة، حيث يقول بريغلر في هذا الصدد: «لقد عثرنا على أحفوريات له تعود لملايين السنين، ولم يتغير إلا قليلاً بمرور الوقت».
عندما يضطر الهلبندر إلى مغادرة مسكنه الصخري أحياناً، نادراً ما يُشاهد وهو يسبح، وبدلاً من ذلك غالباً ما يزحف على طول قاع الأنهار على أرجله القصيرة. وعادةً ما يكون أكثر نشاطاً في الخريف خلال موسم التزاوج، حيث يخرج الذكور ويؤدون عروض المغازلة ويتزاوجون مع الإناث التي تعود بعد ذلك إلى تحت الصخور لوضع البيوض. ويقول تشابمان إن ذكر الهلبندر يحرس العش أيضاً لأسابيع لوحده دون أن يتناول الطعام. وعلى الرغم من تضحيته، قد لا يستحق حيوان الهلبندر جائزة أفضل أب في المملكة الحيوانية بالنظر إلى ميله لأكل صغاره إذا لم تغادر العش سريعاً بما فيه الكفاية.
اقرأ أيضاً: هذه الحيوانات تقوم بالبتر الذاتي لأطرافها وحتى أعضائها التناسلية للحفاظ على بقائها
أسباب جعلت الهلبندر مهدد بالانقراض
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق من أسمائها الشريرة أو شكلها القبيح هو التهديدات الجدية التي يتعرّض لها الهلبندر، مثل فقدان الموائل والأمراض التي تصيبه. لقد شهدت أعداد نوع الهلبندر الفرعي "أوزارك"، وهي أحد نوعي الهلبندر، انخفاضاً كبيراً في ميسوري وأركنساس، حيث يقول بريغلر في هذا الصدد: «لقد قدرنا أن هناك نحو 45 ألف حيوان هلبندر في ميسوري في السبعينيات، ولكننا نقدر أعدادها اليوم بنحو 2100 حيوان هلبندر فقط. قد تشهد أعداد الهلبندر الشرقي، النوع الآخر الذي يعيش في أقصى الشمال مثل نيويورك وإلى الجنوب مثل جورجيا وألاباما، انخفاضاً كبيراً، لكن ليس لدى العلماء بيانات جيدة حول هذه الأرقام كما هو الحال هنا في ميسوري. ومع ذلك، صُنف الهلبندر الشرقي على أنه حيوان مهدد بالانقراض أو معرض للخطر في عدة ولايات، وذلك على الرغم من أنه ليس مدرجاً في القائمة الفيدرالية للأنواع المهددة بالانقراض مثل نوع أوزارك الفرعي».
ومع أن الهلبندر يعيش عبر 15 ولاية، فإن تدمير موائله يخنقه بالفعل. على الرغم من أن الهلبندر يُولد بخياشيم ويستخدم رئتيه في وقت لاحق من حياته، فإنه يتنفس بشكلٍ رئيسي عبر جلده المبطّن بالأوعية الدموية الرقيقة. ويقول بريغلر إن الهلبندر يمتص الأوكسجين من المياه الباردة وقد يستخدم رئتيه أحياناً إذا ما اضطُر للخروج إلى السطح عند ارتفاع درجة حرارة المياه كثيراً، ولكن بالنظر إلى انجراف التربة بسبب إزالة الغابات وتعرية الأرض بسبب توسع الأراضي الزراعية، يمكن أن تزداد الرسوبيات في المياه، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى خنق الهلبندر حرفياً. وبالإضافة إلى ذلك، أدى انتشار فطريات تشيتريد (chytrid) في ميسوري منذ الستينيات إلى تناقص أعداد الهلبندر أيضاً.
كما أثرت تجارة الحيوانات غير المشروعة على أعداد الهلبندر أيضاً. يقول تشابمان في هذا الصدد: «على الرغم من أن زيادة معرفتنا بهذا المخلوق كانت وسيلة رائعة لإنقاذه والحفاظ عليه، فإن زيادة الاهتمام به كانت له آثار سلبية أيضاً. كان مذهلاً أن يُسمى الهلبندر الشرقي كحيوان بنسلفانيا البرمائي عام 2019، ولكن نتيجة لذلك ازداد عدد الطلبات التي وردت إلى لجنة بنسلفانيا للأسماك والقوارب من أشخاص يرغبون باقتناء الهلبندر في حوضٍ في منازلهم. لم يكن الأمر جديداً، فقبل بضعة عقود، اصطيدت أعداد كبيرة من الهلبندر بشكل غير قانوني من مياه ميسوري بهدف بيعها كحيواناتٍ أليفة في دول جنوب شرق آسيا». ويضيف بريغلر محذراً: «إذا ما استمر الناس في البحث عن هذه المخلوقات العملاقة تحت الصخور في موائلها، فقد لا تعود إليها أبداً».
اقرأ أيضاً: الماموث المسكين: البشر تسببوا في انقراضه قبل أوانه بـ 4 آلاف عام
تساعد تدابير الحماية اليوم مثل معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض (CITES) في الحد من هذا الاتجاه، وينصح العلماء بشدة الناس بعدم البحث عن حيوانات الهلبندر في مواطنها، حيث يجب ألا يتم تحريك الصخور إلا بواسطة أفراد مدربين بشكل جيد ويعرفون الطريقة الأفضل للحفاظ على الموائل الصغيرة الموجودة تحتها. يقول بريغلر: «لقد تمكن العلماء، بمساعدة برامج التربية، من إعادة 10 آلاف حيوان هلبندر إلى الأنهار في ولاية ميسوري. من المرجح أن تستغرق جهود استعادة أعداد الهلبندر إلى ما كانت عليه قبل الستينيات عقوداً من الزمن، لكن بعض الولايات، مثل ميسوري، بدأت تشهد ازدهار أعدادها إلى حد ما».
ويضيف بريغلر أخيراً: «لم أكن متأكداً قبل 15 عاماً من أنه يمكننا إنقاذ هذا الحيوان، ولكنني اليوم متفائل أكثر ببرنامج استعادة الهلبندر الذي نعمل عليه هنا في ميسوري. نحن نحاول استعادة هذا الحيوان منذ 30 أو 40 عاماً بينما نعمل على مواجهة التهديدات».