شارك
الرئيسية
3 دقائق 
تعتبر الحيتان البيضاء حيوانات حساسة للغاية تجاه الضوضاء. تستخدم هذه الحيوانات الاجتماعية التي تعيش في المحيط المتجمّد الشمالي حاسة السمع الرهيفة الخاصة بها للتواصل عبر المسافات الشاسعة والعثور على فرائسها وتجنّب المفترسات الماهرة مثل الحيتان القاتلة. لكن الأصوات العالية تملأ المحيط الشمالي في هذه الفترة. يزداد معدّل حركة السفن مع ارتفاع درجة حرارة المحيط المتجمّد الشمالي وذوبان الجليد فيه، ما تسبب بامتلاء هذه المياه التي كانت هادئة من قبل بأصوات مراوح ومحركات السفن.
ضوضاء ضارة للحيتان
علم العلماء من ثمانينيات القرن الماضي أن حواس الحيتان البيضاء الحادة يمكن أن تساعدها على استشعار الضوضاء الناجمة عن القوارب التي تبعد مسافات تصل إلى 80 كيلومتراً. لكن تمثّل هذه الضوضاء أكثر من مجرد مصدر للإزعاج؛ إذ إنها تتسبب في إبعاد الحيتان البيضاء عن مناطق الصيد والحضانة والراحة التي اعتادت عليها، بالإضافة إلى أنها تتسبب في الإجهاد للحيتان وتشوش على قدرتها على سماع بعضها بعضاً وإدراك المعلومات الضرورية عن بيئاتها، مثل عمق المياه ومواقع الفرائس. كشف العلماء في دراسة جديدة قادت تأليفها عالمة الحيوان في جامعة فيكتوريا في كولومبيا البريطانية وجمعية حماية الحياة البرية الكندية، مورغان مارتن (Morgan Martin)، الطريقة التي تهرب فيها الحيتان البيضاء وتغوص بهدف الابتعاد عن الضجيج المزعج بتفصيل غير مسبوق.
اقرأ أيضاً: لإنقاذ الحيتان المهددة بالانقراض، لا بدّ من البحث في فضلاتها
في عام 2018، حصل العلماء من دائرة المسامك والمحيطات الكندية على إذن من مجلس شعب الإينوفيالوي للطرائد لتثبيت أجهزة التعقّب وشاشات الزمن والعمق التي تعمل بنظام تحديد المواقع العالمي على 8 ذكور من الحيتان البيضاء. تقوم هذه الأجهزة بتوثيق مواقع الحيتان البيضاء في أعمدة المياه كل ثانية. عندما استلمت مارتن مجموعة البيانات الأولى، شعرت بالحماس بعد ملاحظة أن أجهزة التعقب وثّقت "مسارات رائعة ودقيقة وجميلة للغاية"، بينما سبحت الحيتان في شرق بحر بيفورت. تقول مارتن: "تمكّنا من تحديد عمق المياه التي سبحت فيها الحيتان والمدة التي قضتها في هذه الأعماق بالضبط".
من خلال المقارنة بين المسارات ثلاثية الأبعاد التي اتبعتها الحيتان ومواقع السفن، والتي تم بثها بواسطة المستجيبات التي تعمل بنظام التعرف الآلي الموجودة على متن السفن، صممت مارتن وزملاؤها نماذج لحالات التفاعل بين الحيتان البيضاء والسفن وقامت بإنشاء الخرائط لها. قام الباحثون أيضاً بإنشاء رسوم متحركة لكل حالة من هذه الحالات.
اقرأ أيضاً: رحلة قصيرة إلى مجتمع الحيتان في نصف الكرة الأرضية الجنوبي
تغيير اتجاهات الحيتان بشكل مفاجئ
وجد الباحثون أن رد الفعل الأكثر شيوعاً لدى الحيتان تجاه الضوضاء الصاخبة هو تغيير الاتجاه بشكل مفاجئ. وفي بعض الأحيان، عادت بعض الحيتان إلى اتباع مساراتها الأصلية والاستمرار في رحلاتها بعد مرور السفن.
في بعض الحالات الأخرى، غاصت بعض الحيتان التي تعرّضت لضوضاء السفن في المياه واتخذت أجسامها شكل حرفي "في"، هابطة وصاعدة في المياه بسرعة بدلاً من البقاء تحت السطح كما تفعل عادة في أثناء البحث عن الطعام. في حالات مختلفة، غاصت الحيتان تحت السطح مباشرة وسبحت بعيداً عن الضوضاء. إذا كانت الحيتان تسبح بالفعل بعيداً عن السفن، فلن تغير توجهها. ولكن بيّنت الدراسة الجديدة أن الحيتان تسبح بسرعة أكبر من الوسطي عندما تكون السفن ضمن مجال السمع الخاص بها.
تقول عالمة الثدييات البحرية في مؤسسة رين كوست للحفاظ على البيئة (Raincoast Conservation Foundation )، فاليريا فيرغارا (Valeria Vergara)، والتي لم تشارك في الدراسة الجديدة، إن نتائج الدراسة تؤكد مدى حساسية الحيتان البيضاء تجاه الضوضاء.
الصوت هو الطريقة الأساسية التي تتواصل بواسطتها العديد من الحيوانات البحرية وتفهم بيئاتها. تقول فيرغارا إنه عندما يمر قارب صاخب، فإن صوته يطغى تماماً على أصوات الحيتان البيضاء أو يخفيها. كما يمكن أن تتسبب هذه الضوضاء في الإجهاد المزمن لدى الحيتان. بالإضافة إلى ذلك، فإن السباحة لمسافة إضافية تبلغ 50 كيلومتراً لتجنب الضوضاء تستهلك كمية من الطاقة الثمينة بشكل خاص بالنسبة للحيتان في مياه القطب الشمالي المتجمدة.
اقرأ أيضاً: في المحيط الشاسع: غناء الحيتان قد يحميها من الاصطدام بالسفن
تقول فيرغارا: "يمثّل [التلوث الضوضائي في] المواطن المهمة مثل مناطق التغذية أو مناطق التجول أو مناطق الحضانة مشكلة كبيرة بالنسبة للحيتان"،
تقول مارتن: "الضوضاء تحت المائية هي واحدة من أكثر أشكال التلوث انتشاراً"، وتضيف قائلة إنه على عكس تسرب النفط، والذي يتسبب ببقاء النفط لسنوات في المياه، فالتلوث الضوضائي "هو شكل من أشكال التلوث الذي يمكن التخلص منه تماماً من خلال إزالة مصادره".
تقول مارتن أيضاً إنه لمساعدة جماعات الحيتان البيضاء، يجب أن يتم تقليل كمية الضوضاء التي تولّدها السفن. وتضيف أنه يجب أن يأخذ صنّاع السياسات إنشاء المناطق البحرية المحمية والملاذات الهادئة في مواطن الحيتان البيضاء بعين الاعتبار.