في 21 أكتوبر/ تشرين الأول قبل 50 عاماً، أقر الكونغرس الأميركي قانوناً يحمل اسم قانون حماية الثدييات البحرية. وهو قانون حدد معياراً عالمياً لجهود الحفاظ على هذه الحيوانات. كان هذا القانون أول تشريع يدعو على وجه التحديد إلى تطبيق "نهج لحماية أشكال الحياة البرية على مستوى الأنظمة الطبيعية". وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، لم ينقرض أي نوع من الثدييات البحرية في مياه الولايات المتحدة منذ إقرار هذا القانون عام 1972. وساعدت الآليات التي تم تطبيقها للحفاظ على هذه الحيوانات على إيقاف التراجع في أعداد الكثير من أنواع الثدييات البحرية. بالإضافة إلى ذلك، أدّى هذا القانون إلى انتعاش العديد من الأنواع مثل الفقمات الرمادية وأسود البحر الكاليفورنيّة والحيتان الحدباء.
حظر صيد الأسماك انعكس إيجاباً على البشر والكائنات البحرية
في منطقة المحيط الهادئ، استفاد كل من البشر وجماعات الأسماك من هذا القانون الفعّال. يعتبر معلم باباهاناوموكواكيا البحري الوطني في جزر هاواي أكبر منطقة بحرية محميّة يُحظر فيها صيد الأسماك في العالم؛ إذ تبلغ مساحته 1.5 مليون كيلومتر مربع. تم تأسيس هذا المعلم في عام 2006، ثم تم توسيعه بعد 10 سنوات بهدف "إدارته بشكل متكامل وسلس لضمان السلامة البيئية وحماية الأنظمة البيئية في جزر هاواي شمال الغربية والثقافات الهاوانيّة المحلية والموارد التراثية للأجيال الحالية والمستقبلية". ويبدو أن هذه السياسة ناجحة حتى الآن.
بيّنت دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 في مجلة ساينس أن تحديد مناطق حظر الصيد بعناية، مثل معلم باباهاناوموكواكيا، يمكن أن يساعد في انتعاش جماعات أسماك التونة وأنواع الأسماك الكبيرة الأخرى. قال الأستاذ في قسم الاقتصاد في جامعة هاواي التابعة لكلية مانوا للعلوم الاجتماعية والمؤلف المشارك لهذه الدراسة، جون لينهام (John Lynham)، في بيان صحفي: "أظهرنا لأول مرة أن إنشاء مناطق حظر الصيد يمكن أن يؤدي إلى انتعاش الأنواع المهاجرة مثل أسماك التونة الجاحظة وانتقالها إلى المناطق المجاورة".
استخدم الفريق البيانات التي تم جمعها من قبل قوارب الصيد ووجد أن معدّل صيد أسماك التونة صفراء الزعنفة ازداد بنسبة 54% منذ عام 2010 في المياه التي يمكن الصيد فيها بالقرب من منطقة باباهاناوموكواكيا المحمية. بالإضافة إلى ذلك، ازداد معدّل صيد أسماك التونة الجاحظة بنسبة 12% منذ توسيع معلم باباهاناوموكواكيا في عام 2016. وازداد معدل صيد الأسماك بالمجمل في هذه الفترة بنسبة 8%.
يمكن إرجاع هذه النتائج الإيجابية إلى حجم منطقة حظر الصيد (والذي يبلغ 4 أضعاف حجم ولاية كاليفورنيا) وحركة بعض أنواع أسماك التونة في المنطقة. وفقاً للأستاذة في قسم علم بيئة الغابات والحياة البرية في جامعة ويسكونسن ماديسون والمؤلفة المشاركة للدراسة، جينيفر رينور (Jennifer Raynor)، يبدو أن جزر هاواي تمثّل حضانة لصغار أسماك التونة صفراء الزعنفة، والتي يبقى الكثير منها في هذه المنطقة بعد البلوغ.
نتائج اقتصادية جيدة
بالإضافة إلى ذلك، قد لا تقتصر النتائج الإيجابية التي وجدتها الدراسة على هذه المنطقة. قال الأستاذ في قسم علم الأحياء بجامعة دالهاوزي في مقاطعة نوفا سكوتيا الكنديّة، بوريس وورم (Boris Worm)، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع بوبيولار ساينس (Popular Science، العلوم للعموم): "وصلت هذه الدراسة إلى نتائج مشابهة وصلت إليها أبحاث أخرى أجريت في محمية غالاباغوس البحرية، والتي بيّنت ازدياد كبيراً ومستمراً في معدلات صيد أنواع الأسماك المهاجرة"، أضاف وورم، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: "تبين هذه الدراسة فاعلية إنشاء المناطق البحرية المحمية واسعة النطاق في الحفاظ على التنوع الحيوي وزيادة معدلات الصيد أيضاً. لا يتعارض الصيد المستدام للأسماك مع جهود الحفاظ عليها، بل إنهما وجهان لاستراتيجيات الاستدامة نفسها".
تعتبر هذه الأسماك أيضاً موارد تجارية مهمة. تقدّر شركة فورتشن بيزنس إنسايتس (Fortune Business Insights) أن قيمة سوق أسماك التونة العالمي ستصل إلى 48.19 مليار دولار بحلول عام 2028. تتراوح تكلفة أسماك التونة صفراء الزعنفة وأسماك التونة الجاحظة (والتي ربما رأيتها في قوائم وجبات السوشي باسم "أهاي") بين 28 و35 دولاراً لكل نصف كيلوغرام وسطياً. وبيع أغلى نصف كيلوغرام من التونة في التاريخ مقابل 3 ملايين دولار في مزاد عام 2019 في مدينة طوكيو اليابانية.
أهمية تاريخية لأسماك التونة الصفراء
مع ذلك، تعتبر أسماك التونة مهمة تاريخياً لسكان جزر هاواي الغذائية وثقافتهم. ولدت وترعرعت المؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، سارة ميدوف (Sarah Medoff)، في جزر هاواي، وتقول إن وجبة أهاي هي وجبة أساسية في التجمعات العائلية والاحتفالات، وإن الحفاظ على أسماك التونة سيضمن استمرارية هذه التقاليد.
تقول ميدوف: "غالباً ما يُنظر للحفاظ على أشكال الحياة والتقدّم الاقتصادي على أنهما متعارضان. ما يعني أنه لا يمكننا تحقيق أحدهما دون التضحية بالآخر. لكن تمثّل دراستنا مثالاً صارخاً على إمكانية تحقيق أهداف الحفاظ على الحيوانات دون التضحية بجودة معيشة البشر الذين يعتمدون على هذه الحيوانات كموارد. قالت ميدوف، وهي باحثة في كلية علوم وتكنولوجيا المحيطات والأرض بجامعة هاواي في مدينة مانوا، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع بوبيولار ساينس: "إذا وضعنا خططاً مدروسة بعناية للحفاظ على البيئة، يمكننا معالجة الأضرار على البيئة".
اقرأ أيضاً: ازدهار أسماك غنية بالمواد الغذائية من قلب مقبرة مرجانية
تعتبر منطقة باباهاناوموكواكيا مقدسة بالنسبة لسكان جزر هاواي الأصليين. وتتم إدارة هذا المعلم بشكل مشترك من قبل السكان الأصليين وولاية هاواي والحكومة الأميركية الفيدرالية. قال الأستاذ المشارك في مركز كاماكاكووكالاني للدراسات الهاوانية (Kamakakūokalani Center for Hawaiian Studies) التابع لجامعة هاواي في مانوا، كيكويوا كيكيلوي (Kekuewa Kikiloi)، في بيان صحفي: "تؤكّد هذه الدراسة التي أجرتها ميدوف وزملاؤها أهمية المناطق البحرية المحمية واسعة النطاق في المحيط الهادئ"، وأضاف: "تفيد آليات حماية الحيوانات البحرية التي ناضل في سبيلها سكان هاواي الأصليون وغيرهم من القائمين على إدارة معلم باباهاناوموكواكيا الجميع، بما في ذلك أصحاب مصالح الصيد".