كيف يحافظ السلوفينيون على صحة النحل؟ درس للكوكب بأكمله

4 دقائق
تربية النحل في سلوفينيا
حقوق الصورة: يوست غانتار.

يتخلل تراث تربية النحل الثقافة السلوفينية. يربّي في هذه الدولة الصغيرة الواقعة في وسط أوروبا ما يقرب من 1 من كل 200 شخصاً مستعمرات النحل. يشعر السكان المحليون باحترام عميق لهذه الحشرات المجنحة باعتبارها ملقحات لا غنى عنها في نظام الغذاء، وغالباً ما يظهر العسل في الأطباق السلوفينية التقليدية. إن تقاليد تربية النحل عميقة جداً لدرجة أن قول "سقط الفأس في العسل" في اللغة السلوفينية هو مثل يستخدم لوصف حدث مفاجئ من الحظ السعيد.

تربية النحل: في صلب الثقافة السلوفينية

تقول "ماروشكا ماركوفتشيتش"، والتي تعمل في إدارة حماية البيئة في العاصمة السلوفينية: "إذا كنت ترغب في الحصول على طماطم، فلا بد أن يكون لديك نحلة طنانة". يساعد النحل كملقح المحاصيل على الازدهار، وبالتالي فهو ضروري للإنتاج الزراعي.

لطالما كانت سلوفينيا تكن تقديراًكبيراً لهذه الحشرات. في القرن الثامن عشر، أسست "ماريا تيريزا"، والتي كانت آنذاك إمبراطورة هابسبورغ، أول مدرسة لتربية النحل في العالم في فيينا، وعيّنت "أنطون يانشا" مسؤولاً عنها. يوضح "بلاش أمبروزيتش"، والذي يعتني بأكثر من 100 مستعمرة ويبيع منتجات النحل في مزرعة عائلته في بلدة بليد: "لقد كان يانشا أول معلم تربية نحل في العالم، وكان سلوفينيّاً".

بعد قرون منذ ذلك الوقت، أصبح النحل ينفق بمعدلات تنذر بالخطر في جميع أنحاء العالم، بسبب عوامل مثل استخدام المبيدات الحشرية والأمراض وتغير المناخ. لكن في سلوفينيا، تستمر تقاليد تربية النحل في الازدهار، مدفوعة باحترام الدولة للطبيعة والتزامها بالاستدامة والحفظ. في عام 2016، منحت المفوضية الأوروبية عاصمة سلوفينيا، ليوبليانا، لقب "عاصمة أوروبا الخضراء". محلياً، يصادق مجلس السياحة في سلوفينيا على الوجهات والشركات التي تجسد الممارسات المستدامة من خلال منحها علامة "سلوفينيا الخضراء".

وعي بيئي بأهمية النحل

يمتد هذا الموقف من الوعي البيئي مباشرة إلى رعاية النحل. يقول "بيتر كوزموس"، والذي يرأس برنامج التربية ذو الـ 8000 عضواً التابع لجمعية مربي النحل السلوفينية، والذي قاد مبادرة قُدّمت للأمم المتحدة تهدف إلى تخصيص يوم 20 مايو/أيار كيوم عالمي للنحل: "إذا حدث شيء سيء في البيئة، يلحظه النحالون على الفور لأن النحل سينفق". يوضح كوزموس أن حساسية النحل للملوثات والاضطرابات البيئية تجعل هذه الحشرات من المؤشرات الحيوية المهمة، وتجعل القائمين على رعايتها أصحاب مسؤولية. يقول كوزموس: "إذا كان وضع النحل جيداً في المدينة، فهذا دليل على أن المدينة تتمتع بصحة جيدة".

في عام 2011، أصبحت سلوفينيا واحدة من أوائل دول الاتحاد الأوروبي التي تحظر استخدام مبيدات النيونيكوتينويد بعد أن اشتبه مربو النحل في أن المبيدات الحشرية تقتل نحلهم. تمنع البلاد استيراد أنواع أخرى من النحل لتوفير المزيد من الحماية لنحل عسل "كارنيولان" المستوطن، والذي يثمّنه السلوفينيون بسبب طبيعته الدؤوبة واللطيفة.

تربية النحل
من الرائج رؤية خلايا النحل ملونة بألوان زاهية في سلوفينيا. حقوق الصورة: تومو يسينشنك.

عندما يعود النحل إلى خلاياه بعد تلقيح النباتات، يكون الرحيق الذي يعيده سائلاً للغاية. توضح "نيكا جيري"، والتي تعمل مع والدها النحال في شركة "جيري" العائلية لإنتاج نبيذ العسل في ريف ليوبليانا: "يتعيّن على النحل تجفيف الرحيق بأجنحته"، وتضيف: "إذا كان لديك إنتاج ضخم وخلايا كبيرة، فلن يتمكن النحل من تجفيفها جيداً، لذلك يكون العسل سائلاً عادةً". لكن فالعسل السلوفيني يكون أكثر سمكاً. تقول جيري: "يكون طعم العسل مركّزاً ويكون غنياً بالمعادن، وذلك لأن النحل أزال الماء"، وتضيف: "هذا هو السبب في أن الطعم يكون قوياً حقاً".

اليوم، لا يزال العسل عنصراً أساسياً في موائد الإفطار السلوفينية ومُحلّياً أساسياً في الحلويات. يستخدم العسل كمُحلٍ في الأطعمة التقليدية مثل "البوتيكا"، وهي معجنات مخمرة غالباً ما يتم لفها بحشو الجوز، بالإضافة إلى "الميدينياكي"، وهو بسكويت العسل المنكّه بالزنجبيل. يرعى "جريجور"، والد نيكا، في شركته 300 خلية نحل، وينتج عسلاً خاماً ويستخدمه في تحضير نبيذ العسل العادي والفوار، وهو مشروب كحولي يُصنع عن طريق تخمير العسل بالماء.

من سلوفينيا إلى العالم

في عام 2007، أطلقت جمعية مربي النحل السلوفينية حملة إفطار لإعادة التأكيد على القيمة الغذائية والبيئية لمنتجات النحل المحلية. زار النحالون مدارسهم القريبة وحملوا معهم العسل للتلاميذ ليستخدموه في وجبة الإفطار. يقول كوزموس: "بينما كان هؤلاء الأطفال يأكلون العسل في الروضات، أوضح لهم مربو النحل أهمية النحل، ولماذا من المهم بالنسبة لنا تناول منتجات النحل، لأنها صحية جداً". في نهاية المطاف، توسّعت الحملة لتشمل الأطعمة الأخرى المنتجة محلياً مثل الخبز والحليب. الإفطار السلوفيني التقليدي هو الآن حدث سنوي يقام في ثالث جمعة من كل شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

تقول الطاهية "آنا روش"، والتي تم التصويت عليها كأفضل طاهية في العالم في عام 2017 من قبل أفضل 50 مطعماً حول العالم: "عندما كان أطفالي صغاراً، كان تناول ملعقة من العسل بمثابة تناول مصاصة بالنسبة لهم"، وتضيف: "بالنسبة لي، من الطبيعي تماماً أن يكون لدي في المنزل عدة أنواع مختلفة من العسل، ولكن ليس لدي سكر". في "هيشا فرانكو"، وهو مطعم روش في وادي "سوتشا"، تتألف جميع المأكولات من المكونات المحلية التي تعكس تنوع البلد.

توضّح روش أن تضاريس البلد المتنوعة تنتج العديد من النكهات المميزة من العسل. مثلاً، عسل الكستناء هو نوع ذو لون داكن ويميل إلى أن يحتوي على نكهة مرة ومدخّنة، في حين أن عسل الزيزفون فاتح اللون له رائحة خشبية تشبه رائحة النعناع. لن يكون هذا التنوّع ممكناً بدون اهتمام سلوفينيا بالحفاظ على بيئة نقية ومتنوعة حيوياً. تقول روش: "إنها نتيجة مباشرة لجمال وجودة الطبيعة"، وتضيف: "ما يجمعه النحل يمنح العسل نوعيته الخاصة. لا يوجد غش في ذلك. إنه إنتاج مباشر". في هيشا فرانكو، تقدم روش بانتظام منتجات النحل في إبداعات مبتكرة مثل آيس كريم خبز النحل مع العسل المائي والفوندو المصنوع من شمع العسل والأجبان المحلية.

أصبحت سلوفينيا، والتي أُطلق عليها لقب "المنطقة الأوروبية لفن الطهي" عام 2021، وجهة عالمية بشكل متزايد لفلسفتها في الطهي التي تدعم المزارعين المحليين وتستفيد إلى أقصى حد من طبيعتها المتنوعة. يمكن للسائحين المهتمين بالطعام تجربة مجموعة واسعة من منتجات النحل ليس فقط في المطاعم، ولكن أيضاً في المناحل نفسها. نتيجة لتوجّه جديد لدعم سياحة تربية النحل، فتح العديد من مربي النحل المحترفين في جميع أنحاء البلاد أبوابهم للزوار، وعرّفوهم على الطعم الذي لا مثيل له للعسل السلوفيني، وقدموا لمحة عن الرعاية التي تقدّم للنحل. تسمح بعض المناحل للزوار بارتداء معدات تربية النحل وتعلم كيفية استخراج العسل من الخلية، بينما يقدم البعض الآخر تجارب العلاج بالنحل. توضّح ماركوفتشيتش: "إنهم يرتبون المناحل بحيث يمكنك الاسترخاء هناك، والاستماع إلى النحل، والاستلقاء فوق الخلايا حتى تشعر بأزيز النحل".

ربط السياحة بتربية النحل هو إحدى الطرق التي تستمر فيها سلوفينيا بريادة جهود حفظ النحل وتعليم البشر حول الكوكب ممارسات تربية النحل المستدامة. تقول ماركوفتشيتش: "إذا تسبب البشر في اضطراب نقطة واحدة من الشبكة الغذائية، فيمكن أن ينهار النظام [البيئي] بأكمله"، وتضيف: "نحن مسؤولون عن بيئة النحل الطنان، إذ أنه لا يستطيع زراعة زهور برية بنفسه".

تعتمد واحدة من 3 ملاعق طعام مستهلكة في العالم بشكل مباشر على جهود التلقيح التي يقوم بها النحل، ما يعني أن علينا أن نشكر النحل على الكثير مما نأكله. كانت سلوفينيا ترد الجميل طوال الوقت.

يقول أمبروزيتش: "هنا في سلوفينيا، النحل مثل الحيوانات الأليفة"، ويضيف: "إذا أنقذنا النحل، سننقذ أنفسنا".

المحتوى محمي