على يسار الصورة سلالة دجاج تعود لعام 1957، أما الوسطى فهي تعود لعام 1978، في حين تعود السلالة في يمين الصورة إلى عام 2005. تتشارك جميع هذه الدجاجات العمر ذاته، إلا أنها تتفاوت في الحجم بشدة. كانت هذه نتائج الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة ألبرتا الكندية، ونُشرت في دورية "علم الدواجن" (Poultry Science). وضحت التجربة الاختلافات الجينية التي طرأت على الدجاج عبر نصف قرن من الزمن، وما اكتسبه من زيادة كبيرة في الوزن، تتجاوز الثلاثة أضعاف! فهل تُستخدم الهرمونات الصناعية لمساعدة الدجاج على الوصول إلى هذا الحجم؟ وما سبب النمو الكبير في حجم الدجاج؟
في الواقع ليست الهرمونات ما تسبب بالنمو الكبير للدجاج خلال العقود المنصرمة، حيث تعتبر الهرمونات في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، مواد غير قانونية، ويُمنع استخدامها. علاوة على ذلك، تفوق تكلفة استخدام الهرمونات قيمة الدجاج بشكل كبير، وذلك فيما لو كانت الهرمونات قانونية. إذاً فما سبب النمو؟ إنه الانتقاء الجيني، والتغذية المحسنة.
مسابقة "الغد": البحث عن طرق لتسمين الدجاج
يعود أصل الرواية إلى فترة الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي، حين قننت الولايات المتحدة الأميركية من استخدام اللحوم الحمراء، وتحولت نحو لحوم الدجاج. ومع نهاية الحرب، كان من المتوقع عودة سوق اللحوم الحمراء للانتعاش وانخفاض استهلاك الدجاج. عام 1948، وفي استجابة لتلك المخاوف أعلن "هوارد بيرس"، وهو مدير أبحاث الدواجن في سلسلة متاجر (A&P) الأميركية، عن مسابقة "الغد". رصدت الشركة مبلغ 10 آلاف دولار لصاحب الدجاجة ذات المظهر والحجم المثالي.
منذ ذلك الوقت، بدأت المحاولات لتربية دجاج سريع النمو، حيث قام المشاركون باتباع فراخ الدجاج لنظام غذائي يحتوي على ما لا يقل من 20% بروتيناً، و3.5% دهوناً، و7% أليافاً.
خلال 12 أسبوعاً ويومين، تمكنت سلالة دجاج "فانتريس" (Vantress) من الفوز بالمسابقة بالوصول إلى المظهر المثالي الذي حدده المنظمون من حيث الحجم وجودة الجلد وطول الصدر وعمقه وعرضه وكفاءة التغذية ومتوسط الوزن، ولكن ليس الطعم.
سجلت السلالة وزناً قدره 1.7 كيلوغراماً، بمعدل كفاءة تغذية 3.17، ما يعني أنها استهلكت أكثر من 1.4 كيلوغراماً من العلف لكل كيلوغرام من وزنها، هذا ما يُدعى بـ "التحسين".
في مسابقة الغد لعام 1951، استطاع الدجاج الفائز بالمسابقة لذلك العام الوصول إلى الوزن المطلوب خلال عشرة أسابيع. وفي عام 1973 انخفضت المدة إلى 8 أسابيع ونصف.
الانتقاء الجيني لسلالات الدجاج
كانت مسابقة "الغد" انطلاقةً لمشروع الانتقاء الجيني لسلالات الدجاج، والذي يتضمن تطوير مخزون وراثي للدجاج قادر على رفع كفاءة التحويل الغذائي، والحصول على أفضل السمات الاقتصادية في الدجاج. على مدى عقود من الزمن، اختار المربون حيوانات الدجاج وفقاً لعدة عوامل منها الصفات الظاهرية والقدرة على التكاثر، وعدد من الخصائص الاقتصادية الأخرى. تتحكم المورثات المحمولة على الحمض النووي بهذه السمات والخصائص، وبالتالي يمكن الحصول على الصفة المرغوبة من خلال عمليات التزاوج بين الأنواع المختلفة، وانتقال الصفات المرغوبة من الآباء إلى الأبناء، حتى الوصول إلى السلالة ذات المورثات المرغوبة.
في مزارع تسمين دجاج، يكون الهدف الرئيسي للصناعة هو تربية سلالة دجاج قادرة على إنتاج كمية كبيرة من اللحوم خلال فترة زمنية قصيرة، وذات مناعة أقوى ضد الأمراض. بالنتيجة، استطاع المربون الحصول على طيور دجاج تسمين ذات كفاءة تحويل علفي كبيرة يمكنها النمو بسرعة كبيرة، وبالتالي خفض التكاليف وزيادة الأرباح.
في دراسة تجريبية أجراها باحثون في جامعة ولاية كارولينا الشمالية الأميركية، ونُشرت في دورية "علم الدواجن" (Poultry Science)، على سلالة دجاج "أثينا" أو الدجاج الكندي، وهي سلالة حافظت عليها جامعة جورجيا من أي تعديل وراثي أو انتقاء جيني منذ عام 1957، وعلى سلالة دجاج التسمين "روس 308" (Ross 308) المستخدمة في عام 2001 والتي خضعت لعمليات تحسين وراثي على مدى أكثر من 40 عاماً. قام الباحثون بتربية السلالتين بنفس الظروف تماماً، فكانت النتيجة تضاعف حجم الدجاج الخاضع للانتقاء الوراثي إلى خمسة أضعاف حجم السلالة التي لم تخضع للانتقاء الجيني.
اقرأ أيضاً: العلماء يتتبعون حركة الدجاج ويكتشفون أن لها برنامجاً يومياً، كالبشر تماماً
التغذية المحسنة لسلالات الدجاج
يعد العشب وأوراق الشجر والبذور وحشرات البق والضفادع ومخلفات اللحوم بما فيها الثعابين والأرانب، الغذاء الرئيسي للدجاج. في بداية القرن العشرين، قام الطبيب الهولندي "كريستيان إيكمان" بتجربته الشهيرة على الدجاج، والتي نال على إثرها جائزة نوبل. قام إيكمان بتغذية الطيور بالأرز الأبيض فقط، فأصيبت الحيوانات بمرض "البري بري" وتعرضت للشلل حتى ماتت. ثم لجأ إلى تغذية الدجاج بالأرز البني لوحده، فبدأت الطيور بالتعافي. استنتج إيكمان وجود مكوّن خاص في الأرز البني يساعد في الحفاظ على صحة الدجاج.
تابع عالم الكيمياء الحيوية البولندي "كازيمير فونك" تجارب إيكمان، وحاول استخلاص المكون الخاص من الأرز البني. استنتج فونك أن ما يميز الأرز الأبيض عن البني هو "نخالة الأرز"، فعالجها بالكحول وحمض الفوسفوتنجستيك، واستخلص مادة قادرة على علاج الطيور حتى في المراحل المتقدمة جداً من مرض "البري بري". كانت هذه المادة هي فيتامين ب1 أو الثيامين الموجود في الخضراوات مثل القرنبيط والملفوف.
وفقاً لنتائج تجارب العالمَين، صُنعت خلطات علفية جاهزة عالية الطاقة لضرورة الكربوهيدرات للنمو السريع، ومدعمة بالفيتامينات والمكونات الحيوية من معادن وأحماض أمينية وغيرها للحماية من أمراض الدجاج الشائعة كالكساح والإسقربوط والبلاجرا والبري بري.
تكوّن العلف النموذجي للدجاج اللاحم من الحبوب مثل الذرة كمصدر رئيسي للطاقة، وفول الصويا كمصدر للبروتين، والفيتامينات والمعادن لتحسين المناعة. ولكن، ما لم يتم إدراكه أن هذا النظام الغذائي الجديد الغني بالطاقة يُفقد اللحوم نكهتها الغنية، إذ عادة ما تجد مركبات النكهة طريقها إلى أنسجة الدجاج، إلا أن العلف الجديد يكاد يخلو من مركبات النكهة، لذا كانت لحوم طيور الدجاج المسمنة فقيرة المحتوى بالنكهة.
اقرأ أيضاً: هل ساهمت الطقوس الدينية في العصور الوسطى في تغيير شكل الدجاج؟
التغيرات التي أحدثتها التربية الحديثة لسلالات الدجاج
في تجربة جامعة ألبرتا، حافظ الباحثون على ظروف واحدة من حيث التغذية والظروف البيئية المحيطة والعمر، فكانت النتيجة:
- الحصول على دجاج كبير الحجم في السلالة الحديثة وصفه الباحثون بأنه "كتاكيت عملاقة".
- زيادة كفاءة تحويل العلف إلى لحوم، حيث كانت سلالة 2005 أكثر كفاءة بثلاث مرات من أقدم سلالات التجربة.
- إصابة الدجاج المُسمّن بمشاكل صحية مثل أمراض القلب والجهاز المناعي والعظمي، والتي قد تنتج عن الوزن الزائد للدجاج، مثلما بينت الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة كوينزلاند الأسترالية، ونُشرت في دورية "علوم الدواجن في العالم" (World's Poultry Science Journal).
- زيادة شعبية لحوم الدجاج مقارنة ببقية أنواع اللحوم خلال العقود المنصرمة، حيث بلغ استهلاك الفرد من الدواجن في الولايات المتحدة لعام 2021 ما يقارب 44 كيلوغراماً، وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية والصين والاتحاد الأوروبي والبرازيل أكبر المنتجين.