من الصعب التفكير بموسم الذهاب إلى الشواطئ دون القلق بشأن أسماك القرش. تثير هذه المفترسات فضولنا وتوجد في الكثير من الأفلام ويخاف الكثيرون من هجماتها، سواء كان هذا الخوف مبرراً أم لا. لكن يشير بحث جديد إلى أن مجرد وجودنا كبشر قد يؤثر على سلوك أسماك القرش بطرق لم نتوقعها. أظهرت دراسة نُشرت في شهر يونيو/حزيران 2022 في مجلة "سلسلة تقدّم علم البيئات البحرية" أنه من المحتمل أن تجذب المدن أسماك القرش إلى مناطق أقرب إلى الشواطئ.
أسماك القرش تخالف التوقعات
تعقّب الباحثون من جامعة ميامي وجهات أخرى متعاونة تحركات 3 أنواع من أسماك القرش في خليج "بيسكين" في ولاية فلوريدا الأميركية وحوله بين عامي 2015 و2019. وهذه الأنواع هي قرش "أبو مطرقة العظيم" و"أسماك قرش الثور" و"أسماك القرش الحاضنة". دفعت عوامل الضغط مثل التلوّث الناجم عن محطات توليد الطاقة الكهربائية وحركة القوارب فريق الباحثين للافتراض الذي ينص على أن أسماك القرش ستتجنّب المناطق الساحلية، وخصوصاً خلال الفترات التي يبدأ فيها البشر بالوجود على الشواطئ. لكن من المحتمل أن يكون للوجود البشري أثر معاكس.
تميل الحيوانات التي تعيش على البر مثل الدببة السوداء والوشق الأحمر والقيوط إلى تجنّب المدن، وخصوصاً خلال فترة النهار. افترض مؤلفو الدراسة الجديد أن أسماك القرش تفعل الشيء نفسه. قال "نيل هامرشلاغ"، المؤلف الرئيسي للورقة الجديدة ومدير برنامج أبحاث أسماك القرش وحفظها في جامعة ميامي في تصريح: "فحص عدد قليل من الدراسات تحركات أسماك القرش وعلاقتها بالتوسّع الحضري. ولكن نظراً لأن الدراسات الأخرى بيّنت أن المفترسات التي تعيش على البر تتجنّب المدن، فقد توقعنا أن ينطبق ذلك على أسماك القرش أيضاً".
وجد العلماء بناء على البيانات التي جمعوها باستخدام أجهزة التتبع الصوتية التي وضعوها على 36 من أسماك قرش أبو مطرقة العظيم و24 من أسماك قرش الثور و27 من أسماك القرش الحاضنة، أن هذه الأنواع كانت في الواقع "متكيّفة مع المدن"، أي أنها كانت تفضّل أن تكون قريبة من المدن أو بداخلها حالياً. شوهد 14 نوعاً من قرش أبو مطرقة العظيم و13 من أسماك قرش الثور و25 من أسماك القرش الحاضنة تتجول قرب الشاطئ في منطقة ميامي. وتم تسجيل أكبر عدد من المشاهدات في الطرف الشمالي للخليج بالقرب من مناطق انتشار أسماك القرش المعروفة مثل الشاطئ الجنوبي وحوض "سيكواريوم" المحيطي للأسماك.
اقرأ أيضاً: تعّرف على هذا القرش الصغير الذي يأكل الأعشاب
تفسير سلوك القرش
هناك 3 أسباب محتملة يمكن أن تفسّر سلوك أسماك القرش هذا. ينص الأول على أن أسماك القرش قد تكون منجذبة إلى المياه الغنية بالمواد الغذائية التي تأتي من القنوات وأنظمة الصرف الصحي والتي تنصب في خليج بيسكين. بينما ينص التفسير الثاني على أن هذه الأسماك قد تكون بصدد البحث عن الطعام. إذ يميل صيادو الأسماك إلى التخلص من جيف الأسماك في المحيط عندما يعودون إلى المراسي، ما يجذب المفترسات الجائعة. أفادت بعض الشهادات الشخصية بأن المخلفات وأجزاء الأسماك التي تم رميها في المحيط في حوض سيكواريوم جذبت أسماك القرش من قبل.
يشير الباحثون أيضاً إلى أن اختيار أسماك القرش للمناطق التي تفضّل الوجود فيها يتأثر بالعديد من العوامل المختلفة مثل ملوحة مياه المحيط وعمقها وكثافة المغذّيات ونسبة الأوكسجين فيها.
مع ذلك، من الضروري التذكّر أن هذا التغير السلوكي لدى أسماك القرش يضر بها أكثر مما يضر بالبشر.
إن هجمات أسماك القرش أكثر ندرة مما قد تعتقده من أفلام هوليوود. إذ تقتل هذه الأسماك نحو 5 أشخاص سنوياً فقط، كما أنها عضت 57 شخصاً دون قتلهم في 2020. عانى راكبو الأمواج والسباحون والغواصون من أغلبية الهجمات غير المبررة. وتم تسجيل أعلى عدد من الحوادث في الولايات المتحدة في ولاية فلوريدا، والذي بلغ 16 حادثة.
بالنسبة إلى أشكال الحياة البحرية، فإن السباحة بالقرب من المدن لها مخاطرها الخاصة. غالباً ما ينتهي المطاف بأسماك القرش التي تبحث عن الطعام في مناطق أقرب من مراسي السفن ومراكز التجمعات البشرية بالعيش في مناطق تسودها مياه ملوثة ذات جودة رديئة. وتعتبر حالة خليج بيسكين سيئة بشكل خاص من هذه الناحية. وجد تحليل أجري في 2021 في مدينة ميامي، أن مستويات تلوث عينات المياه التي تم جمعها من المناطق المكتظة كانت أقل بنسبة تصل إلى 66% من الحد الذي يجعل استخدامها الاستجمامي مقبولاً في ذلك الوقت.
اقرأ أيضاً: أسرع أسماك القرش في العالم يتعرض لمحنة حقيقية
مع ذلك، يشير مؤلفو الدراسة الجديدة إلى أن عمليات تتبع تحرّكات أسماك القرش تساعد بالفعل في كشف المناطق التي قد يكون فيها الأشخاص الذين يسبحون في المحيط أكثر عرضة لهجمات أسماك القرش. وضّحت البيانات أن كثافة أسماك القرش في الطرف الشمالي من الخليج كانت أكبر، وهي منطقة تعرّض فيها السباحون للعضّ من قبل أسماك القرش في الماضي. يعتبر فهم الطريقة التي تتسبب فيها نشاطاتنا بازدياد احتمال هذه الحوادث جانباً مهماً من الوقاية منها، كما أنه يساعدنا على تعلّم مشاركة شواطئنا مع أشكال الحياة البرية.