ضربت موجة أخرى من موجات الحر الشديدة نصف الكرة الشمالي مجدداً في صيف هذا العام، لتؤثر على أوراسيا وأميركا الشمالية وشمال إفريقيا، ولتذكرنا بأن هذه الظروف ستصبح القاعدة وليست حالات شاذة.
يمكن أن يكون لهذه الأحداث تأثير مدمر على الحياة البرية. على سبيل المثال، كانت هناك تقارير منتظمة في السنوات الأخيرة عن حوادث نفوق جماعي للطيور في السنوات الأخيرة كما رأينا في باتاغونيا والأرجنتين وإسبانيا.
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك مراقبة حركة هجرة الطيور اعتماداً على بيانات الطقس؟
تحديد الأنواع الأكثر تضرراً من الطيور نتيجة ارتفاع درجة الحرارة
تؤكد هذه الأحداث الحاجة إلى فهم قدرة الطيور (والحيوانات الأخرى) على تحمل الحرارة الشديدة، حيث ستكون هذه المعلومات ضرورية لتحديد أين ومتى قد تتكرر أحداث النفوق الجماعي في المستقبل، ويمكن أن تساعد أيضاً في تحديد الأنواع الأكثر تضرراً.
عندما أجرينا دراسة لقياس مقدار الحرارة التي يمكن أن يتحملها 53 نوعاً من الطيور في جنوب إفريقيا، كان من المثير للاهتمام اكتشاف أن هذه الأنواع تختلف إلى حد كبير في طريقة تكيفها مع الحرارة الشديدة.
كان من اللافت للنظر بشكل خاص أن درجة حرارة جسم الطائر، ما ندعوه "درجة حرارة الجسم القصوى التي يمكن تحملها"، اختلفت بطرق غير متوقعة بين أنواع الطيور التي تعيش في مناطق مناخية مختلفة، ما يشير إلى أن الطيور تتكيّف بشكل مختلف مع الحرارة الشديدة تبعاً للمنطقة المناخية التي تعيش فيها.
كان ذلك اكتشافاً مهماً. لقد افترضت الأبحاث السابقة أن استجابة درجة حرارة أجسام الطيور لدرجات حرارة الهواء الشديدة متشابهة عبر الأنواع، لذلك تمت نمذجة التنبؤات حول مدى تأثر الطيور بتغيّر المناخ في تلك الأبحاث مع أخذ هذا الافتراض بعين الاعتبار.
اقرأ أيضاً: شاهد صور بعض أجمل الطيور في العالم أثناء طيرانها
لكن دراستنا تثبت أن الواقع أكثر تعقيداً. ربما تأثر تطور الطيور بالمكان الذي تعيش فيه، ما أدى لتباين خصائصها مثل درجة حرارة الجسم وقدرتها على التكيّف مع الحرارة.
إن افتراض أن جميع الطيور تتعامل مع الحرارة بنفس الطريقة يمكن أن يقود إلى تنبؤات لا تعكس مدى تعرضها في الواقع للاحتباس الحراري. لذلك، ولتحسين دقة هذه التنبؤات، يجب مراعاة حدود درجة حرارة الجسم القصوى لكل نوع.
تنظيم درجة حرارة الجسم للتكيف مع الحرارة
تناولت دراستنا 53 نوعاً من الطيور التي تعيش في المناطق الساحلية القاحلة الدافئة والمناطق الجبلية الباردة والمناطق الساحلية الرطبة الدافئة في جنوب إفريقيا.
افترضنا أن اختلاف المناطق المناخية التي تعيش فيها الطيور سيؤدي لاختلاف استجابة درجة حرارة أجسامها لظروف الحرارة الشديدة. واختبرنا هذه الفرضية عن طريق قياس درجة حرارة جسم الطيور ومعدل الأيض وفقدان الماء بسبب التبخر عند ارتفاع درجات حرارة الهواء (يحدث فقدان الماء بشكل رئيسي عندما يتنفس الطائر، ما يسمح له بتبريد جسمه).
كنا نركّز بشكل خاص على درجة حرارة الجسم القصوى للطيور، لذلك قمنا بقياس هذا العامل قبل ظهور أعراض ارتفاع درجة الحرارة على الطيور، مثل فقدان التوازن والزيادة غير المنضبطة لدرجة حرارة الجسم، حيث يرتبط هذان العرضان ببداية فرط الحرارة (ارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل كبير فوق المعدل الطبيعي).
وجدنا أن طيور الصحراء تتكيف بسهولة مع درجات حرارة الهواء التي تزيد على 50 درجة مئوية دون زيادة كبيرة في درجة حرارة جسمها، حيث حافظت على درجة حرارة أجسامها دون 44.5 درجة مئوية تقريباً.
اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج الطيور التي لا تطير مثل النعامة إلى الريش؟
في المقابل، تتحمل الطيور التي تعيش في المناطق الأكثر دفئاً ورطوبة درجات حرارة الهواء حتى أواخر الأربعينات قبل أن تظهر عليها علامات فرط الحرارة الشديدة، حيث ارتفعت درجة حرارة أجسامها وسطياً نحو 6 درجات مئوية تقريباً أعلى من المعدل الطبيعي البالغ 38-41 درجة مئوية.
بشكل عام، تشير التقلبات الكبيرة في درجة حرارة جسم الطائر أثناء التعرض للحرارة الشديدة إلى أن الطائر غير قادر على الحفاظ على (أو تنظيم الحرارة) درجات حرارة الجسم المثالية.
ومع ذلك، أظهر أحد أنواع الطيور، ويُدعى "كويليا ذو المنقار الأحمر" (red-billed quelea) وينتشر في معظم أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يمكن أن يتحمل ارتفاع درجة حرارة جسمه حتى 48 درجة مئوية دون أعراض جانبية سيئة. كان يُعتقد سابقاً أن ذلك مستحيل من الناحية الفسيولوجية بين الطيور.
تطور القدرة على تحمل الحرارة
لماذا طوّرت الطيور القدرة على تحمل درجات حرارة الجسم المرتفعة؟
الجواب، كما نعتقد، هو أن الطيور التي تعيش في المناطق الأكثر رطوبة قد تكيّفت للاعتماد بشكل أقل على التبريد التبخيري أثناء الطقس الحار.
يحدث التبريد التبخيري عندما يفقد الطائر الحرارة باللهاث عبر فمه أو عبر مسارات أخرى، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن للطائر من خلالها التخلص من الحرارة عندما تكون درجة حرارة محيطه المباشر أعلى من درجة حرارة جسمه. لذلك فإن القدرة على تحمل ارتفاع درجة حرارة الجسم تسمح للطائر بالبقاء على قيد الحياة في البيئة الرطبة حيث لا يمكنه أن يفقد الكثير من الحرارة من خلال اللهاث.
بشكل أساسي، تبقى الطيور التي تطورت في المناخات الرطبة على قيد الحياة في الطقس شديد الحرارة عن طريق تحمل فرط الحرارة أو ارتفاع درجة حرارة الجسم. وبالمقابل، تستخدم طيور الصحراء التبريد التبخيري عالي الكفاءة لتجنب فرط الحرارة.
يشير ذلك إلى أن التعرض لظروف مناخية مختلفة أدى إلى تطور الاختلافات في درجة حرارة الجسم وتحمل الحرارة في الطيور التي تعيش في مناطق مناخية مختلفة.
اقرأ أيضاً: سلسلة الشتاء: الهجرة أو كيف تنجو الطيور من برد الشتاء
حماية الطيور من الحرارة
تساعد نتائجنا في فهم المخاطر التي تمثلها موجات الحرارة الشديدة على الطيور وأنواع الحياة البرية الأخرى. على سبيل المثال، تؤكد النتائج التي توصلنا إليها الشكوك السابقة أن الطيور المغردة، التي تشكل أكثر من نصف جميع أنواع الطيور على الأرض، معرضة بشكل خاص لموجات الحر.
من الضروري في هذا الصدد تطوير استراتيجيات للتخفيف من آثار هذه الأحداث على الطيور وأنواع الحياة البرية الأخرى نظراً لأن أحداث الحرارة الشديدة أصبحت أكثر انتظاماً وانتشاراً في جميع أنحاء جنوب إفريقيا، وباتت تشكل مخاطر متزايدة على التنوع البيولوجي الاستثنائي في المنطقة.
ظهرت هذه المخاطر بوضوح في شمال كوازولو ناتال في جنوب إفريقيا في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، حين ارتفعت درجات حرارة الهواء في منطقة بونغولا إلى 45 درجة مئوية في فترة بعد الظهر، ما أدى إلى نفوق عدد كبير من الطيور حينها. كانت 90% من جثث الطيور التي عثر عليها الحراس الميدانيون في محمية فونغولو الطبيعية القريبة من الطيور المغردة.
يمكن أن تقلل إجراءات الإدارة في المناطق المحمية من احتمالية وقوع أحداث النفوق الجماعي في المستقبل. على سبيل المثال، يوفر الحفاظ على الغطاء النباتي المظلل للطيور أماكن باردة يمكنها اللجوء إليها لتجنب تأثير درجات الحرارة عليها. كما يمكن أن يساعد توفير مصادر المياه للطيور في زيادة قدرتها على الحفاظ على درجة حرارة جسمها أقل من الحدود المميتة.
اقرأ أيضاً: كيف نجت الطيور من كارثة الانقراض
ومع ذلك، فإن الطريقة الوحيدة في نهاية المطاف لمنع الخسائر الكبيرة في التنوع البيولوجي للطيور الناجم عن الاحتباس الحراري المتسارع هي إزالة الكربون بسرعة من الاقتصادات والانتقال العالمي إلى مصادر الطاقة المتجددة.