ما هي أساليب البقاء التي تتسلح بها الكائنات الدقيقة في البيئات المتطرفة؟

4 دقائق
ما هي أساليب البقاء التي تتسلح بها الكائنات الدقيقة في البيئات المتطرفة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ luchschenF

في يوليو/تموز 2021، أشارت دراسة استمرت لنحو 20 عاماً إلى أنّ هناك ما يزيد عن 5 ملايين شخص يموتون سنوياً بسبب الظروف الجوية المتطرفة، سواء برودة أو حرارة مرتفعة، وقد نُشرت الدراسة في دورية "ذا لانست" (The Lancet).

عند النظر في الأنواع الحيوانية والنباتية، نجد بعض الأنواع تستطيع العيش في ظروف مذهلة.

على سبيل المثال: البطاريق التي تعيش في درجات حرارة تصل إلى (40-) درجة مئوية، بينما تتحمل الجمال حرارة تصل إلى (49-) درجة مئوية. في حين لا تستطيع بعض الكائنات الأخرى تحمل مثل هذه الظروف، وهذا يعني أنّ الكائنات مثل البطاريق والجمال استطاعت تطوير طريقة للتعايش مع هذه الظروف، فيما يُعرف بـ "التكيّف". نفس الأمر بالنسبة للكائنات الدقيقة كالبكتيريا والفطريات والطحالب وغيرها والتي استطاعت التكيف مع البيئات المتطرفة.

ما هي الكائنات المتطرفة؟

هي الكائنات التي تستطيع العيش في الظروف البيئية القاسية، حيث تُفرز إنزيمات مميزة تساعدها على التكيف مع ظروف البيئة الصعبة تلك، وأبرز الأمثلة عليها: بكتيريا "الملوية البوابية" (Helicobacter pylori)، وهي تعيش في البيئة الحمضية للمعدة، وتتميز بشكلها الحلزوني. أيضاً بكتيريا "العصوية الدهنية أليفة الحرارة" (Bacillus stearothermophilus) التي تستطيع العيش في درجات حرارة تتراوح بين 41 إلى 70 درجة مئوية.

البيئات المتطرفة وأنواعها

هي بيئات تتميز بظروف قاسية لا يستطيع البشر أو كثير من الكائنات تحملها، وقد يسبب تواجدهم فيها الكثير من المشكلات الصحية التي تصل إلى الموت، وتتنوع طبيعة تلك المناطق المتطرفة وفقاً لعدد من العوامل، من ضمنها:

درجات الحرارة

هناك نوعان من البيئات القاسية المرتبطة بدرجات الحرارة:

  • البيئة التي تقل فيها درجة الحرارة عن 5 درجات مئوية، وقد تصل حرارتها إلى 20- وغالباً ما تكون في أعماق المحيطات أو عند قمم الجبال المرتفعة أو في المناطق القطبية الباردة.
  • البيئة التي ترتفع فيها درجات الحرارة عن 45 درجة مئوية، وعادةً ما تكون هي نفس البيئات المتأثرة بالنشاط الحراري الأرضي أو المناطق البركانية.

في ستينيات القرن الماضي، اكتشف العلماء بكتيريا مقاومة لدرجات الحرارة المرتفعة في منتزه يلوستون الوطني، تعيش في درجات حرارة تتراوح بين 50 إلى 80 درجة مئوية ما أثار حيرتهم. وبعد سنوات قليلة تالية، عثروا على بكتيريا تعيش في ظروف أكثر قسوة في الفتحات الحرارية المائية بأعماق المحيطات، وهذا يعني أنّ تلك البكتيريا تستطيع العيش تحت ظروف قاسية جداً من الضغط ودرجة الحرارة.

أما في حالات درجات الحرارة المرتفعة، فقد تؤدي الحرارة المنخفضة حد التجمد إلى تكوين بلورات من الجليد داخل خلايا الكائن الحي ما يهدد حياته، لكن اتضح أنّ هناك بعض أنواع الكائنات الدقيقة التي تستطيع مواجهة تلك الظروف الشاقة وتعيش بمرونة.

اقرأ أيضاً: لمَ نحن بحاجةٍ إلى وجود ميكروبات داخل وخارج أجسامنا لكي نعيش حياة صحية؟

درجات الحموضة 

وفقاً لدرجات الحموضة، يمكن تقسيم البيئات المتطرفة إلى حمضية أو قلوية حسب موضعها على مقياس رقم الأس الهيدروجيني (pH) الذي يتراوح من (0 - 14)، وكلما قل الرقم عن 7، تزداد الحموضة، بينما إذا زاد عن 7، تزداد القلوية، و7 هي نقطة التعادل، وهي نفس النقطة التي تُقدر بها حموضة المياه على مقياس رقم الأس الهيدروجيني. أما عن البيئات القاسية وفق درجة الحموضة فهي كالتالي:

  • بيئات شديدة الحموضة، ويقل فيها الأس الهيدروجيني عن 5.
  • بيئات شديدة القلوية، ويزداد فيها الأس الهيدروجيني عن 9.

درجات الملوحة 

تعني مدى تشبع البيئة بالملح. على سبيل المثال، مياه المحيطات التي تصل فيها درجة الملوحة إلى 35 جزءاً من ألف، في حين أنّ درجة الملوحة في المياه العذبة هي أقل من 0.5 جزءاً من الألف.

الضغط الشديد 

غالباً ما تكون المناطق التي تقع في أعماق تزيد عن 2 كيلومتراً عن سطح البحر، فقد وجد الباحثون آثاراً للحياة على عمق 11 كيلومتراً في خندق ماريانا، وهو يُعد أعمق نقطة على سطح الأرض ويوجد في المحيط الهادئ، وهذا يعني أنّ تلك الكائنات تعيش تحت 1100 ضغط جوي، لكن يصعب دراسة مثل هذه الكائنات، بسبب قسوة الظروف التي تعيش فيها والتي من الصعب محاكاتها في المختبر.

الإشعاعات 

هناك بيئات ترتفع فيها الإشعاعات المُضرة بصحة الإنسان، ومن ضمن هذه الإشعاعات: الأشعة فوق البنفسجية وأشعة جاما وغيرهما.

كيف تتكيف الكائنات الدقيقة مع الظروف البيئية المتطرفة؟ 

تتعدد الطرق التي تستخدمها تلك الكائنات الدقيقة لتستطيع مواجهة ظروف قاسية لا يستطيع الإنسان تحملها، وذلك عبر عدة أساليب أبرزها:

البروتينات 

تُفرز تلك الكائنات الدقيقة بروتينات قادرة على التكيف مع الظروف القاسية. على سبيل المثال الكائنات التي تعيش في درجات الحرارة المتطرفة:

  • الحرارة المنخفضة: تتكون بروتيناتها من لولب ألفا (α-helix) التي تتمتع بالمرونة وصحيفة بيتا (β-sheets) وهي تتميز بالصلابة. لاحظ الباحثون أنّ الكائنات المحبة للحرارة لديها كمية كبيرة من بروتينات لولب ألفا، فتستطيع التعامل بمرونة مع الجليد، مع كمية أقل من صحيفة بيتا. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع تلك الكائنات إفراز أنواع من البروتينات لها قدرة على الارتباط مع جزيئات الجليد، فتقل درجة الحرارة التي يستطيع الكائن الدقيق النمو عندها.
  • الحرارة المرتفعة: تحتوي الإنزيمات الموجودة داخل أجسام الكائنات الدقيقة المتكيفة مع الحرارة العالية على أحماض أمينية لها قدرة على الانثناء، بحيث تناسب درجات الحرارة العالية.

الغشاء البلازمي 

الغشاء البلازمي هو سائل موجود داخل الخلايا، وتسبح فيه عضيات الخلية، ويؤدي دوراً فعّالاً في عملية التكيف مع الظروف القاسية، فمثلاً في البيئات التي ترتفع فيها درجات الحرارة، نجد أنّ تلك الكائنات تحتوي على أحماض دهنية مشبعة أكثر من غير المشبعة، علماً بأنّ الأحماض الدهنية المشبعة فيها روابط كارهة للماء، ما يساعد على استقرار البيئة الداخلية للغشاء البلازمي.

الحمض النووي 

تُساعد الأحماض النووية في تعزيز الاستقرار الداخلي للكائن الدقيق، فمثلاً في حالة الكائنات المتكيفة مع الحرارة العالية، يرتبط الحمض النووي ببروتينات تُنظم الحمض النووي في شكل جزيئات كروية، ما يجعلها أكثر مقاومة للذوبان في الماء. وهناك عامل آخر تستخدمه خلايا الكائنات الدقيقة المتطرفة في مواجهة الظروف القاسية من الحرارة المرتفعة، وهو إنزيم "دنا جيراز" (DNA gyrase)، وهو إنزيم مسؤول عن فك التفافات الحمض النووي أثناء عمليات النسخ والترجمة التي يقوم بها الحمض النووي للتعبير عن الجينات وإنتاج بروتينات، ويُساعد هذا الإنزيم أيضاً على استقرار الحرارة داخل الخلية.

قد تستطيع هذه الكائنات رغم صغرها المتناهي التكيف مع ظروف بيئية لا يستطيع الجسم البشري تحملها، ما يجعلها مثيرة لاهتمام العلماء والباحثين، فقدراتها هذه تفتح الباب أمام الكثير من الأبحاث والعلاجات التي قد تغيّر حياة الإنسان مستقبلاً للأفضل.

المحتوى محمي