تعد سوسة النخيل الحمراء الآفة الحشرية الرئيسة المدمرة لنخيل التمر وبعض أنواع النخيل الأخرى حول العالم؛ حيث تصيب حوالي 40 نوعاً من النخيل أهمها نخيل جوز الهند، نخيل الزيت، نخيل جزر الكناري المستخدم في الزينة والتصاميم الهندسية، كما أنها تُحدث خسائرَ اقتصاديةً تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات سنوياً.
تفضل سوسة النخيل الحمراء أشجار نخيل التمر التي يقل عمرها عن ٢٠ عاماً، لأن جذعها يكون غضاً وسهل الاختراق، ومن المعروف أن أشد الإصابات هي التي تكون في قلب النخلة لصعوبة اكتشافها مبكراً، وبالذات في الأشجار الطويلة.
تقضي الحشرة جميع أطوار نموها داخل جذع الشجرة، وذلك بصنع أنفاق لنفسها داخل النسيج الخشبي والوعائي؛ حيث تحفر إناثها في أشجار النخيل لوضع بيضها، ويمكن أن يؤدي تواجدها الطويل داخل الشجرة وعدم الكشف المبكر عن الإصابة إلى موت النخلة كأهم ضرر يُمكن أن تسببه هذه الآفة.
تمتلك حشرة سوسة النخيل الحمراء قدرةً فائقةً على الطيران المتواصل، ويمكن أن تقطع عدة كيلومترات دون توقف لتنتقل من مكان لآخر؛ مما يساعدها على الانتشار السريع في حقول وبساتين النخيل، كما تمتلك أجسامها قدرةً على تطوير مقاومة ضد المبيدات الحشرية؛ وذلك من خلال عملية التطور الجيني السريع.
ونظراً لذلك، فقد اهتم الباحثون والمهتمون بنخيل التمر بتحديد جينات سوسة النخيل الحمراء التي يمكن استخدامها لتوجيه استراتيجيات للحد من تأثير هذه الآفة، والخسائر الاقتصادية التي تسببها؛ حيث تم إجراء العديد من الدراسات لوظائف الجينوم لسوسة النخيل الحمراء - بما في ذلك تسلسل لكامل طول الحمض النووي المكمل، ودارسة نمط الترانسكريبتوم في مرحلة التطور الجنيني، ودراسة الميتاجينوميك لميكروبيوم الأمعاء الدقيقة. واستندت جميع تلك الدراسات فقط على بيانات الترانسكريبتوم؛ التي تعد استراتيجيةً جيدةً من حيث التكلفة لاكتشاف الجينات مقارنةً بتسلسل الجينوم الكامل؛ حيث يتم تمثيل جزء بسيط فقط من الجينوم لصعوبة تحديد جميع جينات ترميز البروتين للكائن الحي باستخدام بيانات الترانسكريبتوم. وتتضح جلياً الحاجة الماسة إلى دراسة الخصائص البيولوجية بالاعتماد على تسلسل كامل جينوم حشرة سوسة النخيل الحمراء لبناء مرجع دقيق لجينوم هذه الحشرة، تمهيداً لتكوين وسيلةً فعالةً لمكافحة الآفات بالاعتماد على معلومات الجينوم - بما في ذلك الفيرمونات الجاذبة.
تمكّن الباحثون في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بحمد الله وتوفيقه، وبالتعاون مع باحثين من جامعة جورجيا في الولايات والمتحدة الأمريكية وجامعة الملك فيصل، من بناء أول مسودة وتوضيح لجينات جينوم سوسة النخيل الحمراء بهدف دعم الجهود المبذولة للتخفيف من تأثير الضرر الزراعي لهذه الآفة الحشرية الخطيرة؛ حيث تم استخدام قراءات تم توليدها عن طريق استخدام تقنية (10x Genomics) في الدراسة الحالية التي تعد استراتيجيةً ناجحةً لتوليد سقالات مناسبة للتنبؤ بجينات ترميز البروتين في الحشرات. وتحديداً تم إعداد مكتبة تسلسل قراءة مرتبطة بـتقنية (10x Genomics) من فرد واحد من حشرة سوسة النخيل الحمراء نشأ في مزارع النخيل في واحة الأحساء بالمملكة العربية السعودية؛ حيث استُخدمت هذه المكتبة لإنشاء أكثر من ١٤٥ مليون قراءة بإجمالي حجم ٤٠,٤ غيغا بايت. ويقدر الحجم الإجمالي لجينوم حشرة سوسة النخيل الحمراء استناداً إلى قراءات تسلسل الحمض النووي الخام من مكتبة جينوم 10x الخاصة بدراستنا ب ٦٠٠ ميغا بايت.
تمثل دراسة جينوم حشرة سوسة النخيل الحمراء حجر الأساس لخارطة طريق القضاء على هذه الآفة، لأنها تستهدف التعرف على أهم الجينات التي يحتويها هذا الجينوم لبداية الدراسات الجينية المختلفة - مثل: دراسات التعديل الجيني للحشرة لجعلها غير قادرة على التزاوج أو التجمع؛ وبالتالي توفير حلول إبداعية مبتكرة لتحديات الأمن الغذائي للتمور والاستدامة البيئية. كما تساعد هذه الدراسة في فهم وتتبع الآليات الجينية التي تستخدمها الحشرة في مقاومتها للمبيدات الحشرية؛ من أجل تحسين الاستجابة للمبيدات الحشرية للتقليل من أثارها على النخيل عبر استراتيجيات علاجيه أكثر فاعليةً.
يوفر تسلسل الجينوم الكامل للحشرة تغطيةً استثنائيةً للمناطق الجينية؛ بما في ذلك المناطق الخارجية وغير المستكشفة وغير المشفرة، ومجموعة كبيرة من المتغيرات النادرة والمتغيرات الهيكلية الشاملة؛ حيث يساعد كذلك في تفسير الجينات والبيولوجيا الكامنة وراء جينوم سوسة النخيل الحمراء.
حيث ستشكل المعلومات المتوفرة لجينوم سوسة النخيل الحمراء أداةً مهمةً في المستقبل لتوفير الحماية والوقاية الاقتصادية والعلاجية لمنتجات النخيل؛ من خلال تقديمها لتحسينات حديثة ومجموعة من الأدوات الجديدة للسيطرة على الحشرة وحماية المحاصيل الزراعية باستخدام وتطوير منتجات صديقة للبيئة لمكافحة الآفات - مثل: المبيدات الحشرية الحيوية التي تهدف إلى تعطيل وظيفة فسيولوجية محددة للحشرة. على سبيل المثال: يؤثر التحور الجيني للحشرة بشكل كبير؛ حيث يمكن استخدام التحولات لتحديد الجينات وتوصيفها، وإنشاء سلالات ذات جينات ترمز إلى الفتك أو التقليل من قدرة هذه الآفات على التكاثر. كما يمكن إنشاء سلالات معدلة وراثياً لتحسين برامج المكافحة الحيوية الحالية - مثل: تقنية إدارة الحشرات المعقمة أو السماح باستراتيجيات جديدة عالية الكفاءة للسيطرة على الآفات، بالإضافة إلى الجمع بين جينوم النخيل وسوسه النخيل الحمراء وإدخال جينات مقاومة للآفة في جينوم النخيل حتى تتمكن من مقاومه سوسه النخيل الحمراء؛ حيث سيؤدي اتباع هذا النهج الجديد السليم بيئياً إلى الحد من استخدام مبيدات الآفات الكيميائية، وتقليل الهدر المالي في المكافحة، واستدامة إدارة سوسة النخيل الحمراء، وتوازن النظام البيئي الزراعي لنخيل التمر.