حيوانات السرقاط تعتمد على البكتيريا لتمييز روائح بعضها

3 دقائق
يبقى كل حيوان لطيفاً حتى تتعرف على غدده الشرجية.

قد تمر بيوم عمل شاق، ولكنك على الأقل لا تضطر لمسح الغدد الشرجية لحيوان السرقاط وهو في كامل وعيه، فليس بإمكان كل الناس أن يحظوا بعمل مريح في مكتب مكيف. ولقد قضى بعض الأشخاص يوم الحادي عشر من نوفمبر عام 2011 وهم يتسللون للوصول إلى حيوانات سرقاط مسترخية في العراء خارج أوكارها لمسح البكتيريا الموجودة داخل غددها الشرجية.

ولم يصب أي من حيوانات السرقاط بأذى أثناء عمل هذه الدراسة، ولكنها لم تكن سعيدة بهذا الشيء.

هذه هي الأعمال التي يقوم بها العلماء في سبيل العلم. ولا يقف الأمر عند مسح الغدد الشرجية، فهم مضطرون للتعامل مع شيء آخر يسمى العصارة الشرجية. وقبل أن نصل إلى التفاصيل المهمة، دعونا نتوقف للحظة لنسأل سؤالاً حاسماً: لماذا كان علماء الأحياء يمسحون مؤخرات حيوانات السرقاط؟ وهذا ليس سؤالاً اعتباطياً، فالناس مختلفون في تصرفاتهم الغريبة، وبعض الأشخاص لا تزعجهم الغدد الشرجية، ولكنهم على الأرجح لا يفعلون ذلك لمجرد الإثارة. على الإطلاق، فعلماء الأحياء يفعلون ذلك بدافع البحث عن المعرفة. وبشكل أكثر تحديداً، كان يدفعهم الفضول لمعرفة كيف تختلف تجمعات البكتيريا من حيوان لآخر، وكيف تؤثر هذه البكتيريا في رائحة الغدد الشرجية.

تستخدم الكثير من الحيوانات الروائح لإرسال إشارات اجتماعية. ويمكن لإفرازات الغدد الشرجية أن تساهم في وسم المنطقة التي تعيش فيها هذه الحيوانات، أو أن تخبر الشريك بأنها مستعدة للتزاوج. ولهذا السبب تقوم الكلاب بشم مؤخرات بعضها، فهي بذلك تحاول التعارف فيما بينها. وتقوم حيوانات السرقاط بالتصرف ذاته، ولكنها بخلاف الكلاب، تعيش في مجتمعات طبقية معقدة.

تقوم حيوانات السرقاط بحكّ مؤخراتها الصغيرة المغطاة بالفرو على الشجيرات والصخور لنفس الهدف الذي يدفع الشباب للرسم على الجدران، وهو -حرفياً- ترك بصمتها في هذا العالم.

فالمستعمرات المجاورة تحتاج إلى تأسيس أراضيها، وتريد الطبقة العليا من حيوانات السرقاط أن تؤكد سيطرتها. ولا يعني مجرد كون هذه الحيوانات تستخدم مؤخراتها أن عملها أقل شرعية من أعمال رسم الجدران التي يقوم بها بنو البشر، فهي تتعامل مع غددها الشرجية بجدية تفوق الطريقة التي يستخدم بها البشر بخّاخ الجدران.

يقوم حيوان السرقاط بوسم الأشياء باستخدام خدوده، تماماً كالقطط، وهو أمر أكثر لطفاً، ولكنه أقل إثارة للاهتمام.
حقوق الصورة: ليديا جرين، جامعة ديوك

لفترة طويلة كان هناك نظرية تقول بأن الرائحة الخاصة للغدد الشرجية عند حيوان ما هي أكثر من مجرد شيء تنتجه مسامه. فهي مزيج من الرائحة الصريحة والبكتيريا التي تعيش داخل الكيس الشرجي. وينتج السرقاط عصارة داخل غدده الشرجية، ولكن هذ العصارة تمر من خلال كيس صغير قبل أن يصل إلى العالم الخارجي. تخرج العصارة الشرجية عبر المسام الموجودة في الغدة الشرجية باتجاه الكيس الشرجي، حيث يمتزج بالبراز والملوثات البيئية. وتعيش البكتيريا في كل من الكيس والغدة، ولذلك فإن هناك ما يكفي من الوقت المتاح لها لتفكيك الجزيئات الرئيسية في العصارة الشرجية.

ومع ذلك، لا يكفي أن نعرف أن هناك بكتيريا تعيش في هذه المنطقة، كما أنه لا يكفي أن نعرف أن أنواع البكتيريا تتغير بين حيوان لآخر، بل يجب أن نعرف أن المواد الكيميائية التي تنتجها أنواع محددة من البكتيريا التي تفكك العصارة الشرجية تختلف بحسب نوع البكتيريا وخصائص الحيوان. ولعمل ذلك لا بد من مسح بعض الغدد. وقد نشر فريق من علماء الأحياء الذين أخذوا على عاتقهم القيام بهذا المهمة دراسة مشابهة عام 2014، ولكنهم لم يكونوا قادرين على الربط التام بين كل الأنواع معاً. وقد قاموا بنشر نتائجهم المحدّثة في يونيو 2017 في مجلة تقارير علمية.

وقد تبين أن حيوانات السرقاط التي تعيش في محمية نهر كورومان في جنوب أفريقيا أصبحت معتادة جداً على وجود الإنسان، بحيث أصبح أخذ مسحات شرجية منها أمراً مألوفاً. وحتى الآن، بإمكانك تصوير الكيس الشرجي كثقب صغير على مؤخرة السرقاط يُخرج نوعاً من العصارة السائلة ذات الرائحة المميزة.

حقوق الصورة: Courtesy of Lydia Greene, Duke University

تكون تلك الأكياس الشرجية مفتوحة على مصراعيها، وكأنها تطلب منك أن تقوم بمسحها.
ويتطلب جمع هذا المزيج  براعة وشيئاً من التخدير العام. وللحصول على عصارة شرجية نقية، يجب قلب الكيس الشرجي جزئياً، بمعنى تحريكه من الداخل للخارج. وبعد ذلك يجب عصر الغدة الشرجية بلطف وتجميع العصارة في أنبوب صغير.

وبتحليل المكونات الكيميائية للعصارة الشرجية لكل حيوان على حدة، وجد علماء الأحياء أن روائح الحيوانات مختلفة، وذلك بحسب نوع البكتيريا المحلية. وقد لوحظت ظاهرة مشابهة عند الضباع، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الربط بين نوع محدد من البكتيريا والرائحة التي تنتجها داخل العصارة. ولم يكن لدينا في السابق سوى أدلة مترابطة. وقد يختلف نوع البكتيريا من حيوان لآخر، ويعود ذلك ببساطة إلى وجود كائنات دقيقة محددة تزدهر بحسب تركيب العصارة. ويظهر هذا الدليل أن نوع البكتيريا هو الذي يعطي العصارة رائحتها المميزة.

وتملك إناث السرقاط كمية أكبر من البكتيريا الوتدية، بينما تملك الذكور كمية أكبر من بكتيريا المتقلبات. ويقوم كلٌّ من هذه البكتيريا بتفكيك مواد كيميائية معينة إلى جزيئات عطرية تعطي الذكور والإناث روائحها المميزة. كما أن الرائحة نفسها تتغير بين الأفراد، وتميل الذكور للتنوع في روائحها أكثر من الإناث، وهو ما يعتقد واضعو الدراسة أنه يعود إلى أن الذكور أكثر تنقّلاً بين مستعمراتها من الإناث، وبالتالي فهي تحتاج إلى تعديل البكتيريا الخاصة بها بشكل متكرر أكثر من الإناث.
وستكون الخطوة التالية هي محاولة فهم ما توحي به كل رائحة للحيوان. فبالتأكيد، سيكون للذكور المسيطرة رائحة تختلف عن رائحة الإناث الخاضعة، ولكن ما الذي تعنيه كل رائحة للحيوان؟ يمكننا أن نسأل الحيوانات أنفسها، أو هناك طريقة وحيدة وهي المزيد من مسح المؤخرات.

المحتوى محمي