هازجة بلاكبورن هو نوع من الطيور المغرّدة التي لا يتجاوز وزنها 10 غرامات. تكون بعض هذه الطيور صفراء اللون ومخططة بالأبيض والأسود. بينما يمتلك بعضها الآخر خطوطاً برتقالية على الوجه والحلق. تقضي هذه الطيور فصل الصيف عادة في شمال شرق الولايات المتحدة وبعض مناطق كندا. وتطير في فصل الشتاء إلى أميركا الجنوبية حيث تقضي وقتها في مزارع البن في كولومبيا وتتغذّى إلى جانب أنواع أخرى من الطيور المهاجرة مثل التناجر وطيور الأقطَروس على الآفات الحشرية مثل المن والنمل والذباب والخنافس والبعوض، وبعض الآفات غير الحشرية مثل العناكب.
تقوم العديد من أنواع الطيور بإجراء رحلات مذهلة كل عام؛ إذ تطير طيور الخرشنة القطبية من قطب لآخر، وتقطع مسافة تبلغ 80 ألف كيلومتر تقريباً كل عام. بينما تحمل طيور البقويقة السلطانية مخططة الذيل الرقم القياسي لأطول رحلة بدون توقّف والتي يبلغ طولها 11 ألف كيلومتر.
تقول جيل ديب (Jill Deppe)، كبيرة مديري مبادرة الطيور المهاجرة في جمعية أودوبون الوطنية: "تؤدي الطيور المهاجرة دوراً ضرورياً للغاية"، وتضيف: "يتناول الطائر المهاجر الواحد ما يكفي من الآفات الحشرية لإنقاذ 11 كيلوغراماً من البن لكل 4 آلاف كيلومتر مربع من التلف".
دور هجرة الطيور في الأنظمة البيئية
يصعب على الكثيرين تخيل ما يحدث للطيور بعد مغادرتها الأفنية الخلفية للمنازل ومنتزهات المدن؛ أي تَخيُّل أين تذهب وماذا تفعل. لكن الطيور المهاجرة تعمل كروابط مهمة بين الأنظمة البيئية التي تبعد عن بعضها مسافات كبيرة. ويمكن أن يكون لفقدان هذه الطيور آثار سلبية كبيرة.
لهذا السبب، قامت ديب وجمعية أودوبون الوطنية والعديد من الباحثين الآخرين، بالإضافة إلى المؤسسات ومورديّ التكنولوجيا، بتصميم خريطة تفاعلية تحمل اسم "مستكشف هجرة الطيور"، والتي تساعد عشاق الطيور غير المختصين في الاطلاع على الرحلات التي تقوم بها الطيور وفهم تأثير هذه الحيوانات على الأنظمة البيئية. تم تشغيل هذه الخريطة على الإنترنت في سبتمبر/أيلول 2022، وهي متوفر باللغتين الإنجليزية والإسبانية. يمكنك زيارة موقع الخريطة بالنقر على هذا الرابط.
تقول ديب: "ما فعلناه في أثناء تطوير هذه الخريطة هو أننا لخّصنا جميع المعارف العلمية التي تخص الطيور لنبين للناس كيف تربط الطيور المهاجرة بينهم عبر نصف الكرة الأرضية وكيف يمكنهم اتخاذ الإجراءات المحلية [التي] تؤثر على مناطق في النصف الآخر من الكرة الأرضية". تبيّن هذه الخريطة أيضاً أهمية التعاون الدولي في جهود الحفاظ على البيئة.
لم يكن وضع كل المعلومات التي جمعها مطورو الخريطة في أداة سهلة الاستخدام يسهل الوصول إليها سهلاً. إليكم الطريقة التي تمكّنوا فيها من إنجاز هذه المهمة.
اقرأ أيضاً: سلسلة الشتاء: الهجرة أو كيف تنجو الطيور من برد الشتاء
تقول ديب: "لدينا العديد من الأنواع المختلفة من البيانات. بعضها دقيق للغاية، وبعضها الآخر عام للغاية". تشمل هذه البيانات المعلومات الموجودة في خرائط نطاقات الطيور العامة التي يمكن إيجادها في معظم أدلة مراقبة الطيور، والمعلومات الوراثية الخاصة بالطيور، والبيانات المستمدّة من أكثر من 500 دراسة عن هجرة الطيور وتلك المنقولة عن أكثر من 280 معهداً. تتعلق البيانات التي تم إدراجها في الخريطة الجديدة بدرجة الارتباط بين المناطق المختلفة من نطاق هجرة الطيور والتغيّر في وفرة الطيور على مدار السنة والذي وثّقه مراقبو الطيور في قاعدة بيانات "إي بيرد" التابعة لمخبر جامعة كورنيل لعلم الطيور.
تقول ديب: "عملنا على هذه الخريطة لمدة 4 سنوات. وفكّرنا في كيفية تجميع أنواع مختلفة من البيانات في خريطة واحدة تساعد القارئ على فهم الحقائق العلمية المتعلقة بالطيور"، وتضيف: "لم نتمكّن من إنجاز ذلك في خريطة واحدة. لذلك، ستجد عدداً من الخرائط في الموقع".
خرائط هجرة الطيور
تركّز إحدى الخرائط على حركة الطيور. وهي تدمج بيانات التتبع وتقاطعها مع البيانات المتعلقة بالوفرة، ما يظهر للقارئ عدد مرات رؤية طائر ما في منطقة معينة.
اقرأ أيضاً: علماء يتجسسون على الطيور المهاجرة باستخدام تلسكوب فضائي أثناء نومك
الخريطة الثانية هي خريطة الترابطات. وهي تحتوي على بعض بيانات التتبع والبيانات المتعلقة بمواقع الطيور التي تم تثبيت اللفافات عليها. تقول ديب: "إذا وضعت لفافة على طائر ووجده شخص في مكان آخر، فسيتشكل ترابط بين هاتين النقطتين"، تتضمن هذه الخريطة أيضاً البيانات المتعلقة بالتركيب الوراثي لأنواع الطيور. تقول ديب: "تشبه هذه الخريطة موقع أنسيستري (ancestry) ولكن للطيور"، وتضيف: "إذا قمت بالتقاط طائر ما، يمكنك الاطلاع على معلوماته الوراثية وإرجاع أصله إلى موقع وبيئة مختلفين".
تبيّن الخريطة الثالثة أهم المواقع والفترات التي تتعرض فيها الطيور للمخاطر المتعلقة بالبقاء. من المخاطر الناجمة عن التغير المناخي إلى تلك الناجمة عن التلوث الضوئي والممارسات الصناعية والزراعية.
حتى الآن، تم توثيق 458 نوعاً من الطيور في هذه الأداة. وقام الفريق بتجميع بيانات التتبع لمسارات 9 آلاف طائر لـ 184 نوعاً منها.
خذ طائر الممراح كمثال، وهو نوع شائع يعيش في الأراضي العشبية. تبين الخريطة الأماكن التي توجد فيها هذه الطيور في فترات مختلفة من العام. يتم تتبع بعض أنواع الطيور باستخدام عدة تقنيات مختلفة. تم تتبع بعض طيور الممراح باستخدام جهاز يحمل اسم مُحدد المواقع الجغرافي المعتمد على ضوء النهار. وتم تتبع بعضها الآخر باستخدام العلامات ومجموعة من أبراج القياس البُعاديّ الراديوي. يسمح المزج بين هاتين الطريقتين للباحثين بمعرفة المناطق المحددة التي تعتبر مهمة للطيور، وكيفية وصول هذا الطيور إليها.
اقرأ أيضاً: ما هو الهدف من مشروع إيكاروس لإنشاء خريطة حية لحيوانات الأرض؟
تقول ديب: "لقد بدأنا باستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة لكشف الصورة الأكثر شمولية. يمكننا مراقبة هذه الطيور على مدار العام. ويعطينا ذلك معلومات عن المناطق ذات الأهمية بالنسبة للطيور المهاجرة"، وتضيف: "كل نوع من البيانات هو جزء فريد من الأحجية".
تحاجج ديب أنه يمكن استخدام هذه المعلومات الشاملة للتأثير على القرارات السياسية المحلية وزيادة الوعي بالإجراءات الشخصية التي يمكن اتخاذها. إذا كنت تعلم أن العديد من الطيور المهاجرة تمر من منطقة حضرية كبيرة تعيش فيها، فقد تكون محفّزاً أكثر لوضع أصيص يحتوي على النباتات المحلية في شرفة منزلك أو الدخول في نقاشات تدعم فيها فكرة الحفاظ على الحدائق المحلية أو الطلب من مديري المباني العالية إطفاء الأنوار ليلاً خلال ذروة موسم هجرة الطيور.
نظراً لأن القرارات المتعلقة بالحفاظ على البيئة يجب أن تتخذ بناءً على الأدلة العلمية الأكثر جودة، يركّز مطورو الخريطة على تحديث البيانات الموجودة في الموقع قدر الإمكان. تقول ديب: "ينشر العلماء الدراسات ويتتبعون الطيور باستخدام العلامات بشكل يومي. هناك معلومات جديدة تصدر بشكل مستمر". لتحقيق هذا الهدف، سيتابع مطورو الخريطة مصادر البيانات بشكل مستمر، وهم يهدفون إلى تحديث هذه الخريطة كل شهرين حتى تزيد كمية المعلومات التي توفرها للقارئ. سيتم تحديث بعض المعلومات بشكل سنوي على الأرجح، مثل معلومات قاعدة بيانات إي بيرد المتعلقة بوفرة الطيور. بينما قد يتم تحديث بيانات التتبع بشكل متكرر أكثر.
اقرأ أيضاً: كيف تتكيف الحيوانات القطبية مع الظلام الشديد لعدة أشهر؟
بالنسبة للعلماء المهتمين بالعمل على أنواع خاصة من البيانات الموجودة على الموقع، هناك لوحة مخصصة لتوفير البيانات في الزاوية السفلية اليمنى تبين الاستشهادات في كل خريطة.
الأهم من ذلك كله هو أن الطيور المهاجرة تعتبر مؤشرات دقيقة على حالة البيئة؛ إذ إنها تمثّل إنذاراً مبكراً بالخطر عندما يتعلق الأمر بالتغير المناخي. تقول ديب: "لقد انقرضت العديد من أنوع الطيور". لكننا نستطيع أن نخفف من تبعات ذلك. تضيف ديب: "لاحظنا أن هناك بعض أنواع الإوز التي لم تكن بحالة جيدة وساعدناها على الازدهار. هذا هو النوع الوحيد الذي تزايد عدد أفراده في السنوات القليلة الماضية".