وفقاً لما أفاد به العلماء في 16 يونيو/حزيران 2022 في مجلة ساينس، وجدت مجموعة فرعية اكتُشفت حديثاً من الدببة القطبية في جنوب شرق غرينلاند النائية طريقة للبقاء في ظل ظروف تسودها درجات الحرارة الأكثر ارتفاعاً والتي يتوقّع أن تسود في معظم أنحاء القطب الشمالي في وقت لاحق من هذا القرن.
يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في تراجع الجليد البحري الذي تعتمد عليه الدببة القطبية للبقاء على قيد الحياة. مع ذلك، تستخدم الدببة عالية القدرة على التحمل والتي تعيش في جنوب شرق غرينلاند جليد المياه العذبة الموجود في الأنهار الجليدية الساحلية كمنصات يمكن من خلالها اصطياد الفقمات على مدار السنة. كتب الباحثون أن هذه الأنهار الجليدية قد تمثّل "ملاذاً مناخياً" للدببة القطبية لم يكن معروفاً من قبل.
قالت كريستن إل. ليدريه، عالمة الأحياء البحرية في جامعة واشنطن في سياتل في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "تتضمن دراستنا أدلة تبين وجود مجموعة فرعية معزولة للغاية وغير موثقة سابقاً من الدببة القطبية على الساحل الجنوبي الشرقي لغرينلاند والتي تمكّنت من البقاء على قيد الحياة بطريقة خاصة"، وأضافت: "يمكن أن نتعلم من هذه الدببة القليل عن مستقبل هذا النوع".
على الرغم من أن الجليد على أسطح الأنهار الجليدية أتاح للدببة العيش في الأودية الخلالية الخالية من الجليد البحري لأكثر من 8 أشهر في السنة، إلا أن عيش الدببة في هذا النوع من المواطن أمر غير معتاد في معظم مناطق القطب الشمالي. قالت ليدريه إن "الجليد في الأنهار الجليدية قد يساعد أعداداً صغيرة من الدببة القطبية على البقاء على قيد الحياة لفترات أطول في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وقد يكون مهماً لاستمرارية النوع (بمعنى أنه ينقذه من الانقراض) لكنه غير متاح للغالبية العظمى من الدببة القطبية".
تكيف الدببة القطبية مع تراجع الجليد
اكتشفت ليدريه وزملاؤها هذه المجموعة الفريدة من الدببة القطبية في أثناء إجراء عملية مسح للدببة القطبية على طول الساحل الشرقي لغرينلاند والذي يبلغ طوله نحو 2900 كيلومتراً. اعتمد الفريق على بيانات تم تجميعها خلال فترة تتجاوز 3 عقود من خلال من الدببة القطبية التي تم أسرها والعينات التي تم جمعها من صيادي الكفاف. تتبع الباحثون تحركات الدببة التي ترتدي أطواقاً مزودة بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) وقاموا بتحليل الحمض النووي لهذه الدببة وراقبوا التركيبة السكانية للدببة القطبية في المنطقة.
أدرك الباحثون أن الدببة في جنوب شرق غرينلاند لم تتفاعل مع الدببة التي تعيش على طول الجزء الشمالي من الساحل. ووجدوا أن هذه الدببة الجنوبية كانت منفصلة وراثياً عن 19 مجموعة فرعية أخرى من الدببة القطبية المعروفة سابقاً. قالت ليدريه: "هذه المجموعة هي الدببة القطبية الأكثر عزلة وراثياً في العالم".
قدر الباحثون أن هذه المجموعة الفرعية من الدببة القطبية كانت معزولة إلى حد كبير لمئات السنين. ينص أحد التفسيرات على أن التضاريس في تلك المنطقة يصعب التنقل فيها، إذ أنها تحتوي على أودية خلالية شديدة الانحدار تفصل بين الجبال والأنهار الجليدية الضيقة. بالإضافة إلى أن الدببة القطبية محاطة من الغرب بصفيحة غرينلاند الجليدية ومن الشرق بالمياه المفتوحة لمضيق الدنمارك. قد يتم عزل هذه الدببة أيضاً عن جيرناها في الشمال بواسطة تيار شرق غرينلاند الساحلي سريع التدفّق. ربما جعلت التضاريس الوعرة والأراضي التي تشكل حواجزاً عالية تكاثر الدببة في جنوب شرق غرينلاند أكثر صعوبة، ما أدى إلى ولادة عدد أقل من الأشبال مقارنة بالمجموعات الفرعية الأخرى.
عادةً ما يبقى الجليد البحري المتجمد على الشاطئ والمعروف باسم الجليد السريع موجوداً من فبراير/شباط إلى أواخر مايو/أيار في هذا الجزء من غرينلاند. هذا يعني أن الجليد البحري لا يكون متوفراً بالنسبة لهذه الدببة القطبية لأكثر من 250 يوماً في السنة، وهي مدة تزيد عن المدة التي تستطيع فيها الدببة أن تبقى حية دون الطعام بـ 100 يوم.
تتحرك الدببة القطبية إلى اليابسة أو تتجه شمالاً في أماكن أخرى من القطب الشمالي عندما يتراجع الجليد البحري خلال الأشهر الأكثر دفئاً. لكن جليد المياه العذبة المتدفق إلى البحر من الصفيحة الجليدية في غرينلاند والمعروف باسم الخليط الجليدي سمح للدببة في جنوب شرق غرينلاند بالبقاء في موطنها والتقاط الفرائس على مدار العام.
حتى أن بعض الدببة بقيت في نفس الوادي الخلالي لسنوات. لاحظ الباحثون 11 مرة أن الجليد المجروف والذي يحرّكه تيار شرق غرينلاند الساحلي يحمل الدببة القطبية جنوباً. لكن سبحت جميع الدببة على الشاطئ وعادت إلى الوادي الخلالي الذي كانت تعيش فيه في غضون شهر أو شهرين.
قدر الباحثون أن هناك عدة مئات من الدببة القطبية في جنوب شرق غرينلاند. مع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت أعدادها تزداد أم تتناقص أو تبقى ثابتة. قالت ليدريه: "هذه معلومة يجب علينا أن نعرفها وتتطلب المزيد من المراقبة والتتبع".
الحفاظ على التنوع الوراثي للدببة
خلصت ليدريه وزملاؤها إلى أن الحفاظ على هذه المجموعة الفرعية أمر ضروري للحفاظ على التنوع الوراثي للدببة القطبية وفهم كيفية تأثر هذا النوع بتغير المناخ. على الرغم من أن الخلائط الجليدية ليست شائعة، إلا أنها موجودة في أجزاء أخرى من غرينلاند وأرخبيل سفالبارد النرويجي وتعتبر موطناً للفقمات الحلقية، وهي الفرائس الرئيسية للدببة القطبية. من المحتمل أن مثل هذه الظروف قد تمنح الدببة خارج التجمعات الفرعية التي تعيش في جنوب شرق غرينلاند حاجزاً واقياً من تراجع الجليد البحري.
مع ذلك، قالت ليدريه إن "تراجع الجليد البحري في القطب الشمالي لا يزال يمثل التهديد الرئيسي لجميع الدببة القطبية"، وأضافت: "لم تغيّر الدراسة الجديدة هذه الحقيقة". حتى ملاذات المياه العذبة الجليدية قد تتغير مع ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي وذوبان الصفيحة الجليدية في غرينلاند.
قالت ليدريه: "إجراءات التعامل مع التغير المناخي هي أهم ما يمكننا فعله لضمان مستقبل الدببة القطبية".
أشاد روبرت نيوت، عالِم الكيمياء الجيولوجية في مرصد لامونت دوهرتي للأرض في جامعة كولومبيا والذي يدرس الجليد البحري في القطب الشمالي بكمية المعلومات الكبيرة التي حللتها ليدريه وفريقها لاكتشاف المجموعة الفرعية الجديدة من الدببة القطبية.
قال نيوتن: "الدراسة نفسها تبعث على الأمل من ناحية أنه يبدو أن الدببة القطبية يمكنها البقاء على قيد الحياة بدون الجليد البحري طالما أن لديها منصة بديلة للصيد منها"، مشيراً إلى أن تراجع الأنهار الجليدية قد يستغرق مئات السنين. وأضاف نيوتن قائلاً: "من المحتمل للغاية أن تنجو الدببة القطبية كنوع من تراجع الجليد البحري في القطب الشمالي حتى لو انقرض معظمها أو أُجبر على العيش في البر حيث ستندمج هذه الدببة مرة أخرى مع مجموعات الدببة البنية".
قال نيوتن أيضاً إن أحد الأسئلة المهمة التي يجب أن تعالجها الدراسات المستقبلية هو مدى كفاءة الكائنات الحية الأخرى في السلسلة الغذائية مثل الفقمات والأسماك والقشريات والطحالب في التكيّف مع تراجع الجليد البحري. مع ذلك، تشير النتائج الجديدة إلى أن الخلائط الجليدية يمكن أن توفر شريان حياة للدببة القطبية حتى تستقر الظروف في القطب الشمالي.
قال نيوتن: "إذا نجحنا في النهاية في السيطرة على انبعاثات الغازات الدفيئة والاحترار العالمي وتمكنا من إرجاع درجات الحرارة في مرحلة ما إلى تلك التي كانت سائدة تاريخياً على سطح القطب الشمالي، فإن جميع النماذج التي قمنا بإنشائها تشير إلى أن الجليد البحري سيعود بسرعة"، وأضاف: "إذا تمكنا من إنشاء ملاجئ وحماية الحيوانات فيها، سنكون قد نجحنا في ضمان مستقبل العديد من الأنواع".