دراسة جديدة تكشف آلية إصدار الحيتان أصواتها والفائدة منها

4 دقيقة
صغير حوت أحدب يلعب في مياه جزيرة موريا الدافئة في بولينزيا الفرنسية. بمجرد أن تصبح صغار الحيتان قوية بما يكفي، ستبدأ رحلة طويلة مع أمهاتها إلى مناطق التغذية في القارة القطبية الجنوبية. كريم إليا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتمد الحيتان البالينية، التي تشمل الحيتان الزرقاء والحدباء والزعنفية التي تعيش اليوم، على الأصوات للعيش في عالمها المائي. يجب أن تنتقل هذه الأصوات عبر المحيط المظلم والمبهم قاطعة مسافات كبيرة حتى تتمكن الحيتان من العثور على أقاربها ولتهاجر قاطعة مئات الكيلومترات. على الرغم من أن العلماء درسوا أصوات الحيتان على مدار أكثر من 50 عاماً، فإنهم لم يحددوا الهياكل المادية التي تستخدمها الحيتان البالينية لإصدار الصوت، ولكن هذا تغير الآن. اكتشف العلماء في دراسة نُشرت بتاريخ 21 فبراير/شباط في مجلة نيتشر (Nature) أن الحيتان البالينية اكتسبت أجزاء فريدة من نوعها في حناجرها تمنحها القدرة على توليد أصواتها المعقدة.

اقرأ أيضاً: الباحثون يكتشفون نوعاً جديداً من الحيتان المنقرضة العملاقة

قال عالم الأصوات في جامعة جنوب الدنمارك والمؤلف المشارك للدراسة، كوين إليمانس، لبوبساي: “الحيتان كائنات مذهلة للغاية؛ إذ إنها أكبر الحيوانات التي عاشت في الأرض على الإطلاق. هذه الحيوانات أكبر بكثير من أكبر الديناصورات، وتستطيع الغوص في الأعماق، كما أنها اجتماعية للغاية. ولأن العثور على الحيوانات الأخرى في المحيطات الضخمة صعب للغاية، تستفيد هذه الحيتان من الأصوات في الكثير من سلوكياتها. بالتالي، فإن فهم آلية توليد الصوت التي تتبعها هذه الحيتان بالغ الأهمية لفهم بيولوجيا الحيتان عموماً”.

الحيتان ذات الأسنان والحيتان البالينية

تنقسم الحيتان إلى مجموعتين رئيسيتين، الحيتان ذات الأسنان (Odontocetes) والحيتان البالينية (Mysticetes). تشمل الحيتان ذات الأسنان الحيتان القاتلة وحيتان العنبر والدلافين وخنازير البحر. ويمتلك العديد من هذه الأنواع أسناناً بارزة تُستخدم لسحق الفرائس.

البالين، أو عظم الحوت، هو مادة صلبة تتألف من الكيراتين، وينمو من الفكوك العلوية للحيتان في صفائح ذات أهداب شبيهة بالشعيرات، ويؤدي وظيفة غربال يصفّي الأسماك الصغيرة والعوالق الحيوانية التي تفترسها هذه الحيتان.

قال إليمانس: “تولّد الحيتان البالينية الصوت من حناجرها، أما الحيتان ذات الأسنان فتولده من أنوفها. تستخدم المجموعتان الآلية نفسها المعتمدة على الأنسجة المهتزة، تماماً مثل الآلية التي يستخدمها البشر المعتمدة على الطيات الصوتية، ولكنها تعتمد على بُنى جديدة تماماً”.

اكتساب البُنى الصوتية الجديدة

فحص الفريق في الدراسة الجديدة 3 حيتان حُبست على الشواطئ. انتمت كل عيّنة إلى نوع مختلف من الحيتان البالينية، حيتان ساي وحيتان المنك الشائعة والحيتان الحدباء. تتيح الحيتان التي تحبس نفسها على الشواطئ للباحثين فرصة لدراسة تشريح هذه الحيوانات من كثب. صمم فريق الدراسة نموذجاً حاسوبياً كاملاً لحناجر الحيتان بعد استخراج كل منها. تضمّن النموذج أشكالاً ثلاثية الأبعاد دقيقة للعضلات المحيطة بالحنجرة، ما مكّن الباحثين من محاكاة آلية التحكم في تردد الصوت الناجمة عن حركة العضلات.

التكيفات في تشريح حناجر الحيتان البالينية. أ) تنتمي الحيتان البالينية إلى واحدة من الفرعين الحيويين الموجودين حالياً للحيتانيات. ب) الغضاريف الحنجرية في الأنواع الممثلة. ج) التكيفات الفريدة في الجهاز التنفسي العلوي والحنجرة لدى الحيتان البالينية. د) من الأعلى، منظر جانبي يبين الغضاريف الحنجرية في صورة مقطعية موسومة لحنجرة أنثى من حيتان ساي. ه) من الأسفل، القسم الإنسي الذي يبيّن العضلات داخل الوسادة الحَلْقية والعضلة الطرجهالية المستعرضة. تشير الأسهم إلى اتجاه الألياف العضلية. و) منظر ظهري (على اليسار) مع إزالة الوسادة الحَلْقية، والشرائح السهمية المرتبطة (على اليمين)، يبيّن الغضاريف الطرجهالية الملتحمة المميزة التي لها شكل حرف (U) وتحمل العضلة الصوتية الثنائية الأطراف. كيس الحنجرة. ز) رسم تمثيلي ثلاثي الأبعاد يُظهر التوافق المحكم بين الغضاريف الطرجهالية والوسادة الحلقية. ح وط) رسمان تمثيليان لحنجرة حوت المنك (ح) والحوت الأحدب (ط)، يظهران أن الأخير يتمتع بتكوين أكثر مرونة للغضاريف الطرجهالية. المقاييس الشريطية بطول 10 سنتيمترات. حقوق الصورة: إليمانس وآخرون، 2024.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم الحيتان المسنّنة أصواتها للصيد؟

اكتشف الباحثون أن الحيتان البالينية تكيفت بطريقة تتيح لها إصدار الأصوات من خلال اهتزازات بنى داخلية محددة في الحنجرة لا تمتلكها الحيتان ذات الأسنان. تتيح هذه البنى المتخصصة للحيتان البالينية إصدار الصوت وإعادة تدوير الهواء وتقيها من استنشاق الماء في الوقت نفسه.

على الرغم من أن النوعين يستطيعان توليد الصوت من الحناجر، فإن الحيتان البالينية تتمتع ببنى جديدة متخصصة في توليد الصوت. تستخدم هذه الحيتان غضاريف تحمل اسم الغضاريف الطرجهالية توجد أيضاً في حناجر البشر. تغيّر هذه الغضاريف لدى البشر موقع الطيات الصوتية. وتأخذ لدى الحيتان البالينية شكل أسطوانات كبيرة وطويلة تقع في قواعد بنى صلبة على شكل حرف (U) تغطّي الحنجرة على كامل طولها، ما يجعلها مختلفة عن الغضاريف الصغيرة. يساعد ذلك على إبقاء مجرى الهواء مفتوحاً عند نقل كميات كبيرة من الهواء عبر أجسامها الضخمة، ما يقيها من الاختناق.

لوحة لحوت أحدب تبيّن غضاريف الحنجرة. حقوق الصورة: باتريشا جاكلين ماتيك.

قال عالم البيولوجيا في جامعة فيينا في النمسا والمؤلف المشارك للدراسة، تيكومسه فيتش، في بيان صحفي: “تطورت الحيتان ذات الأسنان والحيتان البالينية من ثدييات برية كانت تمتلك حنجرة تؤدي وظيفتين، حماية الممرات الهوائية وإصدار الصوت. مع ذلك، فرض انتقال هذه الحيوانات إلى البيئة المائية متطلبات جديدة وصارمة على الحنجرة تتمثّل في الوقاية من الاختناق تحت الماء”.

خفض ضوضاء المحيط

في حين تمكّن مؤلفو الدراسة من تحقيق إنجاز غير مسبوق يتمثّل في تفسير الآلية المسؤولة عن إصدار الأصوات المنخفضة الترددات لدى الحيتان البالينية، فإن ميزة إصدار الأصوات التي تطوّرت على مدى ملايين السنين أصبحت مهددة في المحيطات التي يزداد الضجيج فيها.

يقول إليمانس: “لا تستطيع هذه الحيتان إصدار أصوات عميقة للغاية، كما أن أغلبية الأنواع لا تستطيع إصدار الأصوات ذات الترددات العالية. ويحد ذلك من مدى التواصل الخاص بها. بالإضافة إلى ذلك، تتداخل ترددات الأصوات التي تصدرها الحيتان في الأعماق التي تُصدر فيها مع الضوضاء التي يولدها الإنسان، مثل تلك الناجمة عن حركة القوارب، ما يعني أن الحيتان لا تستطيع حل هذه المشكلة من خلال إصدار صوت بمستويات أعلى مثلاً”.

اقرأ أيضاً: كيف تجد الحيتان الزرقاء غذاءها؟

يستشهد المؤلفون بالازدياد الكبير في النشاط في مجال الحفاظ على البيئة والسياسة في أعقاب نشر التسجيلات الصوتية الأولى لترنيمات الحيتان الحدباء في عام 1970. كان ألبوم روجر بين وكاتي بين الذي يحمل اسم “أغاني الحوت الأحدب” (Songs of the Humpback Whale) مهماً للغاية حينها لدرجة أن بعض أغانيه وضِع في تسجيل على متن المركبة الفضائية فوياجر 1 بهدف منح الكائنات الفضائية التي قد تعثر على هذه المركبة فكرة عن الحياة على الأرض. ازداد الضجيج في المحيطات منذ سبعينيات القرن العشرين، وهناك حاجة إلى بذل جهود مماثلة في مجال الحفاظ على البيئة للحد من الضوضاء.

قال إليمانس في بيان صحفي: “نحن بحاجة إلى قوانين صارمة لمعالجة مشكلة الضوضاء، لأن هذه الحيتان تعتمد على الصوت في التواصل. بينّا في دراستنا أنه على الرغم من أن هذه الحيتان تتمتع بخصائص فيزيولوجية مذهلة، فإنها لا تستطيع التعامل مع مشكلة الضوضاء التي يولدها البشر في المحيط”.