يمكن أن يوصف سرب الغربان الذي يعبث بجيفة الحيوان بالقسوة، ولكن القسوة في الحقيقة هي استخدام هذا المصطلح. والجميع دائماً ما يكرهون الأشخاص المتحذلقين، ولكن الغربان ليست مخيفة. صحيح أن لها مناقير حادة ومنحنية تستخدمها لتمزيق جيف الحيوانات إلى قطع، وأن مجرد تذكّرها يستدعي الضحك المروع بالتأكيد، إلا أن امتلاكها لعقل مدبّر لا يجعلها شريرة، بل يجعلها مدهشة.
ويمكن للغربان حل الألغاز، وخداع الحيوانات الأخرى لمساعدتها، والتواصل مع بعضها البعض بمستوى لا يمكن حتى للقرود أن تصل إليه. ونعلم الآن بأنها يمكن أن تدبّر الخطط. وهذه الخطط ليست غادرة للإطاحة بالبشر في معركة من أجل السيطرة على الأرض (كما نأمل)، بل إنها خطط للحصول على غذاء أفضل لها. إن الأمر أشبه باختبار المارشميلو الذي يُجرى لاختبار التحكم بالدوافع لدى الأطفال، ولكنه أكثر من ذلك الاختبار الذي يستمر لدقيقة واحدة، إذ أن الطيور لديها سيطرة على النفس بشكل أكبر من معظم الأطفال.
ويأتي هذا الاكتشاف الأخير من اثنين من العلماء المعرفيين في جامعة لوند في السويد والذين قاما بإخضاع الغربان للاختبار. ونشرا النتائج التي توصلا إليها في مجلة سيانس يوم الجمعة. فقد كنا نعلم حتى الوقت الراهن بأن الغربان تمتلك بعض القدرة على التخطيط المستقبلي لاحتياجاتها الغذائية لأنها تخفي مخابئ الطعام لتستخرجها في وقت لاحق. غير أن السناجب تقوم أيضاً بتخزين الطعام في الأرض لوقت لاحق ولكنها ليست الأذكى. إذ أنها تنسى نحو 75 في المئة من المكسرات، وتزرع الملايين من الأشجار خلال هذه العملية. فهي تفيد البيئة بشكل غير مقصود. وإذا كانت السناجب الغبية يمكن برمجتها بيولوجياً لتخزين الطعام لوقت لاحق، فربما لا تكون الغربان ذكية كما نعتقد. إلا أنها ذكية بكل تأكيد.
حيث اتضح بأن الغربان غالباً ما تختار التخلي عن لقمة لذيذة في الوقت الحالي لصالح الحصول على متعة أفضل في وقت لاحق. وعند تخييرها بين طعام شهي وأداة معروفة لديها بأنها تفتح صندوقاً يحتوي على طعام أكثر إغراءً، فإنها تختار الأداة عموماً، حتى لو لم يكن لديها الصندوق بعد. إذ أنها تعلمت بأنه عندما يقدم لها الباحثون الصندوق خلال 15 دقيقة، فإنها يمكن أن تستخدم هذه الأداة للحصول على الجائزة. وهذا ما تمت دراسته هناك. وحتى الأطفال الصغار غالباً ما يختارون أن يأكلوا المارشميلو على الفور بدلاً من الانتظار لبضع دقائق للحصول على المزيد منها، وكل ما قامت به تلك التجربة هو جعل المشاركين يجلسون هناك ويتصرفون بلطف.
ولا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاً. إذ أن الغربان أيضاً تسرق من بعضها البعض من خلال مراقبة المنافسين وهم يخفون الطعام، وملاحظة الموقع، والعودة لاحقاً للحفر والحصول على الغنائم. ولأنها تتعرض للسرقة، فإن بعض الغربان تتظاهرفعلاً بإخفاء الطعام لخداع اللصوص. والأكثر من ذلك، فإنها يمكن أن تخبر الغربان الأخرى بمكان العثور على جيفة متفسخة، وتشكيل فريق لتخويف منافسيها. ويُذكر بأن تلك القدرة على التواصل ومشاركة المعلومات عن مكان بعيد لا تتم سوى من قبل النمل والنحل والبشر. مع العلم بأن القردة ليست ضمن تلك القائمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للغربان خداع بعضها الآخر على ما يبدو إذا كان ذلك يعني الحفاظ على سرية مصدر الغذاء. ويمكنها أيضاً أن تستدعي الذئاب إلى الجيفة التي لم تتفسخ بعد بما فيه الكفاية، حتى يتسنى لأنياب الذئاب أن تقطعها إرباً، مما يترك بقايا أكثر ملاءمة للطيور لتناولها.
إذا لم يجعلك كل هذا تحب هذه الغربان المدبّرة، فلا شيء سيجعلك تقوم بذلك. فهذه الطيور عباقرة بحدّ ذاتها، فما الخطأ في أن يكون مظهرها فظاً بعض االشيء؟ إذ لا يجب الخوف من ذكائها، بل يجب أن يكون موضع تقدير. دعونا إذاً نرشح الغربان لتولي رئاسة أميركا في عام 2020.