أنت عادةَ لا تشعر بالتعاطف تجاه العناكب، ولكن عندما يرفع عنكبوت وثاب غامض، ذو عيوان سوداء أذرعه الخضراء في الهواء، ويهز مؤخرته، ويومض برُكَبه البرتقالية، فقط ليحظى بأنثى تقترب منه أثناء وصلة الرقص التي يؤديها، فأي نوع من الوحوش ذلك الذي لا يشعر بالتعاطف تجاهه؟ ومع أن العناكب لن تواجه -على الأرجح- إحساس الرفض والقلق مثل ما يحدث عند البشر، فلا بد وأنك ستشعر بشعور هؤلاء الذكور.
وربما يكون أسوأ ما تعرفه عن الأمر أن ذكور العناكب الوثابة قد طورت قدراتها خصيصاً لجذب انتباه الشريك، أو على الأقل تلك هي النظرية السائدة. وقد أرادت مجموعة من علماء الأحياء من جامعة بيتسبورج فهم السبب الذي يجعل هذه العناكب Habronattus pyrrithrix تؤدي هذه الرقصات الخاصة بالتزواج، حتى ولو كانت الإناث لا تنظر باتجاههم، فلماذا يرقص الذكور لإناث لا تعيرهم اهتمامها.
هذه ليست مشكلة جديدة في عالم الحيوان، فأنثى الطاووس تنظر في اتجاه مغاير عندما يتبختر حولها ذكر الطاووس الذي قد يرتبط بها. ويبدو أن جزءاً من العرض الراقص لذكر الطاووس هو للفت انتباه الأنثى اللامبالية، وهو ما يحدث أيضاً مع العناكب. وقد قام علماء الأحياء بتسجيل شريطي فيديو للعناكب الوثابة عندما اجتمعت مع الإناث بغرض التزاوج، وذلك لمعرفة كيف يسير هذه العرض الراقص المصغر. وقد نشروا نتائجهم في دورية "علم البيئة السلوكي" مع مقطع فيديو شديد البهجة لرقص العناكب.
يمكنك أن ترى في هذا التسجيل أن أنثى العنكبوت تبدو غير مهتمة كثيراً بما يفعله الذكر. فهو يلوح بأذرعه، ويهز رُكبه، وعندما ينهي حركته هذه، يتم رفضه تماماً. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك نية لجعله في مجال نظرها. ومن الممكن أن يكون هذا الأمر مقصوداً في الواقع ، لأن أكل العناكب الوثابة للحوم بعضها وهي حية هو أمر مألوف، على الأقل خلال الأسر. وإذا كان أحد الخيارات المحتملة لذكر العنكبوت أن يؤكل وهو حي، قبل وبعد ممارسة الجنس، فقد يتردد أيضاً في الالتزام بطقوس التزاوج.
ومرة أخرى، قد تفسر هذه الحركات بأن ذكر العنكبوت لا يحتاج أن يتحرك باستمرار ليكون ضمن مجال نظر الأنثى، فالعناكب الوثابة تملك عيوناً على جانبي رأسها، بحيث ترى الحركة في جميع الاتجاهات، بالرغم من أن رؤية عيونها الجانبية ليست حادة جداً. وقد يكون رقص الذكر مجرد حيلة للفت انتباه الأنثى، وبمجرد أن تدير وجهها إليه، يبدأ برفع رُكبه قليلاً، فهو يعلم الآن أنها تراه.
أما بالنسبة لهذا التجاهل الواضح، فهو رد الفعل المعتاد لهذا الرقص أثناء التزاوج، فإناث العناكب الوثابة تقضي 70 في المائة من وقتها وهي لا تنظر إلى الذكور. ولم يتأكد علماء الأحياء من سبب هذا كله، على الرغم من أن لديهم بعض النظريات. تقول إحداها بأن الإناث لا تحتاج سوى إلى بعض اللمحات السريعة لاتخاذ قرارها. بينما ترى نظرية أخرى أن هذا يعود إلى أنها لا تركز لوقت طويل، ولهذا يستمر الذكور بالرقص لإعادة لفت انتباهها. وقد يعود الأمر إلى أنها تحترس من الحيوانات المفترسة التي قد تكون عنكبوتاً وثاباً أخضر يحاول افتراسهما معاً.
أو ربما يكون الأمر اختباراً، تقوم فيه الأنثى بإجبار شريكها على تفسير إشاراتها والتفاعل معها بشكل مناسب، بحيث تستطيع التمييز بين الذكور الذين يهتمون حقاً بالتزاوج، والتافهين الذين يهزون مؤخراتهم وحسب، فقد يكون الذكور الذين يفسرون لغة جسدها بدقة شركاء أفضل. أو- كما قال علماء الأحياء في الدراسة- "إن الذكور الأكثر انتباها قد يكونون أكثر نجاحاً في التواصل، ما يؤهلهم أن يكونوا أزواجاً أكثر قيمة".
إن العناكب حقاَ تشبهنا تماماَ.