زراعة أجهزة تحكّم في قناديل البحر تمكنها من استكشاف المحيطات

3 دقائق
قناديل البحر, أبحاث,

يحتاج بعضنا إلى فنجان قهوة صباحاً ليبدأ يومه بحيويةٍ ونشاط. لكّن الحال ليست كذلك بالنسبة لقناديل البحر، فكلّ ما تحتاجه كي تنساب في مياه البحر بحيويةٍ ونشاط هو دفقاتٌ من الكهرباء. في تجارب أخيرة، قام فريق بحثي بزرع أجهزة تحكّم بالغة الصّغر داخل أجسام قناديل البحر الحيّة، تستخدم نبضاتٍ كهربائية لتوجيه حركة الحيوان في الماء. حيث مكّنت الطاقة الكهربائية التي تمنحها هذه الأجهزة؛ قنديل البحر من السباحة بمعدّل 3 أضعاف سرعة قنديل البحر العادية التي تستهلك ضعف الطاقة. لا تصيب أجهزة التحكّم هذه الحيوانات بالأذى، ويأمل الباحثون باستخدام قناديل البحر المجهّزة بها لاستكشاف بحار العالم.

يقول «جون دابيري»، المهندس الميكانيكي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والذي نشر نتائج بحثه في 29 يناير/ كانون الثاني في دورية «ساينس أدفانسز»: «نأمل أن توفّر لنا هذه التكنولوجيا أول نافذةٍ نطّلع من خلالها على ما يحدث في غالبية المحيطات».

قد لا تمتلك قناديل البحر المتواضعة هذه دماغاً، لكنّها تمتلك قدرة مميزة مثيرة للإعجاب كونها أكثر الحيوانات السبّاحة كفاءةً في استخدام الطاقة. يقول دابيري: «تعود قدرتها في السباحة إلى تاريخها التطوري كونها أو حيوانات تتعلّم السباحة منذ 500 مليون سنة». تتحرّك قناديل البحر من خلال تقليص وتمديد جوفها؛ حيث تخلق هذه الحركات النابضة دواماتٍ من الماء تدفعها للأمام دون بذل الكثير من الجهد.

قبل التفكير بتجهيز قناديل البحر بهذه التقنية الحديثة؛ صنع الباحثون أولاً روبوتات مرنةٍ تحاكي حركة قناديل البحر أثناء السباحة. لكّن هذه الروبوتات تحتاج إلى طاقةٍ أكبر بكثير مما تحتاجه قناديل البحر الحيّة، وتحتاج لربطها بأسلاكِ توصيل الطاقة. وفي هذا الصدد، تعاون دابيري مع الباحثين في جامعة هارفارد لبناء قنديلِ بحرٍ أقل تطلباً للطاقة من خلايا عضلة قلب الفئران، والتي يمكنها التحكّم بقنديل البحر الصناعي من خلال تقليصها للخلايا العضلية، لكّن الروبوت الرهيف لا يمكنه العمل خارج المختبر.

قرر دابيري وزميلته «نيكول زو» من جامعة ستانفورد، تسخير قوة قناديل البحر الحقيقية بدلاً من ذلك. يتغذّى قنديل البحر بنفسه، لذلك لن تكون هناك حاجةٌ إلا للقليل من الطاقة الإضافية للتحكّم به، ويوفرها الطرف الصناعي الذي سيزودون به قنديل البحر. توجد قناديل البحر في كلّ جزءٍ من محيطاتنا، من القطب الشمالي إلى المياه الإستوائية، ومن سطح البحر وحتى الأعماق السحيقة مثل أعماق خندق ماريانا. يقول دابيري: «إنها موجودةٌ في كلّ مكانٍ نريد رصده واستكشافه، الفكرة إذاً هي كيف نعطيهم عقلاً حتى نتمكن من إخبارهم إلى أين يذهبون ومتى؟».

قام الباحثون بزراعة أجهزة تحكّمٍ كهربيةٍ دقيقة في قناديل البحر العادية، وهي أنواعٌ شائعة في كافّة محيطات العالم، وقد توقع الفريق أن تسبح قناديل البحر المجهزة بالأطراف الاصطناعية بشكلٍ أسرع من قناديل البحر العادية. يقول دابيري: «ما أثار دهشتنا أنّها كانت أكثر كفاءةً في استهلاك الطاقة عند السباحة بسرعاتٍ عالية». حيث ظهر أنّ قنديل البحر يتطلب طاقة أقل مقارنة بالروبوتات المائية الأخرى؛ بمقدارٍ يترواح بين 10 إلى 1000 مرّة.

ويضيف دابيري: «في حياتها العادية، قد لا تحتاج قناديل البحر هذه الطاقة الكامنة لمساعدتها على الحركة، فقناديل البحر لا تحاول الانتقال من مكانٍ لآخر فعلياً، إنما تستفيد من حركات السباحة هذه في اصطياد الفرائس بشكلٍ أساسي، فإذا كانت قادرةً على سحب الفرائس من المياه المحيطة باستخدام هذه الحركات البسيطة بهدوء، فلا حاجة لإحداث ضجّة».

لا يبدو أن هذه الحركات السريعة التي منحها الباحثون لقنديل البحر تؤذيه مُطلقاً. فهذه الحيوانات ليس لديها جهازٌ عصبي مركزي، أو مستقبلاتٌ حسية للألم. تقوم قناديل البحر عادةً بإفراز مادةٍ مخاطية في المواقف الصعبة، لكّن دابيري وزميلته زو لم يلاحظا أن قناديل البحر المشاركة في التجارب أفرزت هذه المادّة المخاطية، كما أنها عادت للسباحة بشكلٍ طبيعي عندما أزالوا الأجهزة المزروعة فيها.

في النهاية، يخطط دابيري لتركيب أجهزة استشعارٍ على قناديل البحر حتى يتمكن العلماء من إرسالها في رحلات نحو أعماق المحيطات. في الواقع، لا تحتوي المركبات التي يجري إرسالها حالياً لاستكشاف هذا العالم المظلم البارد ما يكفيها من الطاقّة لانتقالها، سوى لمدةٍ تتراوح بين 12 و 24 ساعة. يقول دابيري: «هناك الكثير من أسرار الحياة في الأعماق لا نستطيع رصدها ببساطة».

يمكن لقناديل البحر المُعززة بهذه الأجهزة الصناعية جمعُ معلوماتٍ قيّمة حول مناخ المحيط. حيث يتصوّر دابيري تلك الحيوانات المزوّدة بأجهزة الاستشعار تجوب جميع بحار العالم، وتقوم بجمع البيانات الرئيسية حولها مثل درجة حرارة الماء، والملوحة والحموضة ومستويات الأكسجين. ويمكن لقنديل البحر حتّى أن يجمع بياناتٍ تتعّلق بالميكروبات التي تعيش في أجزاء مختلفة من المحيط أيضاً.

يتعيّن على الباحثين، قبل أن يتم إرسال هذه الحيوانات للقيام بهذه المهام، معرفة كيفية توجيه الحيوانات في اتجاهات مختلفة، حيث يقومون حالياً باختبار استجابة الحيوان لتأثير النبضات الكهربائية على أجزاء مختلفةٍ من الجسم، كي تستدير وتغيّر اتجاهها. يقول دابيري: «يمكننا تحفيز قنديل البحر على تغيير اتجاهه من خلال جعل جانبٍ واحدٍ من العضلات لديه يتقلّص، وحتّى جعله يقوم باستدارةٍ كاملة».

المحتوى محمي