تعتبر الغربان رمزاً للوقار حول العالم. كما أنها تعتبر حيوانات مقدّسة في بعض ثقافات السكان الأصليين ونُذراً للموت في اليونان القديمة. لعبت هذه الطيور دوراً بارزاً في العديد من الثقافات نتيجة لانتشارها الواسع، إذ يستوطن نحو 40 نوعاً منها قارة أوروبا وإفريقيا وآسيا وأستراليا وأميركا الشمالية والوسطى. وجدت دراسة جديدة من جامعة واشنطن سانت لويس نُشرت في 21 أبريل/نيسان 2022 في مجلة "نيتشر كوميونيكيشن" أن هناك سبباً وجيهاً للاعتقاد بقوة الغربان وأقاربها من الغربان السُحم، بصرف النظر عن المفاهيم الروحية التي تم ربطها بهذه الطيور.
انتشار تطوري واسع للغربان عبر ملايين السنين
وجد فريق من العلماء يقوده عالم الأحياء التطوري "خوان غارسيا-بورتا" أن الغربان والغربان السُحم وسّعت نطاق انتشارها وتطوّرت إلى العديد من الأنواع المختلفة بسرعة. تعرّضت الغربان والغربان السحم إلى بيئات جديدة بعد أن انتشرت لتغطي جميع أنحاء العالم تقريباً من 22-18 مليون سنة مضت. وشهدت الطيور من جنس الغراب حتى تتمكن من البقاء في هذه البيئات الجديدة معدّلات عالية من التكيف والتنوّع قبل نحو 10 ملايين سنة. كان الموضوع الأساسي في الدراسة الجديدة هو الكشف عن الطريقة التي تمكّنت هذه الطيور بها من القيام بذلك.
الغربان والغربان السحم معروفة بأن لديها مجموعة من المهارات الفريدة، إذ بيّنت الدراسات أن الغربان السحم تتمتع بقدرات إدراكية تشابه تلك التي تمتلكها القرود العليا البالغة وأنها تستطيع محاكاة كلام البشر. وتستطيع الغربان استخدام الأدوات والتعرّف على الوجوه البشرية. ركّزت الدراسة الجديدة على التكيفات الفيزيائية التي سمحت لفصيلة الغرابيات بالانتشار والتطور لعدة أنواع بشكل أفضل من الطيور الأخرى، مثل الأجنحة الطويلة والأجسام الكبيرة التي أثبتت فائدتها عند التنافس على الموارد مع أنواع الطيور الأخرى.
العوامل المساهمة في انتشار الغربان؟
حلل الباحثون بعد تحديد العوامل المساهمة في الانتشار الجغرافي الخصائص الفردية لـ 46 نوعاً من الغربان والغربان السحم لفحص الاختلافات الجسدية. استخدم فريق الباحثين برامج النمذجة الحاسوبية لتحديد المورثات والسمات المسؤولة عن أحجام مناقير هذه الطيور وأدمغتها وأطوال عظام الفخذ وغيرها من المتغيرات. بيّنت النتائج أن معدّلات التنوع في الغربان والغربان السحم ازدادت بازدياد تنوّع المواطن التي عاشت فيها والمناخ السائد في هذه المواطن. تكيّفت الأنواع المدروسة بشكل أسرع من أي نوع آخر من طيور ما قبل التاريخ أو الطيور المعاصرة التي تمت مقارنتها فيها.
قال "كارلوس بوتيرو"، عالم الأحياء في جامعة واشنطن سانت لويس والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة في بيان صحفي: "من الضروري عندما نفكّر في عملية التنوّع ألا نأخذ بعين الاعتبار قدرة النوع على الوصول إلى مواطن جديدة فقط بل قدرته على البقاء في هذه المواطن. تشير دراستنا إلى أن الغربان والغربان السحم تنوّعت بسرعة وعلى نطاق واسع لأنها كانت تتمتع بقدرة مميزة على التكيّف في مواطن مختلفة".
يشير مؤلفو الدراسة إلى أن الأسباب الدقيقة لهذه العمليات لا تزال غير معروفة. ومع ذلك، يوفّر ارتفاع نسبة كتلة الدماغ إلى حجم الجسم قدرة أكبر على الابتكار وتعلم سلوكيات جديدة، ما يمكن أن يكون قد ساعد الغربان والغربان السحم على البقاء لفترة أطول في البيئات الجديدة. قد تحتوي الدراسة الجديدة على إجابات حقيقة للُغز غزو الغرابيات للعالم إلى جانب القدرات الجسدية لهذه الطيور، والتي سمحت لها بالوصول إلى مواطن جديدة تسودها بيئات متنوعة.