تتميز سمكة نطاط الطين بمظهر غريب، فهي ذات وجه مخيف، ولها قصة مثيرة للاهتمام. تُعد هذه السمكة من البرمائيات؛ إذ إنها طوّرت خصائص معينة لتضمن بقاءها على قيد الحياة في الماء وعلى اليابسة. كما تمتلك هذه الأسماك عيوناً في الجزء العلوي من رأسها لتوفير رؤية أفضل، وتخزن الماء في خياشيمها لأخذ حاجتها من الأوكسجين من أجل التنفس على اليابسة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن قدرة هذه الأسماك التي تعيش في السهول الطينية على الرَمش تسلط الضوء على تطور أسلاف البشر من العيش في الماء إلى المشي على اليابسة (وفق النظرية العامة لتطور الحياة).
اقرأ أيضاً: توثيق سلوك غريب يتبعه بعض أنواع الأسماك للتخلص من الطفيليات
رمْش العين كدليل تطوري للعيش على اليابسة
كشفت دراسة نُشرت في 24 أبريل/ نيسان في "مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" (Proceedings of the National Academy of Sciences. PNAS) أن سلوك رَمش العين يؤدي العديد من الوظائف المتشابهة لدى هذه الأسماك والإنسان، ويمكن أن يكون جزءاً من مجموعة الصفات التي سمحت لرباعيات الأرجل بالتطور على اليابسة. رباعيات الأرجل هي مجموعة من الحيوانات تشمل البرمائيات والطيور والزواحف والثدييات الموجودة اليوم، تطورت بسرعة لتعيش على اليابسة منذ نحو 375 مليون سنة.
ترمش الحيوانات للحفاظ على رطوبة العينين ونظافتهما ولحمايتهما من التعرض لأي إصابة، وفي بعض الأحيان يكون رَمش العينين أحد أشكال التواصل بين الحيوانات. ترمش عيون البشر والحيوانات الرباعية الأرجل الأخرى باستمرار طوال اليوم، وعلى الرغم من أن هذه الحركة تبدو بسيطة لكنها معقدة للغاية. الغريب في الأمر أن حركة رَمش العين لدى سمكة نطاط الطين تستمر لفترة زمنية مماثلة تقريباً للفترة التي تستمر فيها هذه الحركة لدى الإنسان.
اقرأ أيضاً: ازدياد في أعداد أسماك الجرو أكثر اللافقاريات ندرة في العالم
سمكة نطاط الطين
ويقول المؤلف المشارك وعالم الأحياء بجامعة ولاية بنسلفانيا، توماس ستيوارت (Thomas Stewart) في بيان صحفي: "كانت دراسة تطور هذا السلوك صعبة لأن التغييرات التشريحية التي تسمح برمش العين تكون غالباً في الأنسجة الرخوة التي لا تُحفظ جيداً في السجل الأحفوري. تمنحنا أسماك نطاط الطين التي طورت سلوك الرمش بصورة مستقلة، الفرصة لدراسة كيفية تطور هذه الحركة وأسبابها لدى سمكة حية تغادر الماء بانتظام لقضاء بعض الوقت على اليابسة".
حلل الفريق حركة الرمش باستخدام مقاطع فيديو عالية السرعة لفهم كيفية تطوير سمكة نطاط الطين قدرتها على الرمش على نحوٍ أفضل. وقارنوا البنية التشريحية بين أسماك نطاط الطين وسمكة تنتمي إلى الفصيلة نفسها لكنها تعيش وتنتقل في الماء فقط ولا ترمش. ترمش سمكة نطاط الطين بواسطة عينيها البارزتين أعلى رأسها وتشبهان عينَي الضفدع. عندما تُغطى العينان بغشاء رقيق يسمَّى "الكوب الجلدي"، تسحب السمكة عينيها مؤقتاً إلى الأسفل باتجاه المحجر.
يقول المؤلف المشارك وعالم الأحياء في جامعة سيتون هول (Seton Hall)، بريت آييلو (Brett Aiello) في بيان صحفي: "يبدو أن عملية رَمش العين لدى أسماك نطاط الطين تطورت من خلال إعادة ترتيب موقع العضلات الموجودة لديها وتغيير اتجاه حركتها، بالإضافة إلى تطور نسيج جديد؛ وهو الكوب الجلدي. هذه النتيجة مثيرة للاهتمام لأنها تُظهر إمكانية استخدام نظام بسيط أو أساسي للغاية لتنفيذ هذا السلوك المعقد؛ إذ لم تحتج هذه الأسماك إلى تطوير أجزاء جديدة في أجسامها لتنفيذ هذا السلوك؛ وإنما استخدمت ما تملكه من عضلات وأنسجة بطريقة مختلفة".
لماذا ترمش أسماك نطاط الطين على اليابسة؟
لفهم سبب رَمش أسماك نطاط الطين على اليابسة، درس الفريق الدور الذي تؤديه هذه الحركة لدى الحيوانات الرباعية الأرجل الأخرى. الدموع ضرورية عند البشر للحفاظ على صحة العين ومستوى الأوكسجين في خلاياها، لذلك بحث الفريق لمعرفة ما إذا كانت سمكة نطاط الطين ترمش للحفاظ على ترطيب عينيها عند تعرضها للهواء.
اقرأ أيضاً: آلية مناعية جديدة تُكتَشف في الأسماك الرئوية
يقول آييلو: "وجدنا أن سمكة نطاط الطين ترمش على نحوٍ متكرر عندما تجف عيناها كما هي الحال عند البشر. وما أذهلنا هو أنها تستخدم حركة الرمش لترطيب عينيها على الرغم من أنها لم تطور أي غدد أو قنوات دمعية. بالنسبة إلى البشر، تنتج الغدد الدمعية الموجودة حول العينين وعلى الجفنين الدموع، أما أسماك نطاط الطين فيبدو أنها تستخدم مزيجاً من المخاط الذي يفرزه الجلد والماء الموجود في بيئتها لإنتاج غشاء دمعي يساعد على ترطيب العينين".
وجد الفريق أيضاً أن حركة الرمش لدى أسماك نطاط الطين تنشط لحماية العين من الإصابة، بالإضافة إلى تنظيف العيون من الشوائب المحتملة. وتشير النتائج إلى أن حركة الرمش لدى أسماك نطاط الطين تؤدي 3 وظائف رئيسية: حماية العين وتنظيفها والحفاظ على رطوبتها.
يقول ستيوارت: "بما أن حركة الرمش لدى أسماك نطاط الطين التي تطورت تطوراً مستقلاً تماماً عن أسلاف البشر السمكية، تؤدي العديد من الوظائف الحيوية التي تؤديها هذه الحركة في السلالات الأخرى؛ نعتقد أن هذه الحركة كانت على الأرجح جزءاً من مجموعة الخصائص التي طورتها الكائنات الرباعية الأرجل عندما بدأت في التكيف مع الحياة على اليابسة".