يمكن القول إن فراشة المورفة الزرقاء هي أكثر الحشرات إبهاراً على هذا الكوكب، ويمكن التعرف عليها فور رؤيتها. وهي تمتد بحجم يزيد عن حجم يديك، وتومض أجنحتها بوميض أزرق قزحي لامع جداً بحيث تبدو وكأنها تتوهج.
وبمعنى ما، فإن المورفة الزرقاء تتوهج، ليس عن طريق إطلاق الضوء، ولكن عن طريق عكسه، وذلك بفضل خدعة بصرية تطورت في الفراشات، إلى جانب بعض الحشرات والنباتات والطيور والرخويات الأخرى. ووفقاً لبحث جديد من الأكاديمية الصينية للعلوم، بدأت الفراشات بإظهار هذه الألوان البراقة منذ زمن طويل.
تنتمي المورفة الزرقاء إلى مجموعة تسمى حرشفيات الأجنحة، والتي تشمل الفراشات والعث، وهي معروفة بين الحشرات بأنماط أجنحتها البديعة شديدة التنوع. وتتراوح أشكالها بين الألوان الباهتة والأنماط التي تحاكي العيون وقطرات الماء والأوراق والزنابير وغيرها من الفراشات السامة، وحتى تلك التي تم رسمها بظلال السيلوفان وبقع الزيت. ويريد العلماء أن يعرفوا إلى أي مدى تعود تلك الألوان في الزمن. يقول بو وانج، وهو أحد مؤلفي الدراسة الجديدة، في مجلة "ساينس أدفانسز" في أبريل 2018: "الألوان هي أساس استراتيجيات التواصل المتنوعة. وإذا عرفنا ألوان الحشرات أو الحيوانات الأخرى القديمة، فيمكننا الوصول إلى مزيد من المعلومات حول بيئتها".
وبالعودة إلى اللون الأزرق اللامع لفراشة المورفة، فإن هذا يرجع إلى ما يسمى "اللون الهيكلي". وبدلاً من الصباغ الذي ينثر كيميائياً أطوالاً موجية محددة من الضوء، فإن الألوان الهيكلية هي أنساق فيزيائية بلورية تكسر شعاع الضوء، كما لو كان يمر من خلال منشور. ومع طول موجة أقل من ربع طول موجة الضوء، فإن هذه التراكيب غير مرئية للعين المجردة، وهي مكونة من حزم من المواد عالية الانكسار عديمة اللون، مثل الكولاجين أو الكيراتين أو حتى طبقات من الصباغ مثل الميلانين. في حرشفيات الأجنحة، تُظهر الحراشف الكيتينية القاسية للأجنحة نفسها نتوءات وطبقات معقدة يمكن أن تستحضر ألواناً معدنية زاهية من الضوء. لكن نفس المبدأ يعمل في ريش ذيل الطاووس، وكيس الصفن عند سعدان الفرفت، والقشرة الخضراء اللامعة للخنفساء اليابانية الغازية.
يعمل نيبام باتل، الباحث في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، والذي يدرس كيفية تطور اللون الهيكلي في أجنحة الفراشة الحديثة، على فهرسة التنوع الهائل لهذه التراكيب الأشكال الهائلة. يقول باتل: "قد ييدو المقطع العرضي لحرشفة جناح فراشة المورفة الزرقاء بسيطاً مثل طبقة مسطحة ذات سماكة واحدة، أو شديد التعقيد مثل شكل شجرة عيد الميلاد. أحياناً تحصل على ما يبدو وكأنه حلول معقدة نشأت بشكل مستقل". ومع نفس البنية النانوية التي أبدتها مجموعات بعيدة الصلة، هناك دليل على أن اللون الهيكلي هو أداة مفيدة طورتها حرشفيات الأجنحة مراراً وتكراراً على مدى ملايين السنين.
في الدراسة الجديدة، قام الباحثون بفحص أكثر من 500 عينة من الفراشات، وفي النهاية اختاروا ست عينات تم حفظها بشكل جيد بما يكفي للكشف عن أسرارها. تعود هذه العينات إلى العصر الجوراسي، قبل 200 مليون سنة. وقد تحجرت العينات في الحجر، بينما حفظت إحدى الفراشات البدائية في الكهرمان كما في مسلسل الحديقة الجوراسية. كانت ألوان الأجنحة مختفية، لكن تم الحفاظ على بنيتها النانوية. وقام العلماء بفحص هذه الدعامات تحت مجهر إلكتروني للكشف عن نمطها. كان هناك طبقة دنيا من الحراشف الصغيرة محكمة الترتيب، وطبقة عليا ذات فصوص أكبر مجمعة في نمط متعرج. وتمكّن الباحثون، من خلال النمذجة الحاسوبية لهذه الأنساق، من تحديد كيف كانت تقوم بنثر الضوء، وهذا بدوره يكشف عن اللون الذي كانت تحمله.
في جميع العينات الست، أظهرت الأجنحة انتثاراً واسعاً كان سيظهر كلون بني مصفر فاتح مع لمعان معدني على شكل فقاعات الصابون. بالنسبة للباحثين، فإن اكتشافهم يشير إلى نمط من حراشف الجناح التي كانت جزءاً لا يتجزأ من عائلة حرشفيات الأجنحة منذ أشكالها الأولى. لاحقاً، وخلال العصر الطباشيري، انفجر هذا التكوين الهيكلي المفرد إلى النطاق الكامل الذي ستتطور به في النهاية الفراشات وحشرات العثة ذات ألوان الخداع البصري.
وعلى الرغم من أن جميع العينات الجوراسية تنتمي إلى العائلات والأنواع التي انقرضت منذ فترة طويلة، إلا أن النوع الحي الأكثر قرابة منها هو نوع من العثة البدائية يسمى اليوم مايكروبتيرجيدي. وهي صغيرة وذات فرو، ولها أجنحة ذات لون ذهبي نحاسي مخضر ويمكن وصفه بأنه لون بني أيضاً. بينما فراشة المورفة الزرقاء ليست كذلك. ولكن من هذه البداية المتواضعة، انتشرت الأنماط ثلاثية الألوان والألوان الكثيفة المنتشرة اليوم.