أفاد علماء في دراسة جديدة نُشرت في دورية «بانس» في 15 يونيو/ حزيران الماضي، أن طائر الطنّان قادر على رؤية مجموعةٍ رائعة من الألوان لا تستطيع العين البشرية رؤيتها، أو تبدو مختلفة تماماً. فقد وجد الباحثون، بعد إجراء سلسلة من التجارب شملت استخدام ماء السكّر ومصادر لأضواء معينة مختلفة؛ أن الطيور الطنانة البرية ذات الذيل العريض قادرة على تمييز الألوان التي تنشأ من تمازج مجموعات مختلفة من الأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي. يشير العلماء إلى أن هذه الميزة على الأرجح تساعد الطيور في العثور على الأزهار الغنية بالرحيق.
تقول «ماري كاسويل ستودارد»، عالمة الطيور في جامعة برينستون وأحد المؤلفين المشاركين في الدراسة: «تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن هذه الطيور ترى طيفاً كاملاً من الألوان لا يمكن للبشر رؤيته. نحن البشر محدودون للغاية في قدرتنا على رؤية الألوان وإدراكنا لها، ولكن بإمكاننا وصف قدرة الطيور والحيوانات الأخرى على رؤية ألوانٍ لا نستطيع سوى تخيلها».
يمكن للعين البشرية العادية أن تميز حوالي مليون لون مختلف. تعتمد رؤيتنا للألوان على 3 أنواع من المخاريط (هي خلايا خاصة حساسة للضوء الأحمر والأزرق والأخضر). إلا أن العديد من الطيور والزواحف والأسماك تملك نوعاً إضافياً من المخاريط يمكنه تحسّس الضوء فوق البنفسجي.
تقول ستودارد: «إذا نظر البشر إلى قوس قزح، فإنهم سيرون 7 ألوان، لكن طائر الطنان الذي ينظر إلى نفس قوس قزح سيرى كلّ تلك الألوان بالإضافة إلى الضوء فوق البنفسجي. من الناحية النظرية، ينبغي لهذا المخروط الذي يميز الضوء فوق البنفسجي أن يمنح الطيور القدرة على تمييز طيف آخر من الألوان مقارنة بالإنسان».
أرادت ستودارد وفريقها اسكتشاف أيّ من الألوان «غير الطيفية» التي يمكن للطيور الطنانة تمييزها، والتي يُعرفّوها بأنها الألوان التي تراها الحيوانات بسبب امتلاكها خلايا مخروطية في عيونها قادرة على تمييز فروقاتٍ متباينة جداً من طيف الألوان في نفس الوقت. في الواقع، اللون الوحيد الذي تستطيع العين البشرية رؤيته هو اللون الأرجواني؛ أما اللون البنفسجي الذي نراه في قوس قزح فهو -من الناحية التقنية- درجة من درجات اللون الأزرق.
تقول ستودارد: «عندما نرى اللون الأرجواني، تتحفّز في أعيننا المخاريط الزرقاء والحمراء للعمل معاً كي نراه، ولا تشترك المخارط الخضراء هنا».
تُعدّ طيور الطنان مرشحاً مثالياً لهذا البحث نظراً لأنها مولعة بشدّة بالسّكر، فتنجذب بكشلٍ طبيعي للأزهار الملونة الزاهية بحثاً عن الرحيق الغني بالسكريات. في مختبر «روكي ماونتن» البيولوجي في كولورادو، قام الفريق بإجراء عدة تجارب لإثبات قدرة الطيور على تحديد هدفها، ولاختبار الفرضية القائلة بأن الطيور الطنانة يمكن أن تميز مجموعة متنوعة من الألوان غير الطيفية باستخدام نموذجٍ تجريبي تتدرب فيه الطيور على ربط اللون بمحلول السكر؛ قاموا في كلّ تجربة بإعداد حاملين لتغذية الطيور، يحمل أحدهما محلول السكّر المغذي والآخر مياه عادية. ثم وضعوا بجانب كلّ حامل مصدراً ينبعث منه ضوء مختلف عن الآخر.
في غضون عدّة ساعات، اكتشفت ستودارد وفريقها أن الطيور الطنانة أصبحت قادرة على تمييز الحامل الذي يحتوي محلول السكر من خلال إقران اللون مع وجود المحلول المغذي، وأصبحت تذهب إلى هذا الحامل مباشرة في النهاية دون التوجّه إلى الحامل الآخر الذي يحوي الماء العادي.
وللتأكد من أن الطيور لم تكن تعتمد على ذاكرتها أو رائحة المادة المغذية لتمييز موقع المادة المغذية، قام الباحثون بتبديل موقع الحوامل والأضواء دورياً. وعندما كرروا التجربة باستخدام مصدريين للضوء ينبعث منهما نفس اللون، كانت الطيور أقلّ عرضة لاختيار الحامل الذي يحوي المحلول المغذي. هذا يثبت أن الطيور لم تكن تعتمد على الرائحة أو أيّ مؤشرٍ آخر للعثور على محلول السكر.
أجرى الباحثون 19 تجربة خلال 3 سنوات متتالية في فصل الربيع وفي نفس الموقع تحديداً لاختبار قدرة الطيور على التمييز بين مجموعة متنوعة من أزواج الألوان. وجدوا أن الطيور يمكنها بسهولة إدراك ألوان الطيف المرئي مثل اللون الأحمر والأشعة فوق البنفسجية النقية، بالإضافة إلى مزيج مختلف من الأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي، مثل الأشعة فوق البنفسجية الممزوجة بالأحمر. وقد وجدوا أن الطيور قادرة حتى على تمييز أي لونين مركبين من مزيج مختلف من الضوء الأحمر والأشعة فوق البنفسجية.
تقول ستودارد: «كنت متحمسة للغاية لرؤية هذه الطيور بنفسي تتعلّم التمييز بين لونين يُعدان متطابقين بالنسبة لي. لقد عرف العلماء منذ زمنٍ طويل أن الطيور قادرة على رؤية الضوء فوق البنفسجي، لذلك لم نتفاجأ بقدرة الطيور على إدراك أنّ مزيج اللون الأخضر والضوء فوق البنفسجي مختلف عن اللون الأخضر وحده. لكن المثير في الأمر أننا أثبتنا أن الطيور البرية قادرة على التعرف على ألوان المختلفة، وبالتالي كشفت لنا كيف يبدو عالمها الذي تراه».
من المحتمل أن الطيور ترى عالماً مليئاً بالعديد من الألوان أكثر مما يراه البشر، مما يجعلها ترى الريش والنباتات بشكلٍ مختلف عما نراه. يمكننا فقط التكهن كيف سيكون أثر ميزة إدراك الطيور لبعدٍ إضافي من الألوان. تقول ستودارد: «قد يكون ذلك مشابهاً للاختلاف الهائل الذي يراه معظم البشر بين التلفزيون الأبيض والأسود، والتلفزيون الملون. قد تكون قدرة الطيور على رؤية هذا البعد اللوني الإضافي مثيرة للاهتمام جداً بالنسبة لنا، إلا أن ذلك قد لا يكون مهماً للطيور نفسها، ففي النهاية، هذه طبيعتهم».
وتضيف ستودارد: «ربما لا تهتم الطيور بمنشأ الألوان التي تراها، ولكنها قد تهتم أكثر بما تخبرها تلك الألوان عن الطعام أو وجود رفيقٍ محتمل، أو حتى الهروب من حيوانٍ مفترس».