قد تكون الطيور التي تغرد بصوت عالٍ على نافذتك قبل ساعة من رنين المنبه مزعجاً، ولكن كيف تعلّم أن يغرد بهذه الطريقة؟ وبشكل أكثر تحديداً، كيف تعلّم أن يغني تلك الأغنية الخاصة وهو محاط بجوقة من الأصوات المغردة؟ لسنوات طويلة، كان العلماء يتساءلون إذا كانت الطيور تعرف منذ فقسها تغريدها المميز، أو أنها تتعلمه كسلوك مكتسب بالتدريب المتواصل مع الوقت. ويبدو أن الاحتمال الأول هو الأصح. ففي دراسة نشرت في يونيو 2017 في "مجلة الطبيعة - علم البيئة والتطور"، وجد علماء البيئة أنه حتى لو تمت تربية فراخ صغيرة من نوع معين في أعشاش طيور من نوع آخر، فإن الفراخ سوف تظل تستجيب بقوة أكبر إلى الأغاني الخاصة بأنواعها. حيث تم تحديد النكهة الخاصة بكل صوت من أغاني الطيور -جزئياً على الأقل- من خلال علم الوراثة.
وتزخر شبكة الإنترنت بأمثلة عن حيوانات استطاعت تعلّم سلوكيات معينة. ومن أمثلة ذلك، القطط التي تتصرف كالأرانب، والبطات التي تتصرف كالقطط أو الكلاب. ولكن في بعض الحالات، فإن الطبع يغلب التطبّع.
وقد قام الباحثون في هذه الدراسة بفحص خطاف الذباب الملون، وخطاف الذباب الأبقع، وهما طائران يعيشان على نفس الجزيرة في بحر البلطيق. وكان الباحثون يعرفون أن الفراخ الصغيرة في كل نوع ستبدأ الاستجابة الملموسة للأغاني الخاصة بنوع كل منها بعد مرور 10 أيام على فقسها.
وكان علماء البيئة يريدون أن يعرفوا إذا ما كان تبديل البيض في العش، بحيث يقوم كل نوع بتربية فراخ النوع الآخر، سيؤثر في استجابة الطيور إلى الأغاني. أو بمعنى آخر، هل يمكن خداع الفراخ الصغيرة بتعليمها تغريداً مختلفاً كلياً عن الذي سمعته أثناء فقسها؟
ولكن الطيور لم تنخدع بهذا التبديل. فقد استجابت فراخ خطاف الذباب المطوّق بقوة أكبر إلى تسجيلات صوتية خاصة بطيور بالغة من خطاف الذباب المطوق، فاتحةً مناقيرها الصغيرة، لتلتفت باحثة عن مصدر الصوت. بينما تجاهلت تماماً الأغاني الخاصة بخطاف الذباب الأبقع. كما تصرفت فراخ خطاف الذباب الأبقع التي تربيها طيور خطاف الذباب المطوّق بطريقة مشابهة.
ثم أخذ الباحثون خطوة أخرى متقدمة، حيث قاموا بعمل تهجين بين النوعين. ووجدوا أن الفراخ الناتجة عن التهجين استجابت بشكل أفضل بكثير لأغاني خطاف الذباب الأبقع. وهو ما يشير إلى وجود عنصر وراثي وراء تفضيل هذه الأغاني.
يقول ديفيد ويتكروفت المؤلف المشارك في الدراسة في تصريح له: "إن الاختلافات في أغاني أنواع الطيور تعد أمراً حيوياً لها في اختيار شركاء التزاوج، ولإنجاز التفاعلات الاجتماعية المعقدة. ويساعد الأساس الجيني لتمييز الأغاني خلال المراحل المبكرة من حياة الطيور في تفسير كيفية الحفاظ على هذه الاختلافات في الأغاني في عالم صاخب ومتنوع". فالعالم يزداد صخباً مع مرور الزمن. وبالإضافة إلى الأغاني المتنافسة، فإن على الطيور أن تكافح وتتكيف في أغانيها مع أشكال الضجيج البشري، مثل الزحام.