8 كائنات صغيرة ستجعلك تحلم بالمحيط

5 دقائق
معلمي الأخطبوط
حقوق الصورة: كريغ فوستر وروس فرايلينك.

هذه المقالة بما تحتويه من صور مأخوذة من كتاب «البرية تحت المائية» من تأليف «كريغ فوستر» و«روس فرايلينك».

كنا نغوص في المياه الضحلة خلال المد والجزر في فصل الربيع، ونرفع الصخور بحذر لنرى ما يكمن تحتها. وجدنا تحت كل صخرة مجموعة من الكائنات الحية الصغيرة المتنوعة بشكل مذهل، ومنها الديدان المتوهجة، ومصاصات الصخور الصغيرة، و«عاريات الخيشوم» ذات الألوان الزاهية، وهي نوع من الرخويات البحرية. أظهر لي «كريغ» أيضاً كيف يمكن تتبع الحيوانات من خلال كتل بيوضها. باستخدام أرنب البحر كمثال، أوضح لي كيف تكون هذه الحيوانات الناعمة الإسفنجية التي تبدو مثل الرخويات المضيئة قريبة دائماً من بيوضها. كلما رأينا كتلة صفراء متوهجة من البيوض، سنجد بعدها بقليل أحد الوالدين يختبئ في مكان قريب.

كان الأمر الأكثر إثارة بالنسبة لي هو افتتان كريغ بهذه الحيوانات التي تبدو لا قيمة لها. عندما سألته عن ذلك، أخبرني أنه يعتبرها أكثر إثارة للإهتمام من أسماك القرش والحيتان. بالنسبة لشخص قضى وقتاً طويلاً مع بعض أكبر الحيوانات المفترسة في البحر، كانت هذه قناعة غريبة للغاية. كنت متشككاً إلى حد ما ولا يسعني إلا أن أتساءل عما إذا كان يعني حقاً ما كان يقوله.

جلسنا بهدوء على الصخور معاً، وبدأنا أيضاً في مراقبة سلوك الحيوانات المثير للاهتمام في البرك. شاهدنا شقائق النعمان البحرية تشن حرباً بطيئة الحركة، وتضرب بعضها البعض بخلايا لاسعة سامة. في إحدى المرات، راقبنا نجماً بحرياً كبيراً يزحف فوق صخرة، ويطارد حلزونات «نُهيد البحر». عندما وصلت الحلزونات إلى حافة الصخرة، قفزت إلى الهاوية بدلاً من الانزلاق فوق الحافة. تركت آثارها في الرمال وسقطت في الماء وهبطت أخيراً بأمان على الأرضية الرملية. لأن نجم البحر لديه أقدام لزجة، فإنه لا يستطيع تحرير نفسه والقفز مثل الحلزونات، لذلك فازت هذه الأخيرة بهذه الجولة.

معلمي الأخطبوط
بإذن من دار «مارينر بوكس» للنشر.

اعتقدنا أن المطاردة قد انتهت، ثم لاحظنا أن حلزوناً صغيراً قد سقط على ظهره في الرمال، ولم ينفعه تحريك قدمه المقلوبة في تعديل وضعيته. تحرك نجم البحر الضخم بشكل ينذر بالسوء أسفل الصخرة متجهاً نحو الحلزون المحاصر. كنا نظن أن الحلزون سيُلتهم لا محالة، ولكن حدث أمر مذهل بعد ذلك: استدار حلزون آخر أكبر حجماً، وسمح للصغير بالإمساك بقوقعته لإيصاله إلى بر الأمان.

أدرك نجم البحر أنه لا يستطيع التفوق على الحلزونات، لذلك وجّه انتباهه إلى قنفذ بحر ساكن قريب، والذي كان قد غطى نفسه بصدفة فارغة. مد نجم البحر ذراعه على ظهر القنفذ بقصد القتل. تشبثت قدمه اللزجة بالصدفة الواقية، وأزالتها عن ظهر القنفذ، مانحاً القنفذ القليل من الوقت ليهرب. لم يكن القنفذ محظوظاً جداً بخسارته للغطاء الواقي. أحكم نجم البحر عليه بسهولة، وأبرز معدته للخارج، وبدأ ببطء عملية هضم القنفذ الخارجية.

كانت «البرامج الواقعية» الصغيرة التي شاهدناها في الطبيعة تحتوي على كل الدراما التي يمكن أن تشهدها في مطاردة الأسود لفرائسها، ولكن بشكل أبطأ. كان الأمر أشبه بمشاهدة نسخة تخديريّة من فيلم «حرب النجوم» في وعاء من ماء البحر. بعد يوم من التجول والمشاهدة واللعب والتعقب، تعرّضنا لرياح قوية وشعرنا بالتعب، ولكننا كنا نشعر بالسلام أيضاً. يبدو أن سر الوصول إلى هذه الحالة هو عدم تحديد هدف لتجوالنا خلال اليوم.

فكرت قليلاً في العشوائية وكيف أن اللعب بطبيعته هو نشاط بلا هدف. بمشاهدة هذه المخلوقات الصغيرة تبحث عن وجباتها التالية، بدأت أرى أن الطبيعة لها جانب مرح. بدأت أفكر أنه إذا كان لدينا جميعاً نفس السلوك المرح غير الهادف، فسنكون أكثر انسجاماً مع قناعات كريغ.

معلمي الأخطبوط
لقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى بدأت في فهم دورة الحياة الغريبة للبطلينوس. يفقد هذا الحيوان الحاجة لقوقعته ببطء مع الوقت. تتموضع القشرة مثل السرج الصغير على ظهره، مما يوفر له الحد الأدنى من الحماية من مصاصات الصخور والأخطبوطات. لذلك يختبئ البطلينوس تحت الرمال والصخور لحماية نفسه، ويُخرج جزءاً صغيراً من قدمه اللزجة إلى الماء لالتقاط القطع العائمة من الأعشاب البحرية التي يتغذى عليها. حقوق الصورة: كريغ فوستر وروس فرايلينك.
معلمي الأخطبوط
كانت هذه بعض الآثار البحرية الأولى التي رأيتها: آثار حلزونات نُهيد البحر. تترك معظم هذه الحلزونات البحرية آثاراً غير مرئية من المخاط اللزج أثناء انتقالها فوق الصخر. تعلق الجزيئات الدقيقة من الرمل على المخاط وتكشف عن الآثار المخفية. يستخدم البطلينوس هذه المسارات ليجد طريقه إلى المنزل. لقد تعلمت تحديد نوع الحلزونات من خلال عرض الآثار التي تتركها ونمط حركتها. حقوق الصورة: كريغ فوستر وروس فرايلينك.
معلمي الأخطبوط
في إحدى الغطسات، وجدت سمكة قرش قِطّية مخططة في كهف صغير. الغريب هو وجود شريط من الرمل فوق رأس هذه السمكة. عندما راجعت صورة لهذا الحيوان، أدركت أن خط الرمال كان في الواقع أثراً لحيوان آخر، هذا الحيوان هو من الرخويات. تترك هذه الرخويات آثاراً من المخاط أينما ذهبت، وتلتصق بها جزيئات الرمل الدقيقة في الماء. يكشف تفحّص عرض الآثار وموقعها عن ثروة من المعلومات حول الرخويات وسمك القرش، مثل سبب سكونها داخل الكهف ومدة نومها. حقوق الصورة: كريغ فوستر وروس فرايلينك.
معلمي الأخطبوط
أمضيت مئات الساعات في المشي على الساحل لأتعلم تتبع الآثار، غالباً بمفردي وأحياناً مع روس. أذهلني الأثر الموجود في الصور أعلاه لأسابيع. في النهاية، أدركت أنه قد تركته نبتة بحرية تسمى «العشب البحري الحمضي». تُخزن هذه الأعشاب البحرية حامض الكبريتيك في خلاياها، على الأرجح لردع الحيوانات العاشبة مثل قنافذ البحر والقواقع البحرية. تمزّق الأمواج الكبيرة هذه الأعشاب وتدفع بها إلى الشاطئ. عند تعرضها للهواء، تطلق الأعشاب البحرية حامض الكبريتيك وتطبع نسخة طبق الأصل من نفسها في الطحالب التي تنمو على الصخور. الأثر المرئي هنا واضح جداً لأن عمره حوالي يوم واحد. سيتلاشى خلال أسبوعين مع نمو الطحالب ببطء مجدداً. حقوق الصورة: كريغ فوستر وروس فرايلينك.
معلمي الأخطبوط
ينتظر بطلينوس المصيدة ليمسك بأعشاب البحر السرخسية بينما يحركها الماء تحته. حقوق الصورة: كريغ فوستر و روس فرايلينك.
معلمي الأخطبوط
اقتربت من هذا الراي اللاسع العملاق بحذر، وتقصّدت أن أجعله يلاحظ أني مرتاح. لاحظت وجود آثار تركتها رخويات مختلفة في طبقة الرمل الدقيقة على أجنحته. ساعدتني هذه الآثار في تقدير المدة التي قضاها الراي على الرمال، وهي ساعة واحدة على الأقل. كان هذا جزءاً من اللغز الكبير الخاص بطريقة تتبع الآثار تحت الماء التي كنت أبتكرها، وهي طريقة لفهم التعقيد الهائل للغابات البحرية. حقوق الصورة: كريغ فوستر وروس فرايلينك.
معلمي الأخطبوط
من الشائع جداً رؤية آثار للقاء بين ثعالب الماء وسمك القرش. عادة ما يكون الضحية هي «القرش الخجول» الداكن، وغالباً ما يتم تناول دماغه وأعضائه، وخاصة الكبد الغني بالمغذيات، بينما يُترك اللحم والجسم الغنيان بالأمونيا لنوارس عشب البحر. كان صديقنا «بيبا» محظوظاً بما يكفي لتصوير ثعلبي ماء في سن المراهقة يتشاركان وجبة من سمك القرش. بشكل غير عادي، أكل هذان الصغيران معظم لحم سمك القرش أيضاً بعد تناول الأعضاء أولاً. حقوق الصورة: كريغ فوستر وروس فرايلينك.
معلمي الأخطبوط
كانت إحدى تجارب التتبع الأكثر إثارة للاهتمام التي قمت بها تتضمن ثعالب الماء على شاطئ صخري بعيد. لمسافة 50 متراً، تتبعت مجموعة من أغرب الآثار التي رأيتها على الإطلاق. بدا الأمر كما لو أن فناناً قد رسم آثار أقدام مثالية لثعالب الماء باللون الأسود على الصخور. فجأة انقطعت الآثار عند بقعة كبيرة من الحبر الأسود. ظننت أن ثعلب الماء خرج من الماء وفي فمه إما أخطبوط أو حبار، ثم أكل فريسته وغمس أقدامه في الحبر وبدأ بالمشي طابعاً آثار مثالية على الصخور الملساء. بحثت تحت الصخور بالقرب من موقع البقعة ووجدت عظمة حبار تحتوي على علامات أسنان ثعلب الماء فيها، وكانت هذه هي القطعة الأخيرة من لغز التتبع الرائع هذا. حقوق الصورة: كريغ فوستر وروس فرايلينك.

المحتوى محمي