هذه المقالة بما تحتويه من صور مأخوذة من كتاب «البرية تحت المائية» من تأليف «كريغ فوستر» و«روس فرايلينك».
كنا نغوص في المياه الضحلة خلال المد والجزر في فصل الربيع، ونرفع الصخور بحذر لنرى ما يكمن تحتها. وجدنا تحت كل صخرة مجموعة من الكائنات الحية الصغيرة المتنوعة بشكل مذهل، ومنها الديدان المتوهجة، ومصاصات الصخور الصغيرة، و«عاريات الخيشوم» ذات الألوان الزاهية، وهي نوع من الرخويات البحرية. أظهر لي «كريغ» أيضاً كيف يمكن تتبع الحيوانات من خلال كتل بيوضها. باستخدام أرنب البحر كمثال، أوضح لي كيف تكون هذه الحيوانات الناعمة الإسفنجية التي تبدو مثل الرخويات المضيئة قريبة دائماً من بيوضها. كلما رأينا كتلة صفراء متوهجة من البيوض، سنجد بعدها بقليل أحد الوالدين يختبئ في مكان قريب.
كان الأمر الأكثر إثارة بالنسبة لي هو افتتان كريغ بهذه الحيوانات التي تبدو لا قيمة لها. عندما سألته عن ذلك، أخبرني أنه يعتبرها أكثر إثارة للإهتمام من أسماك القرش والحيتان. بالنسبة لشخص قضى وقتاً طويلاً مع بعض أكبر الحيوانات المفترسة في البحر، كانت هذه قناعة غريبة للغاية. كنت متشككاً إلى حد ما ولا يسعني إلا أن أتساءل عما إذا كان يعني حقاً ما كان يقوله.
جلسنا بهدوء على الصخور معاً، وبدأنا أيضاً في مراقبة سلوك الحيوانات المثير للاهتمام في البرك. شاهدنا شقائق النعمان البحرية تشن حرباً بطيئة الحركة، وتضرب بعضها البعض بخلايا لاسعة سامة. في إحدى المرات، راقبنا نجماً بحرياً كبيراً يزحف فوق صخرة، ويطارد حلزونات «نُهيد البحر». عندما وصلت الحلزونات إلى حافة الصخرة، قفزت إلى الهاوية بدلاً من الانزلاق فوق الحافة. تركت آثارها في الرمال وسقطت في الماء وهبطت أخيراً بأمان على الأرضية الرملية. لأن نجم البحر لديه أقدام لزجة، فإنه لا يستطيع تحرير نفسه والقفز مثل الحلزونات، لذلك فازت هذه الأخيرة بهذه الجولة.
اعتقدنا أن المطاردة قد انتهت، ثم لاحظنا أن حلزوناً صغيراً قد سقط على ظهره في الرمال، ولم ينفعه تحريك قدمه المقلوبة في تعديل وضعيته. تحرك نجم البحر الضخم بشكل ينذر بالسوء أسفل الصخرة متجهاً نحو الحلزون المحاصر. كنا نظن أن الحلزون سيُلتهم لا محالة، ولكن حدث أمر مذهل بعد ذلك: استدار حلزون آخر أكبر حجماً، وسمح للصغير بالإمساك بقوقعته لإيصاله إلى بر الأمان.
أدرك نجم البحر أنه لا يستطيع التفوق على الحلزونات، لذلك وجّه انتباهه إلى قنفذ بحر ساكن قريب، والذي كان قد غطى نفسه بصدفة فارغة. مد نجم البحر ذراعه على ظهر القنفذ بقصد القتل. تشبثت قدمه اللزجة بالصدفة الواقية، وأزالتها عن ظهر القنفذ، مانحاً القنفذ القليل من الوقت ليهرب. لم يكن القنفذ محظوظاً جداً بخسارته للغطاء الواقي. أحكم نجم البحر عليه بسهولة، وأبرز معدته للخارج، وبدأ ببطء عملية هضم القنفذ الخارجية.
كانت «البرامج الواقعية» الصغيرة التي شاهدناها في الطبيعة تحتوي على كل الدراما التي يمكن أن تشهدها في مطاردة الأسود لفرائسها، ولكن بشكل أبطأ. كان الأمر أشبه بمشاهدة نسخة تخديريّة من فيلم «حرب النجوم» في وعاء من ماء البحر. بعد يوم من التجول والمشاهدة واللعب والتعقب، تعرّضنا لرياح قوية وشعرنا بالتعب، ولكننا كنا نشعر بالسلام أيضاً. يبدو أن سر الوصول إلى هذه الحالة هو عدم تحديد هدف لتجوالنا خلال اليوم.
فكرت قليلاً في العشوائية وكيف أن اللعب بطبيعته هو نشاط بلا هدف. بمشاهدة هذه المخلوقات الصغيرة تبحث عن وجباتها التالية، بدأت أرى أن الطبيعة لها جانب مرح. بدأت أفكر أنه إذا كان لدينا جميعاً نفس السلوك المرح غير الهادف، فسنكون أكثر انسجاماً مع قناعات كريغ.