خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، تهاجر مئات الملايين من الطيور عبر الولايات المتحدة القارية تجاه الجنوب إلى مناطق التعشيش الشتوية. ستقطع بعض الطيور المهاجرة المكسيك من الشمال إلى الجنوب، بينما سيعبر بعضها الآخر خليج المكسيك للوصول إلى أميركا الجنوبية.
تهاجر معظم الطيور خلال الليل، وتكون غير مرئية بالنسبة لنا. يحوّل برنامج الوقت الفعلي بيرد كاست (BirdCast) الذي طوّره علماء الطيور من جامعة ولاية كولورادو وجامعة كورنيل البيانات المتعلقة بهجرة الطيور إلى خرائط يمكنك الاطلاع عليها للتعلم عن هذا الحدث الموسمي المذهل.
اقرأ أيضاً: شاهد هذه الخريطة التفاعلية التي تنقل تفاصيل مذهلة لهجرة الطيور
يستخدم هذا البرنامج مزيجاً من البيانات التي تم تجميعها باستخدام رادار محطات الطقس التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (والذي يتحسس الخفافيش والطيور وتفريخ ذباب مايو، بالإضافة إلى الكتل الترابية) وبيانات توقّعات الطقس الفيدرالية للتنبؤ بمسارات الهجرة الكبيرة. يقول كايل هورتون (Kyle Horton)، عالم الطيور في جامعة ولاية كولورادو وأحد مطوري برنامج بيرد كاست: "عموماً، تتحرك الطيور المغرّدة في تشكيلات عريضة للغاية". يستطيع الرادار تحديد مواقع أسراب الطيور الفردية وهي تنطلق من مجاثمها. ولكن من وجهة نظر قارية، "يمكننا رؤية الطيور تنطلق من أي مكان باستثناء المسطحات المائية الكبيرة"، حسب تعبير هورتن.
من خلال مقارنة البيانات المتعلقة بالظروف التي هاجرت فيها الطيور من قبل، يبين برنامج بيرد كاست المساحات الواسعة من أميركا الشمالية التي سمحت فيها الرياح والأمطار ودرجات الحرارة لملايين الطيور بالتوجه جنوباً في جماعات كبيرة.
كيف يتعقّب هذا البرنامج الطيور؟
يوّفر برنامج بيرد كاست نظرة على الهجرات الخريفية والربيعية السابقة بالإضافة إلى أدوات يتم تحديثها لحظياً تتنبأ بالهجرات المستقبلية.
تمنحك الخريطة الحية معلومات ليلية عن عدد الطيور التي تحلق عبر البلاد والنقاط التي تتوجه إليها. وتعود هذا المعلومات حتى إلى ربيع عام 2018. (ترمز الألوان الأكثر سطوعاً والأقرب للأحمر في الخريطة إلى المناطق التي تحتوي على عدد أكبر من الطيور). تتيح لك هذه الخريطة أيضاً مقارنة تاريخ محدد برحلات الطيور الليلية في السنوات السابقة. كما أنها تبين لك الفترة التي ستصل هجرة الطيور فيها إلى ذروتها في منطقتك.
اقرأ أيضاً: روبوت بسيط يمكنه حل لغز هجرة الطيور ليلاً عن طريق مراقبة القمر
ينصحك مطورو البرنامج بالاطلاع أولاً على خرائط توقّعات الهجرة التي تغطي الأيام الثلاث القادمة. توفّر هذه الخرائط نظرة شاملة على مستوى البلاد لمواقع الهجرة الكبيرة المتوقّعة على مدار الـ 72 ساعة التالية، والتي تنطلق منها الطيور بعد بضع ساعات من غروب الشمس.
يقول ميكو جيمينيز (Mikko Jimenez)، طالب في مرحلة الدكتوراة في مختبر هورتون: "إن قدرتنا على معرفة أن ملايين الطيور حلّقت فوق ولاية معينة في إحدى الليالي هو أمر رائع للغاية". هذه المعلومات ليست مفيدة فقط بالنسبة لعلماء الطيور وهواة مراقبتها، بل إنها تساعد في شرح فكرة هجرة الطيور بالنسبة لعوام الناس. فعلى سبيل المثال، استخدمت محطة فوكس 10 الإخبارية في مدينة فينيكس مؤخراً بيانات برنامج بيرد كاست لعرض مسارات هجرة الطيور جنباً إلى جنب مع توقّعات الطقس.
بعد ذلك، يمكنك اختيار ولايتك أو بلدك من لوحة معلومات الهجرة. تبيّن لك هذه الأداة عدد الطيور التي عبرت بلداً ما في الليلة السابقة بناءً على قراءات الرادار، وعدد الطيور التي كانت تحلّق في أكثر الليالي ازدحاماً. وإذا رغبت بمعرفة الأنواع المحددة من الطيور التي قد تحلق فوق المنطقة التي تعيش فيها، تتضمن لوحة المعلومات هذه قاعدة بيانات إي بيرد (eBird) التابعة لجامعة كورنيل، والتي تلخص لك مشاهدات الطيور التي تكررت في الفترات نفسها خلال السنوات الماضية.
اقرأ أيضاً: سلسلة الشتاء: الهجرة أو كيف تنجو الطيور من برد الشتاء
كيف تساعد هذه الخريطة في الحفاظ على الطيور؟
يقول جيمينيز، والذي تركّز الأبحاث التي يقوم بها على الطرق التي يمكن أن يساعد فيها مشروع بيرد كاست في حماية أسراب الطيور المهاجرة، إنه يتم استخدام هذه البيانات من قبل المجموعات المعنية بالحفاظ على البيئة لإقامة حملات تهدف للتقليل من التلوث الضوئي الذي يضر بالطيور. يتسبب الضوء الاصطناعي بارتباك الطيور التي تسافر ليلاً، وخصوصاً الضوء المنبعث من المباني الزجاجية والذي يمكن أن يتسبب بموت آلاف الطيور المغردة في ليلة واحدة.
يقول جيمينيز: "يمكننا إجراء حملات تهدف لإيقاف تشغيل الأضواء خلال الليالي التي تهاجر فيها أعداد كبيرة من الطيور. وأعتقد أن الحملات تصنع فرقاً كبيراً". شكّل مشروع بيرد كاست شراكات مع المنظّمات المحلية غير الربحية عبر الولايات المتحدة، مثل منظّمة لايتس آوت تكساس (Lights Out Texas)، والتي أقنعت إدارات عشرات المباني في مدن مثل دالاس وهيوستن وفورت وورث بإيقاف تشغيل الأضواء في ليال هجرة الطيور الكبيرة.
على الرغم من أن ناطحات السحاب والمباني العاكسة الكبيرة الأخرى تمثّل الخطر الأكبر على الطيور المهاجرة، بيّنت أبحاث حديثة أنه حتى إيقاف تشغيل أضواء بعض المنشآت الصغيرة يقلل بشكل ملحوظ من عدد الطيور الميتة. إذا علمت من موقع بيرد كاست أن منطقتك ستشهد هجرة أعداد كبيرة من الطيور في ليلة معينة، يمكنك أن تساعد من خلال إيقاف تشغيل أضواء منزلك الخارجية. يقول جيمينيز: "الإجراءات الفردية مهمة للغاية على المستوى المحلي"،
يقول هورتون: "إن حل مشكلة التلوث الضوئي بسيط. وإذا قمنا بإجراء ما في ليلة معينة، سنلاحظ تأثيراً مباشراً".
اقرأ أيضاً: علماء يتجسسون على الطيور المهاجرة باستخدام تلسكوب فضائي أثناء نومك
كيف يمكنك مراقبة هجرة الطيور عن قرب؟
يقول جيمينيز إن موقع بيرد كاست يساعدك على مشاهدة الهجرات الخريفية والربيعية المثيرة للطيور سواءً كنت من محبي مراقبة الطيور أو لا.
إن سفر الطيور في الليل لا يعني أنك لن تتمكن من رؤيتها. يقول جيمينيز: "يمكنني أن أسمع أصوات الطيور المهاجرة فوق منزلي في مدينة بروكلن". فكّر في الأمر على أنه مثل تساقط الشهب، ولكن بدلاً من النظر إلى السماء، ستحاول الاستماع للزقزقة الخفيفة وعالية النبرة التي تصدرها أسراب الطيور في أثناء طيرانها.
اقرأ أيضاً: ما هو الهدف من مشروع إيكاروس لإنشاء خريطة حية لحيوانات الأرض؟
يقول جيمينيز: "يمكنك أيضاً أن ترى آثار مرور الطيور إذا ذهبت إلى متنزه محلي"، حيث يمكن أن تتوقف الطيور قبل الإقلاع مجدداً في مساء اليوم التالي. يضيف جيمينيز قائلاً: "ستشعر بأن الطيور مرّت من هذا المكان".
قد تظهر لك الخرائط أيضاً أن الطيور المهاجرة تعتمد على المواطن القريبة منك أكثر مما كنت تتوقّع على الأرجح. يقول جيمينيز: "أعتقد أن هجرة الطيور من المواضيع المتعلقة بالحفاظ على البيئة الرائعة. وذلك لأن الكثير من المشكلات المتعلقة بالحفاظ على البيئة تخص مناطق بعيدة"، ويضيف: "أمّا هجرة الطيور فهي تخص حيوانات تطير فوق منازلنا ومددنا ومناطقنا الريفية. ويؤدي كل منا دوراً في هذه الظاهرة".