منذ 165 مليون سنة، كانت الديناصورات تهيمن على البر والبحر والجو، فقد كان البراكيوسوروس طويل العنق يتنقل في الأرجاء ببطء، مشرفاً على غيره من المخلوقات من ارتفاع مبنى بأربعة طوابق، كما كان التيرانوسوروس ريكس (أشهر أنواع الديناصورات المفترسة) يطارد فرائسه مسلحاً بأسنان تتراوح بين 50 و60 سناً يصل كل منها إلى حجم الموزة. أما الموساسور فقد كان يمتد بطول حوالي 17 متراً من الخطم إلى الذيل، مرعباً البحار، وملتهماً كل ما يجده في طريقه.
ولكن منذ 66 مليون سنة، تعرَّض مناخ العالم إلى تغير جذري. كانت الديناصورات مزدهرة في ظل الحرارة الدافئة والطقس المعتدل لحقبة الحياة الوسطى، ولكن الأرض أصبحت أكثر برودة وظلمة إلى حد كبير، وبشكل مفاجئ. فماتت النباتات وأصبح الطعام نادراً، وهكذا انقرضت جميع الديناصورات -باستثناء أسلاف الطيور الحديثة- وثلاثة أرباع مخلوقات الأرض الأخرى.
وما زال العلماء في جدل مستمر حتى اليوم حول سبب هذا التغير المفاجئ، والنظريات الأكثر انتشاراً تتضمن ضربة كويكب، وثوران بركان عملاق.
وتبدأ كلتا النظريتين بمعدن نادر يسمى الإيريديوم، هذا العنصر شديد الندرة على سطح الأرض، ولكنه موجود في النواة السائلة للأرض وفي الصخور الفضائية مثل الكويكبات. وفي الصخور الموجودة تحت البحار والقارات، توجد طبقة رقيقة من الإيريديوم ضمن ما يسميه الجيولوجيون حد الطباشيري - الباليوجين، أي المكان الذي يحتوي دلائل على حدث انقراض شامل ضمن السجل الجيولوجي.
وبعد اكتشاف العلماء لهذه الطبقة، توقعوا أن كويكباً بحجم 9.6 كيلومتر قد ضرب الأرض منذ حوالي 66 مليون سنة. وكانت قوة الضربة مكافئة لعشرة مليارات قنبلة ذرية، وكانت ستكفي لقذف غيوم هائلة من غبار وحطام الإيريديوم إلى الهواء، وحجب ضوء الشمس لسنوات.
وقد اكتشف العلماء حفرة هائلة في شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، ومن المحتمل أنها في المكان المناسب تماماً لإحداث أكبر قدر من الدمار، حيث إن الصخور فيها ربما كانت غنية إلى حد كبير بثنائي أكسيد الكربون والكبريت أو الهيدروكربونات، وجميعها يمكن أن تُطلق في الهواء إثر الصدمة، وتساهم في النقلة المناخية السريعة. وهذه الحفرة تعود أيضاً إلى فترة ما قبل 66 مليون سنة تقريباً، وقد وجد العلماء بعض الأدلة الغريبة في الطبقات القديمة، مثل الكوارتز المصدوم (وهو نوع من الصخور يبدو كأن موجة صدمة هائلة أعادت ترتيب بلوراته)، وسخام يشير إلى انتشار الحرائق في البراري، وكرات زجاجية الطابع تبدو كأنها صخور مذابة ومتبرِّدة.
ويعتقد الكثير من العلماء أن هذه الكرة النارية الملتهبة كانت إشارة نهاية عصر الديناصورات، غير أن هذا لم يقنع الجميع؛ حيث يقول البعض إن طبقة الإيريديوم والأدلة الصخرية الغريبة قد تشير أيضاً إلى نشاط بركاني.
وقد هاجت البراكين في الأربعين مليون سنة الأخيرة من عصر الديناصورات، ففي المنطقة التي تحولت حالياً إلى غرب الهند، كانت تلك الأقماع العملاقة تتقيأ الحمم من وشاح الأرض، وتنفث معها الغبار والرماد. وقد استنتج العلماء أن ملايين السنوات من الثورانات البركانية قد أطلقت في الهواء من الحطام والغبار ما يحتمل أنه كان كافياً لحجب الشمس. كما يمكن أن تكون البراكين هي سبب استجرار الإيريديوم من أعماق الأرض إلى حيث هو موجود حالياً في تلك الطبقة الرقيقة ضمن القشرة.
يقول بعض العلماء إنه من غير الممكن أن تكون البراكين كافية لتغيير المناخ إلى درجة كافية لقتل جميع الديناصورات، ويقول آخرون إن الحقيقة قد تجمع ما بين النظريتين؛ حيث يحتمل أن الكويكب زاد من عنف البراكين، مما أدى إلى إصابة الديناصورات بلطمتين جيولوجيتين متتابعتين. وهناك أيضاً من يعتقد أن الديناصورات بدأت تنقرض بشكل تدريجي قبل الحدث الكارثي الذي قضى عليها نهائياً.
ومن المؤكد أن الكوكب تغير بشكل فجائي وجذري، سواء أكان السبب كويكباً أم بركاناً. وبعد أن انقشعت الظلمة، انتشرت الثدييات والزواحف والطيور التي تمكنت من النجاة في كل مكان، وأصبح الكوكب في عهدة إدارة جديدة.