تعيش أخطبوطات الأرجونوت (Argonauts) ذات الأذرع الـ8 واللون الوردي حياة تبدو غامضة إلى حد ما. فعلى النقيض من الأخطبوطات الأخرى، يقضي الأرجونوت معظم وقته طافياً بالقرب من سطح مياه البحار الاستوائية حيث يعيش، ويستغني عن أذرعه في عملية التزاوج، وتلتف الإناث حول نفسها في غلاف أبيض. هذا ما يعرفه العلماء عن حياة هذه الكائنات في الطبيعة حتى الآن، لكنهم يأملون باكتشاف المزيد من أسرار رأسيات الأرجل المحيرة هذه من خلال دراسة جينوماتها.
كيس بيض الأرجونوت المثير للفضول
بالنسبة للباحثين اليابانيين، يتمثل أحد الألغاز المتعلقة بالأرجونوت بقوقعته، وهي في الواقع كيس بيض ورقي رقيق تفرزه الإناث وتحيط نفسها به ويساعدها على الطفو. حظي كيس البيض هذا، والذي تعود إليه تسمية الأرجونوت الشائعة بـ"نوتيلوس الورقي" على الرغم من أنه أخطبوط، باهتمام كبير لا سيما بالنسبة للعلماء والفلاسفة لآلاف السنين، حتى إنه أثار فضول أرسطو.
اقرأ أيضاً: الأخطبوط يستطيع تعديل نفسه وراثياً بمرونة
ترتبط أخطبوطات الأرجونوت بقرابة بعيدة برأسيات الأرجل ذات القوقعة الصلبة التي تُدعى "نوتيلوس" (Nautiluses)، ما دفع العلماء للتساؤل عما إذا كانت المعلومات الجينية المشتركة بينهما يمكن أن تسمح للأرجونوت بصنع قوقعة مشابهة. كان الباحثون يعرفون مسبقاً أن بعض البروتينات المستخدمة في صنع قواقع النوتيلوس غير موجودة في أكياس بيض الأرجونوت، أي أن تركيب "القواقع" التي يصنعها الأرجونوت لا تشبه تركيب القواقع التي يصنعها النوتيلوس. لكن العلماء لم يكونوا على دراية بما إذا كان الأرجونوت لا يزال يحمل في جينومه نفس المعلومات الجينية التي يستخدمها النوتيلوس في بناء قواقعه.
اختلاف جيني وظيفي
في دراسة نُشرت نتائجها مؤخراً في مجلة "جينوم بيولوجي أند إيفليوشن"، قام فريق من علماء الأحياء بسلسلة جينوم نوع "أرجونوت أرجو" (Argonauta argo)، والذي يُعرف بالأرجونوت الأكبر أو العنقريط أيضاً، لدراسة أصل قوقعته. وفقاً لعالم الأحياء الجزيئية في المعهد الوطني للتكنولوجيا في كلية واكاياما، والباحث الرئيسي لمشروع تسلسل الجينوم، دافين سيتيامارجا، فإنه على الرغم من أن الأرجونوت يمتلك الجينات اللازمة لبناء قواقع تشبه قواقع أقاربه من النوتيلوس، فإنه يستخدم جيناتٍ مختلفة تماماً لصنع أكياس البيض.
يقول سيتيامارجا: «كان ذلك مفاجئاً لنا. كنا نعتقد أن هناك احتمالاً في أن يكون الأرجونوت قد أعاد تنشيط بعض هذه الجينات القديمة لصنع هذه القواقع الرخوية. لكننا اكتشفنا أن الأمر ليس كذلك في الواقع، وأنه يستخدم مجموعة مختلفة من الجينات».
اقرأ أيضاً: سر الأخطبوط: تزداد الثآليل ويقل الحجم حين يعيش في عمق أكبر
في تفاصيل الدراسة، نظر العلماء في المعلومات الجينية في خلايا الأرجونوت لتحديد ما إذا كان هذا الحيوان قد أعاد استخدام الجينات اللازمة لبناء القواقع في الأنواع الأخرى من رأسيات الأرجل، مثل النوتيلوس، لتشكيل كيس البيض لديه.
نظراً لصعوبة الاحتفاظ بالأرجونوت الأكبر في الأسر، وبهدف الحصول على المعلومات الجينية، لجأ سيتيامارجا وفريقه إلى الصيادين المحليين في بحر اليابان قرب جزر أوكي لمساعدتهم في جمع عينات منه. ثم قام الفريق بسلسلة الحمض النووي المُستخرج من الأرجون لفهم وظائفه. تمكن العلماء، من خلال مقارنة هذه المعلومات الجينية بتلك الخاصة بأقاربه من الرخويات، من تحديد أن البروتينات اللازمة لتشكيل أكياس البيض لم تُستخدم لبناء القواقع عند أقاربه، ما يشير إلى أن أكياس البيض قد تطورت بشكلٍ مستقل. ومع ذلك، يشير المؤلفون إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم سبب احتفاظ الأرجونوت بالمعلومات الجينية التي يستخدمها أقاربه لبناء قواقعهم بشكلٍ أفضل، وما إذا كانت هذه الجينات قد تخدم غرضاً آخر لدى الأرجونوت.
يقول سيتيامارجا موضحاً: «على الرغم من وجود الجينات المستخدمة لتشكيل القوقعة الرخوية في جينوم الأرجونوت، فإنه لا يستخدمها لتشكيل أكياس البيض (أو قوقعته)، لذلك لا نزال لا نعلم ماذا يستفيد الأرجونوت من هذه الجينات. هذا سؤال آخر».
اقرأ أيضاً: ما هي أهمية قشريات الكريل في الحلقة الغذائية لمخلوقات المحيط الأخرى؟
هياكل تخدم في أداء وظيفة الطفو عند الأخطبوطات
على الرغم من أن هذا البحث يشير إلى أن كيس البيض قد تطور بشكل مستقل عن القواقع عند النوتيلوس، فإن هذه الهياكل لا تزال تشترك في وظيفة رئيسية؛ الطفو. على عكس العديد من الأخطبوطات التي تعيش في المنطقة القاعية على طول قاع المحيط، تعيش أخطبوطات الأرجونوت في الطبقات العليا من مياه البحار المفتوحة، وبالتالي فإن التحكم في الطفو والمحافظة عليه أمر حيوي بالنسبة لها. تقول الأمينة المساعدة للافقاريات في متحف فيلد في شيكاغو والتي لم تشارك في البحث، جانيت فويت، في هذا الصدد: «تحرص الأنثى دائماً على وجود جيب هوائي في القوقعة، ثم عندما تنزل في عمود الماء، ينضغط هذا الجيب الهوائي ويعطيها بعض القدرة على الطفو، حيث يعمل على موازنة وزنها ووزن بيضها النامي. وبالمثل، يستخدم النوتيلوس قوقعته لتنظيم عملية الطفو معتمداً على التناضح للتحكم في حركة الماء والغاز داخلها.
ومع ذلك، يولد ذكور وإناث النوتيلوس مع قواقع، وينشئون مزيداً منها مع تقدمها بالعمر، بينما لا يشكل ذكر الأرجونوت، الذي يبلغ حجمه حجم طرف الإبهام البشري تقريباً، كيس البيض أبداً. بالمقابل، تصنع أنثى الأرجونوت " قوقعتها" بعد التزاوج، بأذرعها حرفياً، عن طريق إفراز معدن يُدعى الكالسيت من ذراعين متخصصتين بذلك.
Paper nautilus love holding onto things in the open ocean. Which means if you're a diver, and you find some, they will love you very much. 14/10 best huggers in the sea. #DailyJelly
Original video (w/ sound, including many adorable bonks): https://t.co/Jnjt1hGDq2 pic.twitter.com/OeSkHg2ZA4— Open Ocean Exploration (@RebeccaRHelm) November 29, 2018
يقول سيتيامارجا إن هذه الدراسة هي خطوة صغيرة لفهم هذه المخلوقات المحيرة بشكل أفضل، ويضيف: «إذا كنت تريد معرفة تفاصيل كيفية تطور سمات معينة، فعليك في النهاية النظر إلى الجينوم. في الواقع، 98% من الحيوانات هي مثل الأرجونوت، من اللافقاريات، وليست لدينا معلومات جينية كافية عنها. وبالتالي ليست لدينا معلومات كافية لتطوير استراتيجيات دقيقة علمياً للحفاظ عليها».
اقرأ أيضاً: كنز من الحيوانات غريبة الشكل في الأعماق السحيقة للمحيط شرقي أوستراليا
لا يعزز تسلسل جينوم الأرجونوت فهمنا للحيوانات اللافقارية وحسب، بل يعزز أيضاً معرفتنا حول المخلوقات البحرية بشكلٍ عام. يقول فويت أخيراً: «توجد هذه المجموعة من الحيوانات في كل محيطات الأرض، ومع ذلك، لا نعرف الأشياء الأساسية عنها. ألا يجب علينا تدارك هذا الأمر؟ المحيطات مهمة جداً لكوكب الأرض والبشر، وبالنظر إلى تفاقم التغيّر المناخي، علينا معرفة المزيد عن هذه المخلوقات الآن، وإلا لن نتمكن من القيام بذلك فيما بعد».