يعرف العلماء 20 ألف نوعاً من النحل، ويصنفونها وفقاً لأصولها الوراثية إلى 9 عائلات، وتعتبر نحلة «تريجونا» أصغر تلك الأنواع حجماً، ويبلغ طولها 2.1 ملليمتر تقريباً، بينما تتصدر نحلة «ميجاشيل بلوتو» والمعروفة بنحلة «والاس» المرتبة الأولى في الحجم بطول يبلغ 3.8 سنتيمتر للإناث و 2.3 سنتيمتر للذكور، فضلاً عن جناحيها اللذين يتجاوز طولهما 6 سنتيمترات تقريباً، كما إنها تتميز بفكوك سفلية ضخمة تستخدمها لجمع عصارة الأشجار اللاصقة، حتى تبني أعشاشها وتحصنها بواسطة هذه المواد الصمغية من غزوات النمل الأبيض.
الاختفاء الأول دام 122 عاماً
ينتمي نحل «ميجاشيل بلوتو» إلى عائلة «ميجاشيليدا»، ويشتهر باسم نحل والاس العملاق، نسبة إلى مكتشفها عالم الطبيعة البريطاني ألفريد راسل والاس؛ عام 1859، والذي عثر على النحل خلال إقامته بجزيرة باكان الإندونيسية. النحل الذي يفوق حجم إبهام الإنسان البالغ بقليل؛ وصفه والاس في أول الأمر بـ «حشرة سوداء كبيرة تشبه الدبور»، ووصف فكيها بفكي «خنفساء الأيل»، لكن عالم الحشرات البريطاني «فريدريك سميث» حسم الأمر بتسجيل نحل والاس كنوع جديد من «النحل البري».
اختفى نحل والاس بشكل غامض لمدة 122 عاماً، وافترض العلماء إنها انقرضت، لكن الباحث الأميركي آدم كاتون ميسر؛ أعاد اكتشافها من جديد عام 1981، حين وجد 6 أعشاش لتلك النحلة العملاقة تحتوي على العديد من الذكور والإناث، ومنذ ذلك التاريخ لم ير أحد نحلة والاس العملاقة طوال 4 عقود تقريباً، لأنها عاودت اختفائها من جديد، قبل ظهورها الأخير في يناير 2019.
عثر فريق مستقل يضم علماء من أمريكا وأستراليا على أنثي حية من تلك النحلة العملاقة، وذلك خلال واحدة من رحلاتهم الاستكشافية التي تمولها منظمة الحياة البرية العالمية وهي مؤسسة دولية غير ربحية؛ تبحث عن الكائنات التي توشك على الانقراض.
النحل يعود للمرة الثانية
كانت منظمة الحياة البرية نظمت عدة بعثات للعثور على 25 نوعاً من الحيوانات التي توشك على الانقراض، وكانت نحلة والاس العملاقة ضمن تلك الكائنات، ورشحها العالمان إيلي وايمان، وكلاي بولت، وفقط وجدوا النحلة بين 25 نوعاً من الكائنات التي خرجت البعثات للبحث عنها. وفقاً لبيان صادر عن المنظمة قال كلاي بولت؛ أحد أعضاء فريق البحث: «كان من المذهل للغاية رؤية هذه الحشرة الطائر التي لم نكن متأكدين من وجودها، لكن الأن لدينا دليل حقيقي أمامنا في البرية».
وعن رحلة البحث في أندونيسيا قال بولت: «لقد كنا متحمسين لرؤية بعض أنواع عائلة «ميجاشيليدا» المختلفة، ولاحظنا كذلك العديد من الأنواع غير العادية الأخرى، بما في ذلك نمل «بوليراشيز» أحادي الجانب والعناكب ذات الفك السفلي الممتد، وخنافس الجواهر الرائعة، حيث ظللنا نحدق كل يوم في أكوام النمل الأبيض لمدة 20 دقيقة، قبل انتقالنا إلى التل التالي، لقد كان العمل متعباً، وفي اليوم الأخير من البحث وجدنا عش نحل والاس العملاق، لقد كان عشاً مثالياً جداً ومماثلاً لتوقعاتنا».
قال إيلى وايمان عالم الحشرات بجامعة برينستون الأميركية الذي التقط أول صورة وفيديو لنحل والاس فور اكتشافه: «سمعت صوت أجنحتها العملاقة وهي تتخطى رأسي بصورة تثير الإعجاب، وكان أمراً لا يصدق»، وأضاف: «آمل أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى إطلاق بحث مستقبلي يمنحنا فهماً أعمق لتاريخ حياة هذا النحل الفريد من نوعه تمهيداً لحمايته من الانقراض».
هل تنجو والاس للمرة الثالثة؟
نحلة والاس هي نحلة وحيدة تعيش في أكوام النمل الأبيض النشطة، وتعيش في جزء من تلة مستعمرة النمل الأبيض بعد أن تطورها لتلائم حياتها. لذلك لا تستطيع نحل والاس من العيش منفصلاً عن النمل الأبيض المضيف، بالإضافة إلى ذلك فإن نحل والاس لا يقبل بأي مضيف آخر سوى نوع النمل الأبيض الموجود فقط في إندونيسيا، وبالتالي فهذا النحل يوجد فقط في إندونيسيا، وهذا يجعل من عملية الحفاظ عليه عبر تنويع بيئته صعباً للغاية.
على الجانب الآخر؛ رصدت منظمة الحياة البرية العالمية بيع عينات من نحل والاس على موقع «إيباى» مقابل آلاف الدولارات، وأعربت المنظمة عن مخاوفها من انقراض هذا النوع من النحل النادر، التي تواجه اصطياد متعمد من جامعي الحشرات، بالإضافة إلى أن نحل والاس العملاق مصنف كنوع ضعيف في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة «IUCN»، وبالتالي غير محمي بموجب اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض، ويرجع السبب جزئياً إلى نقص البيانات عن بعض الأنواع التي يصعب ملاحظتها.
لا يواجه نحل والاس فقط عمليات الصيد الجائرة، بل يواجه أيضاً فقداناً مفتعلاً للعوامل الطبيعية الذي يساعد على بقائه. يقطع الإندونيسيون أشجار الغابات بهدف الزراعة وتوفير الأخشاب، وذلك يساهم في القضاء على البيئة الطبيعة التي تنمو نحلة والاس العملاقة في أجوائها، لذا رغم وجود نحل والاس إلى الآن في أندونيسيا، إلا أن شبح الانقراض يلاحقه.