الفطر المفترس: سبب مأساة البشر بمسلسل «آخرنا» قد يخلصهم من الآفات!

2 دقائق
آفاق طبية واعدة لمادة سامة يطلقها الفطر المحاري لافتراس الديدان الشريطية
الفطر المحاري الشائع ينمو في مزرعة. ديبوزيت فوتوز

مع ظهور الأحياء الأموات (الزومبي) لأول مرة في مسلسل "آخرنا" (The Last of Us)، كان الأسبوع الثاني من شهر يناير/كانون الثاني أسبوعاً مميزاً بالنسبة لموضوع الفطريات القاتلة، لدرجة أن الفطر المحاري الشائع حصل على الاهتمام. تناسب نكهة هذا الفطر شديد الملوحة السلطات وشطائر البرغر، ولكن قبل أن نتمكن من تناوله، فهو يتغذّى على كائنات تحمل اسم الديدان الشريطية (أو الديدان الأسطوانية). هذه الديدان المجهرية، والتي تعتبر إحدى أكثر أشكال الحياة شيوعاً على كوكب الأرض، مفضّلة بالنسبة للفطر المحاري.

كيف يفترس الفطر المحاري الديدان الشريطية؟

على الرغم من أن هذا الفطر لا يحول الديدان إلى أحياء أموات، فإنه يهاجمها بعنف ويفترسها. وجدت دراسة نُشرت بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني 2023 في مجلة ساينس أدفانسيس (Science Advances) أن الفطر المحاري الشائع يستخدم نوعاً من غازات الأعصاب لتسميم الديدان الشريطية وشل حركتها قبل تناول أحشائها.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من الجزر النائية في فهم تطور الفطريات؟

القسم العلوي من هذه الفطور هو جزء من الجهاز التكاثري، وهو يحمل اسم الجسم الثمري. ويعتبر الجزء الذي نتناوله من الفطر المحاري الشائع جهازاً تكاثرياً غنياً بالأبواغ. في عام 2020، وجدت عالمة الأحياء الدقيقة ومؤلفة الدراسة الجديدة، ين-بينغ شيه (Yen-Ping Hsueh)، إلى جانب فريقها البحثي من معهد أكاديميا سينيكا (Academia Sinica) في تايوان، أن الفطر المحاري الشائع يحتوي على هيكل صغير الحجم يشبه المصاصة. عندما تمر الديدان الخيطية فوق الفطور، تنفتح هذه الهياكل الصغيرة وتطلق غاز أعصاب شديد السمية.

قالت شيه في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) حول الدراسة الجديدة وأبحاثها المتعلقة بالفطور: "تشلّ هذه الفطور الديدان في غضون دقيقة واحدة"، وأضافت: "إنها عملية درامية للغاية".

درست شيه وزملاؤها في المختبر استراتيجية إطلاق السم التي تتبعها هذه الفطور من خلال تعريض 4 أنواع مختلفة من الديدان للمادة الكيميائية السامة. لم تتمكن الديدان الخيطية من مقاومة السم إطلاقاً؛ إذ اضطرب تدفق الأيونات الطبيعي عبر أغشية خلاياها. تسبب السم في تدفق هائل من أيونات الكالسيوم إلى الخلايا العصبية والعضلية للديدان، ما أدى إلى الشلل ثم الموت.

في الدراسة الجديدة، عدل الفريق المادة الوراثية للفطور بطريقة تتسبب بظهور طفرات عشوائية. ووجد الباحثون أن الفطور الطافرة التي تفتقر للهياكل الصغيرة لم تعد قادرة على تسميم الديدان. أكّدت هذه التجربة الدور الحاسم الذي تؤديه هذه الهياكل، والتي تحمل اسم الكييسات السامة.

خيوط الفطر المحاري الشائع التي تحتوي على الكييسات السامة في صورة التقطت باستخدام المسح المجهري الإلكتروني. المصدر يي-ين لي.

المركب السام 3-أوكتانون واستخداماته الطبية

قام الباحثون بعد ذلك بتحليل محتويات الهياكل الصغيرة الموجودة في الفطور غير الطافرة، ووجدوا مادة كيميائية تحمل اسم 3-أوكتانون. يعتبر هذا المركب شائعاً نسبياً في الفطور والنباتات. ونظراً لأنه يتبخر بسرعة، فهو يستخدم عادة كمكون في العطور والمنكّهات.

توجد هذه الهياكل السامة الصغيرة في البنى الطويلة في الفطور والتي تحمل اسم الخيوط الفطرية، وهي تنمو في الخشب المتعفن. تحتوي هذه الخيوط على كرات معلقة تحمل اسم الكييسات السامة، والتي تحتوي بدورها على مادة 3-أوكتانون. عندما تقتل الفطور فرائسها من الديدان الخيطية، تقوم الخيوط بمص أحشاء الفرائس. وفقاً لمؤلفي الدراسة الجديدة، قد تتبع الفطور هذه الآلية لامتصاص النتروجين في البيئات الفقيرة به.

اقرأ أيضاً: صور مذهلة للحياة البرية لن تصدق أنها التُقطت على الأرض

قد تكشف الدراسات المستقبلية عن العوامل البيئية والفيزيولوجية التي تؤثر في تشكّل الكييسات السامة. وقد يساعد ذلك العلماء على إيجاد طرق لاستخدام المادة السامة التي توجد في الفطر المحاري الشائع كمبيد للآفات. وذلك نظراً لأن أنواع الديدان مثل الديدان الخيطية يمكن أن تقتل جذور المحاصيل.

تم استلهام تركيب دواء إيفرمكتين (Ivermectin)، وهو دواء مضاد للطفيليات والديدان أصبح رائجاً في أوائل جائحة كوفيد-19، من الطبيعة بهدف مقاومة مرض العمى النهري (أو داء كلابية الذنب). لن يتم استخدام الفطر المحاري الشائع كمضاد للآفات مباشرة. وذلك لأن مركب 3-أوكتانون السام متطاير للغاية، ولأن الفطر المحاري يشكّل الكييسات السامة في البيئات الفقيرة بالنتروجين.

مع ذلك، من المحتمل ألا يتم اعتبار الفطر المحاري طعاماً خضرياً تماماً بعد الآن، وذلك لأن هذه الفطور تتغذّى على الديدان الخيطية.

المحتوى محمي