لبدة الأسود هي سمة لافتة للنظر. وكلما كانت هذه الكتلة الفاتنة من الشعر أكبر، كان الأسد أكثر جاذبية بالنسبة للبؤات. تخص هذه السمة التي تعتبر مثالاً على ظاهرة تحمل اسم مثنوية الشكل الجنسية ذكور الأسود. لكن أفاد مقدّمو الرعاية في حديقة حيوان ومركز توبيكا للحفاظ على البيئة في ولاية كانساس الأميركية بأنه في أواخر خريف عام 2020، نمت لبدة صغيرة لدى إحدى اللبؤات، والتي تحمل اسم زوري (Zuri).
زوري تخرج عن الاعتقاد السائد بأن اللبدات لذكور الأسود فقط
تقول أمينة الحيوانات في حديقة حيوان توبيكا، شانا سيمبسون (Shanna Simpson): "هذه الحالة نادرة للغاية"، وتضيف: "لم نسمع من قبل أن نمو اللبدات ممكن لدى الإناث حتى رأينا زوري".
تبدو زوري حالياً كذكر أسد مراهق بدأت لبدته بالنمو للتو، على الرغم من أنها أنثى تبلغ من العمر 18 عاماً. بدأ مقدّمو الرعاية في الحديقة بملاحظة نمو اللبدة على عنق زوري بعد موت آخر ذكر في هذه الحديقة، أفوس (Avus)، في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020. وتقترح سيمبسون أن نمو هذه اللبدة قد يتعلق بتغير في نسب الهرمونات في جسم زوري، وبأنها بدأت تؤدي دور الحامي في هذه الزمرة. وصلت زوري وشقيقتها أسانتيه (Asante) إلى حديقة حيوان توبيكا في نفس العمر تقريباً عام 2006، وهما العضوان الوحيدان من نوعهما في هذه الحديقة.
اقرأ أيضاً: المنهج المتبع في حدائق الحيوانات والأحياء المائية يصب في مصلحة الحياة البرية
الأسود هي القطط الكبيرة الوحيدة التي تشكّل بنى اجتماعية فريدة من نوعها. وفقاً لسيمبسون، تقوم الإناث بأغلب عمليات الصيد وتعتني بالأشبال. بينما تقتصر مهام الذكور على الدفاع عن الزمرة من الزمر المنافسة. بعد أيام من وفاة أفوس، لاحظ مقدمو الرعاية في الحديقة أن زوري وأسانتيه تتبعان سلوكيات غريبة؛ إذ تتذكّر سيمبسون أن اللبؤتين كانتا أكثر خجلاً وتقلّباً وأنهما لم تأكلا كثيراً.
تقول سيمبسون: "عادة، الأسود هي حيوانات تتمتع بثقة عالية في النفس؛ إذ إنها لا تكترث بما حولها لأنها لا تتعرض للتهديد من الكثير من الحيوانات".
بعد نحو شهر أو شهرين، بدأت تنمو بقع أطول من الفراء على جانبي مؤخرة زوري. استفهمت سيمبسون من زملائها الذين يعملون في حدائق حيوان أخرى عن نمو هذه اللبدة الغريبة. وعلمت أنه تم الإبلاغ من قبل عن نمو اللبدات في أجسام اللبؤات في البرية والأسر على حد سواء، على الرغم من أن هذه الحالة نادرة للغاية.
الهرمونات والظروف المحيطة: لاعب أساسي
في عام 2011، تم الإبلاغ عن نمو لبدة على إحدى اللبؤات في حديقة الحيوان الوطنية في جنوب إفريقيا. وفي عام 2018، تم الإبلاغ أيضاً عن نمو لحية شعثاء على وجه لبؤة تبلغ من العمر 18 عاماً في حديقة حيوان مدينة أوكلاهوما. بيّنت الاختبارات التي أجريت على اللبؤة من حديقة الحيوان الوطنية في جنوب إفريقيا أن مستويات هرمون التستوستيرون في جسم هذه اللبؤة كانت مرتفعة. وأرجع الباحثون ذلك لاضطراب ما في المبايض. وجد الخبراء في حديقة حيوان مدينة أوكلاهوما أن جسم اللبؤة التي نمت لحية على وجهها احتوى على ورم حميد تسبب بارتفاع نسب الهرمونات على الأرجح.
من ناحية أخرى، أفادت دراسة نشرت عام 2016 في المجلة الإفريقية لعلم البيئة بوجود 5 لبؤات برية تمتلك لبدات في محمية موريمي للطرائد في بوتسوانا. على الرغم من عدم القدرة على أخذ عينات من دم اللبؤات أو إجراء الأبحاث الطبية عليها، لاحظ العلماء الذين يدرسون اللبؤات أنها قد تزاوجت دون أن تحمل. ما قادهم لاستنتاج أن الإناث قد تكون عقيمة نتيجة لارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون. (على الرغم من عدم قدرة الباحثين على تقدير أعمار هذه اللبؤات بدقة، فإنهم قدّروا أن أعمارها تتراوح بين 3 أعوام و11 عاماً).
قال الأمين الفخري لقسم الثدييات في متحف فيلد للتاريخ الطبيعي في مدينة شيكاغو، بروس باترسون (Bruce Patterson)، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع بوبساي (PopSci، العلوم للعموم): "نعلم أن نمو اللبدات يعتمد على مستويات هرمون التستوستيرون"، وأضاف: "تنمو اللبدات على أجسام ذكور الأسود بالترافق مع النضج الجنسي. وتستمر بالنمو خلال مرحلة البلوغ".
تبدأ لبدات ذكور الأسود الإفريقية بالنمو عادة خلال الأشهر الـ18 الأولى من النضج الجنسي. ووثّق الباحثون أن ذكور الأسود المريضة والتي تعاني من سوء التغذية تمتلك شعراً غير صحي ولبدات منخفضة الكثافة. تقول سيمبسون: "كلما كانت لبدة الأسد أكبر وأكثر كثافة، زادت نسبة هرمون التستوستيرون لديه. وهذا أمر منطقي"، وتضيف: "يجب على الأسود أن تكون قادرة على التكاثر وحماية زمرتها. لذلك، من المنطقي أن تتمتع الذكور بصفة العدوانية التي تترافق عادة مع ارتفاع نسب التستوستيرون. الحياة في البرية قاسية للغاية".
على الرغم من أن الخبراء في حديقة حيوان توبيكا يقومون بإجراء فحوصات صحية متكاملة ويأخذون عينات من دم الأسود بانتظام، فإن هذه الاختبارات المنتظمة لم تشمل مستويات هرمون التستوستيرون. تقول سيمبسون: "لدي فضول للاطلاع على مستويات هذا الهرمون لدى لبؤات هذه الحديقة". يعتقد باترسون، والذي عمل كمقدّم رعاية لأسود حديقة حيوان توبيكا من قبل، أنه من المحتمل أن زوري تعاني من تغيرات هرمونية مثل اللبؤات الأخرى؛ إذ يقول: "أظن أن هناك تفسيرين لهذه الظاهرة؛ الأول هو أن الدور الاجتماعي الذي أدّته [زوري] في مجتمع الأسود حفّز زيادة في إفراز الأندروجينات لديها، والثاني أن إفراز مبايضها للهرمونات الأنثوية أصبح ضعيفاً لسبب ما".
لبؤة مهيمنة
وفقاً لسيمبسون، كانت زوري لبؤة مهيمنة دائماً. وعلى الرغم من أن أفوس كان الذكر المسيطر، فإنها "كانت تدير الشؤون اليومية للزمرة". تقول سيمبسون إنه على الرغم من أن أفوس أنجب شبلاً من أسانتيه، فإنه لم يحاول التكاثر مع زوري. وهي تعتقد أن زوري أدّت "دور الحامي" لها ولشقيقتها بعد موته.
مع ذلك، لا يعتقد عالم الحفاظ على البيئة في منظمة بانثيرا (Panthera) العالمية المعنية بحماية القطط البرية، كريس إيفرات (Kris Everatt)، أن موت أفوس تسبب في تغيير الأدوار الاجتماعية في الزمرة أو نمو لبدة زوري. يقول إيفرات، والذي درس الصيد المحظور للأسود الإفريقية البرية وإدارة جماعاتها: "لا أعتقد أن موت ذكر سيؤدي إلى هذه النتائج على الإطلاق"، ويضيف: "قد تكون هذه اللبؤة مهيمنة أكثر من غيرها، وربما يعود ذلك لمستويات الهرمونات في جسمها. لكن لا يوجد [تنافس] أو تراتبية بين اللبؤات في زمر الأسود في البرية".
اقرأ أيضاً: كيف تتكيف الحيوانات القطبية مع الظلام الشديد لعدة أشهر؟
لا يزال سبب نمو هذه اللبدة والتغيّر في مستوى الهرمونات مجهولاً، وخصوصاً أن هذه السمة لا تفيد اللبؤات كما تفيد الذكور. يفيد إيفرات أنه من الناحية الجسدية، يمكن أن يكون نمو لبدة كبيرة ضاراً في البرية؛ إذ إنها تمثّل مصدر إزعاج في المناطق الحارة وتجعل الاختباء أكثر صعوبة بالنسبة للأسود في أثناء الصيد. ولهذا لا تمتلك ذكور الأسود في بعض الجماعات، مثل أسود سافو في كينيا، لبدات على الإطلاق. يقول إيفرات: "لا تمثّل اللبدات أي أفضلية بخلاف أنها سمة يتم انتقاؤها جنسياً من قبل اللبؤات". لذلك، فإن نمو اللبدات لدى اللبؤات هو مجرد "صدفة" على الأرجح، حسب تعبير إيفرات.
أسباب وراثية
ينص أحد التفسيرات الأخرى على أن اللبؤات ذوات اللبدات تتمتع بمورثات مختلفة قليلاً. بتعبير أدق، يكون التعبير الوراثي عن المورثات المسؤولة عن الهرمونات الجنسية الذكرية لدى هذه اللبؤات أكبر مقارنة باللبؤات الأخرى. يقول إيفرات إن هذه الاختلافات في مستويات الهرمونات الجنسية قد تظهر أيضاً في إناث أنواع أخرى من الحيوانات. لكن الاختلاف الكبير في شكل الأفراد من الجنسين لدى الأسود يجعل نتائج هذه الاختلافات ملحوظاً أكثر. يقول إيفرات: "إذا أدت الاختلافات الوراثية إلى نتائج مشابهة في أنواع أخرى مثل الفهود أو النمور، فلن نلاحظها على الأرجح"، ويضيف: "لكن من السهل ملاحظة [اللبدات] لدى الأسود. لذلك تثير هذه الظاهرة اهتمامنا. وفي الواقع، فهي لا تقتصر على الأسود".
اقرأ أيضاً: تضاعف حجم الدجاج خلال نصف قرن من الزمن: زيادة في الوزن وفقدان في النكهة
يشير إيفرات إلى أهمية عمر زوري؛ إذ إن الأسود البرية تعيش عادة ليبلغ عمرها 10-11 عاماً فقط، بينما يبلغ متوسط العمر للأسود الأسيرة نحو 14.5 أعوام. يشير موظفو حديقة حيوان توبيكا إلى أن حدوث تغيّر هرموني في وقت متأخر جداً من العمر هو أمر غريب. يقول مدير حديقة حيوان توبيكا، بريندن وايلي (Brendan Wiley): "إن حدوث تغيّر هرموني في جسم اللبؤة زوري في هذا العمر هو أمر مثير للاهتمام"، ويضيف: "أعتقد أن هذا التغيّر هو الحدث الأكثر إثارة للصدمة".
تقول سيمبسون إنه منذ ذلك الحين، عادت كل من زوري وأسانتيه لنظامهما الغذائي المعتاد ولعاداتهما الطبيعية، وهما في حالة جيدة جداً نظراً لأعمارهما. تضيف سيمبسون قائلة إن لبدة زوري الجديدة ليست علامة على وجود أي مشكلات صحية، بالإضافة إلى أنها "جميلة". تشير سيمبسون إلى أن العديد من زوار الحديقة اعتقدوا أن زوري ذكر جديد. وتقول: "من الممتع أن نقول لزوارنا إن هذه هي زوري، نفس اللبؤة التي عاشت في هذه الحديقة طيلة حياتها".