ما هو دور البكتيريا في بقاء نحل العسل؟

3 دقائق
ما هو دور البكتيريا في بقاء نحل العسل؟
ديبوزيت فوتوز.

إذا فحصت أمعاء الأفراد العاملين في خلايا نحل العسل والذين يعيشون في أي مكان في العالم تقريباً، على الأرجح أن تجد 9 أنواع فقط من البكتيريا.

يشير هذا الاتساق الملحوظ لمحتوى أمعاء نحل العسل من البكتيريا في مختلف المناطق في العالم، والذي يتطابق نوعاً ما عبر مختلف الأنواع ومن ضمنها النحل الطنان الاجتماعي، إلى أن البكتيريا تؤدي دوراً أساسياً في بقاء نحل العسل. قد يفسّر بحث جديد نشر في 22 أغسطس/آب 2022 في مجلة نيتشر لعلم البيئة والتطور سبب ذلك. يكبر النحل الذي يمتلك البكتيريا الصحية ويشكّل علاقات اجتماعية أكثر تعقيداً وأدمغة مختلفة مقارنة بالنحل الذي لا يمتلك هذه البكتيريا.

يؤدي الحيّوم المعوي (وهو مجتمع البكتيريا والفطريات والميكروبات الأخرى التي تعيش داخل الأجسام) دوراً قد يكون كبيراً، ولكنه غير مفهوم بشكل جيد بعد، في بقاء العديد من الأنواع الحيوانيّة. من المحتمل أن يؤدي الحيّوم أيضاً دوراً في قدرة البشر على الإدراك. يقول خوانيتو ليبيرتي (Joanito Liberti)، المؤلف الرئيسي للورقة الجديدة وعالم الأحياء التطوّري في جامعة لوزان في سويسرا: "يعتبر محور الدماغ-الأمعاء مثيراً للاهتمام للغاية من المنظور التطوّري لأن الكائنات المعوية المتكافلة كانت موجودة على الأرجح عندما تطوّرت أول الأجهزة العصبية". هناك بعض المؤشرات التي تدل على أن الميكروبات قد تؤثر على سلوك البشر. لكن على عكس نحل العسل، يحتوي جسم الإنسان على مئات الأنواع من الكائنات الدقيقة، ما يجعل تحديد أثر كل منها عملية صعبة.

أهمية بكتيريا الأمعاء

في الدراسة الجديدة، تبيّن أن دور بكتيريا الأمعاء واضح تماماً. يقول ليبيرتي: "تبين [النتائج] الجديدة أن ميكروبيوم الأمعاء قد يكون بالغ الضرورة بالنسبة للدور الوظيفي لخلايا النحل". قد يساعد فهم الدور الرئيسي لهذه البكتيريا في تفسير ضعف النحل تجاه عوامل التهديد التي ابتكرها البشر، مثل المواد الكيميائية التي تستخدم في الزراعة.

يعتبر نحل العسل مناسباً لدراسة المجتمعات البكتيريّة لأن كل نحلة تولد دون أن تمتلك ميكروبيوماً معوياً، على عكس البشر. يتشكّل الميكروبيوم المعوي لدى النحل عند البلوغ وعندما يبدأ الأفراد في التفاعل مع أقرانهم في الخلية. يستطيع الباحثون إنماء نحل خال تماماً من البكتيريا دون استخدام المضادات الحيوية من خلال استخراج اليرقات التي تبلغ أعمارها أياماً من الخلايا وإنمائها في ظروف خالية من البكتيريا. حقن الباحثون البكتيريا من مخزون المختبر الخاص في نصف عدد مجموعة في الدراسة. بينما تم إنماء النصف الآخر دون البكتيريا.

اقرأ أيضاً: ما هي أسباب اختفاء النحل في المغرب؟

لم يظهر على النصف الثاني من النحل أية علامات سلبية مثل انخفاض المهارة في الطيران أو الموت، على الأقل خلال الدراسة التي استمرت 10 أيام. لكن النحل في هذه المجموعة لم يكن اجتماعياً مثل نحل المجموعة الأولى. كان احتمال أن يلامس أفراد المجموعة الثانية رؤوسهم مع الأفراد الآخرين أقل، وهو سلوك يتضمن تبادل الطعام والمعلومات في مجتمع النحل. يقول ليبيرتي: "تفاعل هؤلاء الأفراد مع أفراد المجموعة الأولى بشكل متساوٍ وأكثر عشوائية"، ويضيف: "يبدو أن ميكروبيوم الأمعاء لدى النحل يساعدهم في تشكيل 'الصداقات'".

قد يبدو أن تفاعل أفراد خلايا النحل مع بعضهم بشكل متساوٍ أمراً جيداً، لكن يقول ليبيرتي إن المستعمرات التي يمتلك أفرادها الكثير من العلاقات المتخصصة تكون أكثر كفاءة في البقاء. يقول ليبيرتي: "يتم توزيع المهام على الأفراد في خلايا النحل"، ويضيف: "إذا كانت نحلة ما تقوم برعاية المحضنة، فلن تهتم إذا وجدت نحلة أخرى مصدراً للغذاء، بل ستهتم بالمعلومات حول المحضنة نفسها".

اختلافات في المادة الوراثية

عندما فحص الفريق أجسام النحل، وجدوا اختلافات عميقة بين الأفراد تصل إلى اختلافات في وظائف المادة الوراثية. كان ثلث المواد الكيميائية المختلفة التي يبلغ عددها 60 مادة والتي قاس الباحثون نسبها في أدمغة النحل أقل وفرة في أدمغة مجموعة النحل الخالية من البكتيريا. وكانت 4 أنواع من الأحماض الأمينية الأكثر شيوعاً في النحل الذي يمتلك ميكروبيوماً بكتيرياً متعلّقة وظيفياً بالنقل العصبي أو إمدادات الطاقة للدماغ. تأثرت المورثات الموجودة في النسج الدماغية والمتعلقة بالذاكرة وحاسة الشم والذوق بغياب البكتيريا. بشكل أساسي، تبيّن أن الميكروبيوم يساهم في آلية النسخ التي تحول هذه المورثات إلى بروتينات.

يقول ليبيرتي: "ربما لا يكون للميكروبيوم تأثير مباشر على بقاء النحل" ، ويضيف: "لكن إذا كانت الوظيفة الدماغية للنحل متراجعة، فستنخفض قدرته على تخزين الطعام الذي يتم تجميعه، ما سيتسبب بانخفاض كمية العسل التي يتم إنتاجها. وهذا سيؤثّر في نهاية المطاف على بقاء الخلية بأكملها".

اقرأ أيضاً: في اليوم العالمي للنحل نتساءل: ماذا سيحدث لو اختفى؟

قد يفسّر ذلك التراجع الذي تعاني منه جماعات نحل العسل البرية والداجنة. خلال العقد المنصرم، بيّنت الأبحاث أن تعرّض نحل العسل لجرعات عالية من مبيدات الأعشاب الشائعة تتسبب باضطراب الميكروبيوم الخاص به. من المحتمل أن هذه المبيدات تؤثر على مهارات التعلّم والقدرات الحسيّة دون التسبب بموت النحل مباشرة.

يقول ليبيرتي إنه على الرغم من أن بعض أنواع المواد الكيميائية الزراعية قد تؤثر على النحل من خلال التسبب باضطراب الميكروبيوم، إلا أنها قد تؤثر بشكل مباشر أيضاً اعتماداً على تركيز هذه المواد. وجد بحث شارك ليبيرتي في تأليفه في أوائل عام 2022 أن التعرّض المزمن للمبيدات الحشرية والعشبية ذات الجرعات المنخفضة (مع العلم أنه يتم استخدام هذه المبيدات بجرعات منخفضة زراعياً) يتسبب باضطراب عملية الاستقلاب لدى نحل العسل دون التأثير على الميكروبيوم. بيّن العلماء أن العديد من المبيدات الحشرية والعشبية والفطرية وحتى المضادات الحيوية الشائعة يمكن أن تسمم نحل العسل بشكل مباشر. 

اقرأ أيضاً: ما هي أسباب اختفاء النحل في المغرب؟

من المحتمل أن الميكروبيوم هو أحد العوامل الحيوية الأساسية في بقاء نحل العسل والذي تسبب البشر باضطرابه عن غير قصد.

المحتوى محمي