انتهت الحلقة الثانية من مسلسل ما وراء الطبيعة والذي يُعرض على نتفليكس؛ بإعادة مومياء الفرعون الأسود إلى مكانها، لكن مازلت هويدا خطيبة رفعت اسماعيل تعاني من لعنته. وفي الحلقة الثالثة، يسافر رفعت برفقة ماجي إلى ليبيا ليحضر مؤتمراً طبياً عن أمراض الدم آملاً بإيجاد علاج يشفي هويدا، وهناك استمع إلى محاضرة أحد الباحثين الذي توصل إلى ترياق يعالج التجلط الكامل في الدم مستخلص من نبات نادر يسمى السيلفيوم.
السيلفيوم في ما وراء الطبيعة والطبيعة
وصف «لوي» والذي جسد شخصيته الفنان كريم الحكيم؛ نبات السيلفيوم على أنه نبات عشبي له مكانته الرفيعة عند اليونانيون والرومانيون القدماء، له القدرة على معالجة الشلل وأمراض الجلد، ويصفوه بعلاج الأمراض المستعصية، يسميه العرب الأنجدان، واسمه العلمي فيرولا آسافويتيدا، وموطنه الأصلي ليبيا، وهو نبات شبه منقرض، ولم يعد له وجود إلّا عند قبائل الطوارق في الصحراء الليبية. واستخدمه لوي في علاج تجلط الدم الكامل للفئران، ويبدأ رفعت إسماعيل في مغامرة الحصول عليه، وبالفعل يأخذه ويتمكن من علاج هويدا بمستخلص النبات.
تاريخياً؛ ذُكر النبات باسم السيلفيوم في الكثير من الوثائق القديمة، لكن يُقال أنه اختفى في القرن الأول الميلادي، واُستعيض عنه بنبات الأنجدان في العصور الوسطى، وصنّفه العلماء حديثاً وأعطوه الاسم العلمي فيرولا آسافويتيدا. سنذكر بشيء من التفصيل ما جاء عن النبات عبر العصور لنتمكن من تأكيد أسطورة ما وراء الطبيعة أو نفيها.
السيلفيوم قديماً
أثبتت الدراسات التاريخية وجود نبات السيلفيوم، فتقول إحدى الدراسات أن السيلفيوم كان ينمو في السابق في مدينة قورينا اليونانية، ليبيا الآن، على الساحل الشمالي لأفريقيا، وساهم في التنمية الاقتصادية للمدينة فقد كان مصدر ثروتها حتى أصبحت من أغنى مدن أفريقيا. ويمكن العثور على معلومات عن السيلفيوم في المصادر المكتوبة من القرن السادس إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وهي فترة انتشار هذا النبات، ووصف شكلها ثيوفراستوس «370-288 ق.م.» بأنه عشبة عديمة الرائحة، ولها جذر سميك وساق واحد وزهور صفراء صغيرة وثمار مميزة على شكل قلب.
وتؤكد دراسة أخرى أنه تم تمثيل السيلفيوم على العملات المعدنية القورينية اليونانية القديمة، كما يظهر فرع من السيلفيوم محيطاً بآلهة أنثى في تماثيل صغيرة من الطين. وتوجد بعض الألواح المنقوشة برموز تشبه إلى حد كبير تلك التي تم تمثيلها على العملات. و تُظهر عملة نادرة شخصية أنثوية تجلس على كرسي مرتفع، وهي تمد ذراعيها نحو نبات السيلفيوم.
أما عن فوائده واستخداماته القديمة فقد سجل أبقراط «460-377 ق.م.» وأرسطو «384-322 ق.م.» أنه كان يستخدم كمسهل، ومضاد للحمى وعلاج لآلام المعدة. واعتبره الطبيب اليوناني المعروف ديوسقوريدس «40-90 م» في كتابه الحشائش والأدوية علاجاً للكثير من الأمراض وخصوصا الصلع وأمراض الرئة ووجع الأسنان ومشاكل الحيض. وكان يستخدم السيلفيوم القيرواني «Ferula Umbelliferae» كمنشط جنسي. واستُخدم عصيره كوسيلة لمنع الحمل، والحث على الإجهاض.
الأنجدان في العصور الوسطى
وعند البحث عن نبات الأنجدان وجدنا أنه انتشر في العصور الوسطى ويعود أصله إلى نبات السيلفيوم، ويقول البعض أنه استخدم كبديل عن السيلفيوم بعد اختفاءه. وذُكر عن العالم ابن البيطار في «كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» أن الأنجدان يفيد في علاج عرق النسا والبواسير ويدر الطمث ويقوي الكبد والمعدة، ويكسب الأكل لذاذة، ويستخرج منه صمغ يسمى الحلتيت، يزيد حدة البصر ويسكن وجع الأسنان.
وتؤكد دراسة تاريخية أنه كان يستخدم في العصور الوسطى، لدرء نزلات البرد والحمى. وفي بلاد فارس كان يستخدم كتوابل وسُمي طعام الآلهة. وهو المكون الرئيسي في الأعشاب الهندية، ويدخل في تحضير العطور الفاخرة. وتقول إحدى الأساطير أنه يستخدم لاستدعاء آلهة الذكور، وأن النبتة نشأت من السائل المنوي لإله الخصوبة عندما نقع في الأرض.
الفيرولا آسافويتيدا حديثاً
صنّف علماء النبات الأنجدان على أنه جنس فيرولا آسافويتيدا Ferula asafoetida من الفصيلة الخيمية «Apiaceae»، وتنمو أنواع مختلفة منه من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى آسيا الوسطى «إيران إلى أفغانستان» ولا يزرع في أي مكان آخر. يستخدم على نطاق واسع في الهند في الغذاء وكدواء في أنظمة الطب الهندية.
وتصنع منه التوابل والبهارات حتى الآن لفوائده الكثيرة، فقد أثبتت دراسة حديثة أنه مساعد في الجهاز الهضمي، و يستخدم في علاج الهستيريا وبعض الأمراض العصبية والتهاب الشعب الهوائية والربو والسعال الديكي. وصمغه مضاد للتشنج، طارد للريح، مقشع، ملين، ومسكن، ومطمث و طارد للديدان. علاجًا ممتازًا للربو. كما أنه يخفض ضغط الدم. وتذكر دراسة منشورة في دورية ساينس دايركت العلمية أن النبات يستخدم لعلاج السعال الديكي والقرحة، والصرع، والطفيليات المعوية، والأنفلونزا . يلعب دورًا مهمًا في هضم الدهون الغذائية، ويستخدم للنساء للإجهاض والحيض الصعب. مضاد للجراثيم وللسرطان وللسكري، وفعال في عسر الهضم الوظيفي.
جدل حول انقراض السيلفيوم
يقول أغلب المؤرخين إن النبات انقرض قبل سقوط الإمبراطورية الرومانية بحلول نهاية القرن الأول الميلادي. وقال بليني الأكبر «23-79 م» في كتابه التاريخ الطبيعي أن الطلب على استخدام وسائل منع الحمل أدى إلى انقراضه في القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد، وذكر أن آخر ساق معروف من السيلفيوم تم العثور عليه في برقة أُعطي للإمبراطور نيرون. ويقول البعض أنه ربما انقرض نتيجة الرعي الجائر والإفراط في الزراعة. وقد يكون السبب تغيرات المناخ في المنطقة العربية، وربما كان التصحر عاملاً أيضاً. وتقول نظرية أخرى أنه عندما تولى الرومان السلطة من المستعمرين اليونانيين، زرعوا السيلفيوم بإفراط مما جعل التربة غير قادرة على إنتاج النوع ذو قيمة طبية.
لكن يجادل البعض أن النبات لم ينقرض، فمن شكله الموجود على العملات القديمة استطاع علماء النبات التأكيد أنه من نباتات الفصيلة الخيمية «Apiaceae»، التي تنتشر أنواعها بكثرة حالياً ومنها الأنجدان أيضاً، وأن السيلفيوم ينتمي إلى جنس فيرولا لكن لا يمكن تحديد أي الأنواع الحالية هو السيلفيوم الذي انتشر عند اليونان.
وبذلك نجد أن أسطورة ما وراء الطبيعة عن نبات السيلفيوم شبه حقيقة، فهو بالفعل نبات استخدمه القدماء، وكان له أهمية اقتصادية وطبية كبيرة، وموطنه الأصلي ليبيا، وأنه ربما أنقرض منذ زمن طويل، لكن لم يذكر أيا من المصادر القديمة أو الحديثة أنه استخدم لعلاج تجلط الدم، لكنه يساهم في خفض ضغط الدم. بالإضافة إلى اختلاف شكل زهرته عن الزهرة التي ظهرت في المسلسل.