ما هو مرض الهزال المزمن الذي يهدد قطعان الغزلان في أماكن عدة من العالم؟

5 دقائق
مرض الهزال المزمن يهدد قطعان الغزلان عبر الولايات المتحدة
الخطر الذي يتهدد البشر منخفض، ولكنه ليس معدوماً. ديبوزيت فوتوز

نتشر مرض الهزال المزمن (CWD)، وهو مرض عصبي معدٍ ومميت يصيب الغزلان والأيائل والموظ، في جميع أنحاء أميركا الشمالية. تم اكتشاف هذا المرض مؤخراً في ولاية كارولينا الشمالية في مارس/آذار عام 2022، وتم تأكيده في 30 ولاية أميركية وأربع مقاطعات كندية، بالإضافة إلى النرويج وفنلندا والسويد وكوريا الجنوبية. يقدم أستاذ بيئة الغابات والحياة البرية في مركز "أميس أ جي" للبحوث والتعليم التابع لجامعة تينيسي الذي تبلغ مساحته نحو 75 كيلومتراً مربعاً، الدكتور ألان هيوستن، نبذة حول ما يعرفه علماء الحياة البرية عن مرض الهزال المزمن وما يحاولون تعلمه عنه.

كيف يؤثر مرض الهزال المزمن على الحيوانات؟

مرض الهزال المزمن هو مرض معدٍ وشرس. ليس له علاج، ولا توجد طريقة لاختبار الحيوانات الحية، وبمجرد بدء إصابة التجمعات البرية بالعدوى، لا توجد طريقة فعالة لمنع انتشاره.

عادة ما يعيش الغزال المصاب بالمرض بين 18 شهراً إلى عامين. لا تظهر الأعراض خلال فترة الحضانة الطويلة، ولكن مع تقدم المرض، تظهر على الحيوانات أعراض الخمول وفقدان الوزن.

في الأسابيع الستة الأخيرة من المرض أو نحو ذلك، يبدو الحيوان تائهاً وغير مهتم بالمخاطر، ويظهر هزيلاً ويسيل اللعاب من فمه. غالباً ما يقف وأرجله متباعدة كما لو أنه يحاول تجنب السقوط أرضاً.

غالباً ما يحظى هذا المرض الذي يُسمى "زومبي الغزلان" باهتمام وسائل الإعلام، ولكن مع تقدم المرض في البرية، تصبح الغزلان أكثر عرضة للأمراض الأخرى وللافتراس وأقل قدرة على حماية نفسها وحوادث الاصطدام بالسيارات. وبشكلٍ عام، نادراً ما يعيش الغزال المصاب لفترة كافية ليصبح "زومبي".

كيف يؤثر مرض الهزال المزمن على الحيوانات؟
ظهر مرض الهزال المزمن في 30 ولاية وأربع مقاطعات كندية. هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية

منذ متى والعلماء يعلمون بوجود مرض الهزال المزمن؟

اكتُشف مرض الهزال المزمن لأول مرة في أواسط الستينيات عندما بدأت ما وُصفت بأعراض "الهزال الشديد" بالظهور على الغزلان المحتجزة في كولورادو. عزا الباحثون هذه الأعراض إلى الإجهاد حتى أواخر السبعينيات، إلى أن قامت الطبيبة البيطرية بيث ويليامز بتشريح الغزلان التي ماتت بسبب متلازمة مشابهة، ووجدت آفات دماغية تتسق مع أمراض الاعتلال الدماغي الإسفنجي المُعدية، وهي أمراض عصبية تصيب البشر والحيوانات على حد سواء.

في عام 1978، شاركت ويليامز وطبيب الأمراض العصبية ستيورات يونغ في ورقة بحثية وصفت مرض الهزال المزمن على أنه مرض اعتلال دماغي إسفنجي (TSE). ومع ذلك، ظل سبب المرض الأساسي لغزاً حير العلماء.

بعد عام، كان طبيب الأعصاب الدكتور ستانلي بروسينر يدرس أمراض الاعتلال الدماغي الإسفنجية واكتشف أن بروتيناً صغيراً جداً يمكن أن يتشوه ويصبح مقاوماً لقدرة الجسم على تفكيكه. يدخل هذا البروتين إلى الخلية ويخدعها لتقوم بنسخه، ثم ينتقل إلى الجهاز اللمفاوي والجهاز العصبي. ثم يصل في النهاية إلى الدماغ، حيث يؤدي إلى تشكل كتل صغيرة ويتسبب بحدوث الاعتلال الدماغي الإسفنجي بالتالي. أطلق بروسينر على هذا البروتين المعدي غير الحي اسم "بريون" (prion).

هل يهدد مرض الهزال المزمن البشر؟

دائماً ما تكون أمراض البريون قاتلة، لكن لا تؤثر جميعها على نفس الأنواع. غالباً ما يصيب بريون الهزال المزمن الأيليات، أو الحيوانات الشبيهة بالغزلان. بينما تصيب أمراض البريون الأخرى الإنسان وتسبب أمراضاً له مثل مرض "كروتزفيلد جاكوب"، وهو مرض يتطور بشكل مشابه لمرض ألزهايمر المتسارع.

اعتلال الدماغ الإسفنجي البقري، المعروف باسم جنون البقر، هو مرض بريون يصيب الماشية. في عدد قليل من الحالات، طور البشر الذين تعرضوا لمرض جنون البقر نوعاً من مرض كروتزفيلد جاكوب.

لم تُسجل أي حالة من مرض الهزال المزمن بين البشر مطلقاً. ومع ذلك، أظهرت العديد من التجارب المخبرية إمكانية انتقال بريون الهزال المزمن إلى الثدييات الأخرى. تحذر مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها من أكل لحوم الحيوانات المصابة، ويشدد بعض خبراء الأمراض المعدية على أنه، وعلى الرغم من أن احتمال إصابة الإنسان بهذا المرض منخفض، لكنه ليس معدوماً نهائياً، وبأن تقييمات المخاطر يجب أن تأخذ في الاعتبار أيضاً احتمال ظهور سلالات جديدة.

على سبيل المثال، على الرغم من أنه من غير المعروف كيف وأين نشأ مرض الهزال المزمن، إلا أن بعض العلماء يعتقد أن البريون المتحور للمرض قد انتقل إلى الغزلان من الأغنام المصابة بمرض بريون حيواني آخر يسمى " قعاص الغنم" (Scrapie).

لا تظهر الأعراض عادةً على الحيوانات المصابة بمرض الهزال المزمن في المراحل المبكرة من الإصابة.

لماذا تصعب معالجة أمراض البريون؟

نظراً لبنيتها وحقيقة أنها لا تحتوي على مادة وراثية، فإن البريونات، مثل بريون الهزال المزمن، لا يمكن تفكيكها تقريباً. في الحقيقة، يتطلب تفكيك البريون أو تغيير طبيعته تركيزاً عالياً جداً من محلول الكلور أو حرارة تتجاوز 980 درجة مئوية.

بمجرد طرحه في البيئة الطبيعية في براز أو بول الحيوانات، يمكن أن يبقى بريون الهزال المزمن لعقود. فبعد سنواتٍ من إزالة الغزلان المصابة بمرض الهزال المزمن من الحظائر، أصابت العدوى غزلاناً أخرى أيضاً كانت قد وُضعت في نفس الحظائر التي تحتوي على التربة الملوثة بالبريون.

في القطعان البرية، ينتشر البريون عندما تقوم الغزلان، وهي حيوانات اجتماعية جداً، بمغازلة ولعق بعضها بعضاً. خلال موسم التزاوج في الخريف، تبحث الذكور عن شركاء لها للتزاوج، وتتصارع مع الذكور الأخرى. كما تبحث عن الأماكن التي تركت فيها الإناث آثارها ورائحتها، والتي تُسمى مواقع الكشط، مثل التربة والأغصان المتدلية، وتقوم بلعقها. بسبب هذه السلوكيات، عادةً ما يبلغ معدل الإصابة بين الذكور ضعف معدل الإصابة بين الإناث.

بالنظر إلى أن المرض لا يقتل بسرعة، تستطيع الحيوانات المصابة التكاثر لموسم أو موسمين، وبالتالي ليس هناك ضغط قوي نحو حدوث اصطفاء جيني يؤدي إلى تطور مناعة قطيع واسعة. وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الإناث المصابة يمكنها أحياناً نقل البريون إلى الأجنة قبل الولادة.

اقرأ أيضاً: ما هو الهدف من مشروع إيكاروس لإنشاء خريطة حية لحيوانات الأرض؟

في بعض الأماكن التي ينتشر فيها مرض الهزال المزمن، قد يتراوح معدل الإصابة في القطيع بين 1 إلى 5% فقط، وقد لا يكون تأثير المرض على مستوى القطيع واضحاً، حتى للصيادين. في أماكن أخرى، يمكن أن يصل معدل الإصابة إلى 50% وربما حتى 100%. في هذه الحالات، سيؤدي المرض لتقليل عدد القطيع وبقاء الأفراد الأصغر سناً.

ما الذي يجب أن يعرفه الصيادون؟

لا أحد يريد أن يُصاب بالمرض أولا فيحمل اسمه. نظراً لأن الغزلان المصابة تظهر غالباً بصحة جيدة، حتى بعد اصطيادها بفترة من الزمن، فإن الطريقة الوحيدة للتأكد من خلو الحيوان من المرض هو بإجراء اختبار لها، وعادةً ما يتم اختبار العقد اللمفاوية للحيوان.

مع انتشار مرض الهزال المزمن وازدياد عدد الصيادين الذين يجرون اختبار المرض للغزلان التي يصطادونها، قد يستغرق الأمر عدة أسابيع للحصول على النتائج، ما يجعل معالجة لحوم الحيوانات وإعدادها أكثر صعوبة.

من المهم إدراك أن إصابة غزال واحد يمكن أن تكون بمثابة شرارةٍ تؤدي لانتشار المرض إلى كل القطيع. يمكن أن يؤدي نقل الغزلان أو التعامل معها، سواء كانت حية أو ميتة، إلى نقل المرض ونشره.

على سبيل المثال، ارتبط نقل الغزلان بين مزارع التربية مع ظهور المرض. يمكن أن يؤدي عدم الامتثال للوائح الحياة البرية الخاصة بالولاية، والتي تبين كيفية نقل الغزلان وغيرها من الأيليات وكيفية التخلص منها، إلى انتشار الهزال المزمن أيضاً. يمكن أن تزيد محطات التغذية والطُعوم وأماكن لعق الملح الاصطناعية التي تجذب الغزلان من معدلات الإصابة عن طريقة دفع الغزلان للتجمّع وإنشاء نقاط تتراكم فيها البريونات.

ماذا يجب أن تعلم عن مرض الهزال المزمن؟

تم اكتشاف المرض في شمال ولاية ميسيسيبي وغرب تينيسي، حيث أعمل، في عام 2019. استناداً إلى معدل الإصابة المرتفع نسبياً في ذلك الوقت، فمن المحتمل أنه كان موجوداً هناك لعدة سنوات مضت وكان ينتشر بسرعة. في الوقت الحالي، نحو 40% من قطيع الغزلان الموجود في محطة أبحاث أميس مصابة بالمرض.

استمرت الأبحاث حول مرض الهزال المزمن منذ عقود في جميع أنحاء البلاد، وتُجرى الآن في الجنوب. نقوم في محطة أميس، بالتعاون مع علماء آخرين من جميع أنحاء البلاد، بتحليل عينات التربة والأغصان بحثاً عن تراكيز البريونات العالية وتحديد زيارات الغزلان لمواقع الكشط وطعوم الملح. كما نبحث أيضاً عن طرق للتخلص من طعوم الملح الاصطناعية لتجنب استمرار التعرض.

تشمل الدراسات الأخرى تدريب الكلاب على اكتشاف المستقلبات المرتبطة بالمرض، وتطوير نظام إنذار مبكر للتحذير قبل أن ينتشر البريون عبر البرية.

كما ندرس تفاعل الصيادين عند اكتشافهم إصابة محلية بمرض الهزال المزمن، ونقارن معدلات الصيد قبل وبعد إصابة القطيع. تعتبر آراء الصيادين مهمة لأنهم يحبون الأماكن الخارجية وهم أهم وسيلة لدينا لمكافحة انتشار المرض. في الواقع، يعتبر الصيد أداة أساسية لإدارة الغزلان، لا سيما التحكم في مجموعات الغزلان التي تحتوي على أعداد فائضة حيث يمكن أن يتفشى المرض بسرعة.

يشارك صيادو الغزلان لدينا في البحث في كل خطوة وغالباً ما يجلبون عينات من الغزلان التي يصطادونها. يقول أحد الصيادين: «لقد جلبنا ما نستطيع من العينات».

نتطلع إلى تكثيف جهودنا من خلال التعاون مع علماء آخرين لدراسة القطعان المريضة لتقديم رؤىً حول مرض الهزال المزمن تعود بالفائدة لكل من الحيوانات والبشر.

المحتوى محمي