الموطن الاساسي لطائر البطريق في القارة القطبية الجنوبية حيث يعد شهر مايو اكثر برودة مع حلول فصل الشتاء، مع درجات حرارة منخفضة وليالٍ ممتدة، ما يؤدي إلى بقاء ضوء النهار الضئيل لفترة محدودة من عدة ساعات. هذا إن تمكنت الشمس من البزوغ فوق الأفق أصلاً.
قبل حوالي عشرين عام وفي شهر مايو، أنزل العلماء كاسحة الجليد "آر في ناثانييل بي بالمر" في كيب واشنطن عند الحافة الجليدية التي تغطي بحر روس. كانت جولة قصيرة من يومين في رحلة استمرت أكثر من شهر إلى واحدة من أكثر تجمعات الحيوانات النائية التي يتعذر الوصول إليها في العالم.
وشق علماء الأحياء طريقهم نحو واحدة من أكبر مستعمرات البطريق الإمبراطور، على طول التضاريس غير المألوفة التي وصفها الباحثون في دراسة جديدة باسم "ظلام بلا قمر".
سار جيرالد كويمان في المقدمة، وكانت عيناه تتكيفان مع الليل المظلم. لم يكن هو ورفاقه وحدهم. فحتى في الضوء الخافت الذي ينعكس على الثلج، لاحظ كويمان، عالم الأحياء في معهد سكريبس لعلوم المحيطات، مسارات حديثة لطيور البطريق تتجه من المستعمرة إلى البحر.
لم تكن مجرد مسارات. سمع كويمان وزملاؤه الطيور يدعو بعضها بعضاً، ولاحظوا مجموعات من طيور البطريق في طريقها إلى البحر أو منه، أو تسبح على جانب القارب. وبالفعل، فإن ذكور البطريق ينبغي عليها أن تعدّ نفسها لواحدة من أشد حالات الصيام على كوكب الأرض، وهو ماراثون لمدة 115 يوماً من عدم الأكل، يقوم الذكور خلاله باحتضان بيضة واحدة، في حين أن الإناث تخرج إلى البحر من أجل الغذاء. ولكن في بعض الأماكن، حيث يكون البحر قريباً بما فيه الكفاية إلى المستعمرة، يبدو أن بعض طيور البطريق تخرج إلى المياه الشتوية المظلمة لتناول وجبة خفيفة مغذية قبل أن تكمل عملها للحفاظ على دفء البيضة.
ولم يشر البحث الذي نشر في مجلة علم الأحياء التجريبي بوضوح إلى طيور البطريق التي تتغذى في الظلام، ولكن تم تركيب علامات موصولة بالأقمار الصناعية على أربعة طيور، لمراقبتها عندما تغوص تحت الماء من يونيو إلى أغسطس.
يقول كويمان: "إذا كانوا ذاهبين إلى الماء، فلماذا لا يفعلون شيئاً آخر غير الحصول على الغذاء؟ فهم عادة حيوانات مفترسة مرئية، ولكن طيور البطريق يمكن أن تتغذى ليلاً. وهذا، على ما أعتقد، مثال على ذلك".
ويعتقد كويمان أن هذا السلوك قد يعطي طيور البطريق في هذه المستعمرات الأكثر شمالاً، والأقرب إلى المياه المفتوحة، ميزة غذائية. وعلى افتراض أن بعض طيور البطريق التي رأوها في الماء كانت ذكوراً ترعى بيضها، يرى كويمان أن: "أي تغذية يقومون بها قبل وضع البيض، والذي يحدث خلال الأسبوعين الأولين من يونيو، تعني أنهم قد كسروا صيامهم إلى حد ما. فقد حصلوا على زيادة في وجباتهم الغذائية. وبدلاً من 115 يوماً، يصبح الصوم 70 أو 90 يوماً. وأي زيادة ولو قليلة يمكن أن تساعد في مثل هذا الوضع".
وقد تكون البطاريق التي تتبعوها إناثاً وضعت للتو بيضها، أو بطاريق ليس لديها بيض. وقد أظهرت مشاهدات أخرى أن هناك حركة للبطاريق داخل وخارج إحدى المستعمرات خلال فترة ما قبل وضع البيض. ولكن التوفيق بين جميع هذه المعلومات أمر صعب، بسبب بعد العديد من مستعمرات البطريق الإمبراطور.
تقول العالمة الأوسترالية باربرا وينيك، والتي تدرس أيضاً بطريق الإمبراطور، ولكنها لم تشارك في هذا البحث: "معظم المستعمرات بعيدة جداً عن محطات البحث، ومن الصعب -إن لم يكن مستحيلاً- الوصول إليها. وهناك بعض المستعمرات في شرق القارة القطبية الجنوبية لا تكون فيها المشاهدات الشتوية غير عادية، ولكن في مناطق أخرى (بحر روس وبحر ويديل البحار وغرب القارة القطبية الجنوبية) فإن تلك المشاهدات نادرة للغاية. والبيانات المقدمة هنا نادرة لأن كويمان وزملاءه تمكنوا من الوصول إلى إحدى المستعمرات في بحر روس قبل البدء في العمل، وهذا ممكن فقط في عدد قليل جدا من المواقع ".
تقع كيب واشنطن، حيث أجرى كويمان وزميله روبرت فان دام، إلى الشمال من بعض المستعمرات الأخرى الأبعد نحو الداخل. ويعتقد كويمان أن أحد الأسباب التي تجعل المستعمرات في كيب واشنطن ومواقع أخرى على بحر روس قوية جداً، أنها تصل إلى الغذاء بسهولة أكبر، ولا تضطر البطاريق إلى الصيام مدة طويلة كرفاقها الذين يعيشون في مناطق أكثر جنوباً.
ولتأكيد النتائج، سيحتاج الباحثون إلى مزيد من البيانات من المزيد من طيور بطريق الإمبراطور، وقد يكون ذلك باستخدام أجهزة إرسال أكثر تقدماً متوفرة حالياً. وهذا يعني تأمين أموال المنح الثمينة، والعبور على كاسحة الجليد، والتي يكون فيها القبطان على استعداد أن يذهب بها إلى بقعة يتعذر الوصول إليها في منتصف الشتاء في القارة القطبية الجنوبية، مع فرصة ضئيلة للإنقاذ إذا حدث أي مكروه. إنه عمل صعب. وكان كويمان يحاول ولمدة عشرين عاماً إقناع وكالات التمويل لدعم رحلة العودة. يقول كويمان عن الجهود المستقبلية: "إن ينبوع الأمل لا ينضب". وعلى الرغم من الصعوبات، فإن لديه اقتراحات لمشروع آخر للذهاب ودراسة هذه البطاريق في فصل الشتاء، وربما الحصول على صورة أفضل لعاداتها في التغذية والغوص.
يقول كويمان: "بمجرد العمل مع بطاريق الإمبراطور، يصعب التخلي عنها. إنها حيوانات رائعة، تعيش في أماكن مدهشة".