تستضيف محيطاتنا في الوقت الحاضر حيتان مثل الأوركا (Orcas) أو الحيتان القاتلة، التي تطارد أسماك القرش حتى تصطادها وتأكل أكبادها، والحيتان البالينية (حيتان العظام الضخمة) التي تحتشد في مجموعات كبيرة تبعث على الخوف، لتتغذى على الأسماك الصغيرة، ونوع مجهري من الحيوانات يسمى كريل.
يُعرف هذا النوع الأخير من الحيتان أيضاً باسم ميستيسيتي Mysticeti، وهي حيتان تتغذى بالاعتماد على نظام لتصفية الغذاء (هناك صنفان رئيسيان للحيتان: المسنّنة والبالينية). حيث تقوم بتصفية غذائها من الماء، عبر صفائح سميكة من البالين، التي تشبه أظافرنا في تركيبتها. في حين لازال النوع الأول يستخدم الأسنان، إلا أنه قبل 36 مليون سنة، لم يكن لهذا النوع من مجموعات الأسنان وجود.
في ورقة علمية نشرت في 11 مايو الحالي في مجلة Current Biology، يعلن علماء المستحاثات أنهم عثروا على أحد أقرباء الحيتان البالينية منذ الزمن الغابر والذي رغم أنه كان لديه أسنان في فمه، لكن يبدو أيضاً أنه كان يتغذى عن طريق ارتشاف الماء والفرائس داخل فمه، ثم يبصق الماء من جديد خارجه. هذه الطريقة في تناول الطعام لا تعتبر عملية تصفية تماماً، وإنما هي أقرب لطرق الصيد المعروفة الأخرى.
كان هذا الحوت الأحفوري – الذي يبلغ طوله من 12 إلى 13 قدماً (3.7 إلى 4 أمتار) – صغيراً نوعاً ما (قياساً لأطوال الحيتان المعيارية)، وقد عاش قبالة سواحل اليابسة التي تعرف اليوم بالبيرو. كان لدى هذا النوع أسنان، ولكن أنماط الأفاريز التي وجدت على هذه الأسنان لا تتطابق مع تلك الموجودة على أسنان الحيتان الصيادة الحالية مثل حيتان الأوركا. فهي تمتلك توهّداً حاداً، وكأنه صادف وجود رمال مع طعامها أثناء تناولها له. يبدو الأمر مرجحاً حدوثه بشكل أكبر فيما لو كانت ترتشف الطعام – مثل أسماك الراي اللذيذة التي تعود إلى ما قبل التاريخ – قرب قاع البحر أكثر مما لو كانت تطارد فرائسها عبر المحيط المفتوح.
قاد هذا الدليل، إضافة إلى الشكل المميز للجمجمة الأحفورية، إلى الاستنتاج بأن هذا النوع من الميستاكودون سيليننسيس يملأ فجوة تخللت مراحل التطور التي تظهر في السجل الأحفوري، لتحدد تحولاً بعيداً عن الأسنان في شجرة العائلة الخاصة بالحوت الباليني.
كما لاحظ علماء المستحاثات أيضاً أن الميستاكودون لديها ميزة تطورية غريبة أخرى: أطراف خلفية بارزة من جوف الحيوان. تطور هذا الحوت، مثل غيره من الحيتان، من حيوانات كانت تعيش على اليابسة. يبدو واضحاً بالتالي في هذه المرحلة من عملية التطور، أنه لا زال محتفظاً ببعض التذكارات البيولوجية من أسلافه البرية على شكل أرجل صغيرة متبقية.
ستتضمن الخطوة التالية إلقاء نظرة أكثر قرباً على المستحاثات وفحص تكوين العظام للتحقق من وجود دليل على التحول الغذائي. يقول أوليفييه لامبرت، المؤلف المشارك للدراسة، في بيان له: "سننظر داخل العظام لنرى إن كنا نستطيع العثور على بعض التغيرات التي قد تكون مرتبطة بهذا السلوك الخاص". ويضيف: "من بين الثدييات المائية، عندما يعيش حيوان يسبح ببطء بالقرب من قاع البحر، عادة ما تكون عظامه متراصة بشكل أكبر، وهذا أمر نريد أن نختبره في حالة حيتان الميستيسيتي الأولى".